«قانون تحصين العقود».. بين «دوافع عدلى منصور» و«صدمة الثورة»

كتب: محمود الجمل

«قانون تحصين العقود».. بين «دوافع عدلى منصور» و«صدمة الثورة»

«قانون تحصين العقود».. بين «دوافع عدلى منصور» و«صدمة الثورة»

تفاءل كثير من محاربى الفساد ومعارضى خصخصة القطاع العام خيراً بعد اندلاع ثورة يناير عام 2011، وتوقعوا أن تكلل القوانين الصادرة عن مؤسسات الدولة جهودهم على مدار عشرين سنة مضت قبل اندلاع الثورة لإيقاف برنامج الخصخصة، الذى بدأته الحكومة فى مطلع التسعينات وتحديداً فى 1993 فى فترة رئاسة الدكتور عاطف صدقى للوزراء، بخصخصة فندق شيراتون، وتوالت عمليات الخصخصة لعدد كبير من الشركات أشهرها شركات «عمر أفندى» و«طنطا للكتان والزيوت» و«النيل لحليج الأقطان» و«المراجل البخارية» و«مصر شبين للغزل والنسيج» وغيرها.

واصطدم برنامج الحكومة لخصخصة الشركات الحكومية بسيل من الدعاوى القضائية، كان أولها عام 2006 ضد بيع شركة طنطا للكتان والزيوت، ثم توالت الدعاوى القضائية وانتهت ببطلان بيع بأحكام قضائية باتة من القضاء الإدارى بمجلس الدولة عدد من الشركات بعد اندلاع ثورة يناير.

{long_qoute_1}

وأعطت أحكام بطلان الشركات رسائل سلبية لرجال الأعمال والمستثمرين، وعزفوا عن ضخ الاستثمارات على أرض مصر، ووجدت الحكومات بعد ثورتى يناير و30 يونيو، أنفسها أمام إشكالية ومعضلة كبرى لإقناع المستثمرين بضخ استثمارات جديدة، وأبدوا تخوفاتهم صراحة جراء الأحكام القضائية التى وصلت إلى حد الحكم بالسجن على رجل الأعمال الإماراتى حسين سجوانى، حيث قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن 5 سنوات على حسين سجوانى وهشام الحاذق، بعد إدانتهما بتسهيل الاستيلاء على الأراضى التابعة لهيئة التنمية السياحية، «جمشة» بالغردقة والإضرار المتعمد بالمال العام، وتغريمه نحو 294 مليوناً، واضطر المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية السابق، إلى إصدار القانون رقم 32 لسنة 2014، الذى يعد تعديلاً على المادة 8 من قانون حوافز وضمانات الاستثمار، والذى يقضى بتحصين العقود وقصر الطعن على طرفى التعاقد لطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين.

ووصف عبدالغفار مغاورى، صاحب دعوى بطلان عدد من الشركات التى دخلت فى إطار برنامج الخصخصة أشهرها شركة «المراجل البخارية وأوعية الضغط»، قرار رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلى منصور رقم 32 لسنة 2014 بتاريخ 22 أبريل 2014 والخاص بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، بـ«ضربة قاصمة للمناضلين ضد الفساد والخصخصة».

وأوضح «مغاورى» أن قانون «منصور» يمثل عودة إلى ما قبل ثورة يناير، بخلاف أنه قرار غير دستورى، حيث نص فى مادته الأولى على أنه مع عدم الإخلال بحق التقاضى لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، يكون الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات والمؤسسات العامة والشركات التى تمتلكها الدولة أو تسهم فيها أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى أبرمت هذه العقود استناداً لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفى التعاقد أو أحدهما فى جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها فى البابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، وكان العقد قد تم إبرامه بناءً على تلك الجريمة.

وتابع «مغاورى»: المادة الثانية أيضاً من القانون تضمنت أنه مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما فى ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون. وأكد «مغاورى» لـ«الوطن» أن القرار شابه العوار الدستورى ويتعارض مع المادة 34 من الدستور الحالى التى تؤكد أن «الملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها وحمايتها واجب وفق القانون»، وكذلك المادة 98 تؤكد أن «حق التقاضى مصون ومكفول وتلتزم الدولة بسرعة الفصل فى القضايا ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء»، مشيراً إلى أنه بالإضافة إلى القرار 32 لسنة 2014 فعدلت الدولة المادة 16 مكرر بقانون الإجراءات الجنائية، الذى فتح باب التصالح ونص على «يجوز التصالح فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع والخاصة بالموظف العام المرتشى وشريكه ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس الوزراء وتنعقد جلسة مشورة فى محكمة النقض لتقر ما يقره مجلس الوزراء وتنقضى الدعوى الجنائية»، وهذا أيضاً مخالف للمادة 112 من قانون العقوبات التى تحاكم الموظف المرتشى وتلزمه برد ما ارتشاه، فهنا السلطة التنفيذية، بحسب «مغاورى»، هى التى تحاسب وتتصالح مع الموظف المرتشى فى آنٍ، فالدولة تحافظ على هيبة الموظف العام، وهذا إهدار لهيبة الدولة، وتقنن الرشوة فى مصر وتغل يد القضاء، حسب قوله.

فى المقابل، قال مصدر مسئول بوزارة الاستثمار، إن تعديلات قانون ضمانات وحوافز الاستثمار ستوفر طمأنينة للمستثمر الذى أصبح يتخوف من إبرام أى عقود مع الحكومة خشية إبطالها، وأضاف المصدر لـ«الوطن» أن التعديلات ستجنب مصر أموالاً طائلة تدفعها نتيجة أحكام تصدر ضدها من أشخاص ليس لهم صفة فى الطعون، بالإضافة إلى أنها ستقضى على الباحثين عن الشهرة من وراء رفع هذه القضايا. من جانبه، يرى وائل حمدى، المحامى ومقيم العديد من دعاوى بطلان عقود الاستثمار المقامة مع الدولة، أبرزها «مدينتى وغزل شبين» أن تحصين العقود المبرمة مع الدولة يثير الشك ويدعو للتساؤل، خاصة أن القانون الإدارى نظم طرق الطعن من جانب أطراف العقد.

 


مواضيع متعلقة