أخطاء «ليون» وتحديات «كوبلر» فى ليبيا

وفاء صندى

وفاء صندى

كاتب صحفي

غداة إعلان المبعوث الأممى السابق برناردينو ليون الوصول إلى اتفاق ليبى وتشكيل حكومة توافق وطنية، تساءلت فى مقال، وقتها، عما إذا كان الحوار الليبى قد وصل فعلاً إلى حالة النضج التى تسمح بالتوقيع على اتفاق تلتزم به جميع الأطراف ويعيد الاستقرار إلى ليبيا بعد تشكيل حكومة قوية. والحقيقة أن استفهامى بصيغة التعجب كان مبنياً على مجموعة من المعطيات مفادها أن الحوار عرف مجموعة من الأخطاء التى كانت لتسرّع بإسقاط الاتفاق أو على الأقل تعطيله، وهذا ما حدث فعلاً، والاتفاق الذى كان من المتوقع أن يوقّع بعد أسبوع من إعلانه دخل مرحلة مخاض جديدة يصعب التكهن بنتائجها.

ومن ضمن هذه الأخطاء محاولة «ليون» الإسراع بالحوار لتحقيق نتائج بأى شكل كان لإنهاء مهمته بالإعلان عن تشكيل الحكومة، وإن كان ذلك عن طريق إدخال تعديلات عديدة على الاتفاق الذى تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى من أجل إقناع طرابلس بالانضمام إلى الاتفاق، على حساب مطالبة مجلس النواب فى طبرق بقبول تقديم تنازلات رغم تعهد «ليون» فى وقت سابق بعدم فتح الاتفاق الموقع.

أضف إلى ذلك إعلان «ليون» للأسماء المشكلة للحكومة وللمجلس الرئاسى دون تشاور كافٍ مع كل الأطراف الليبية. فى الوقت الذى مارس فيه المنتظم الدولى كافة الضغوطات، وصلت حد التهديد بفرض عقوبات على الأطراف غير الملتزمة بما فيها مجلس النواب، لقبول مقترحات «ليون»، مما أوصل العملية السياسية إلى ما وصلت إليه اليوم.

وأمام هذا الواقع المأزوم، فإن المبعوث الأممى الجديد، مارثن كوبلر، مطالب بتدارك الأخطاء السابقة مع ضرورة ضمان استمرارية الاتفاق، أى البناء على التقدم الذى حققه «ليون»، فأى عودة إلى الوراء ستعيد الحوار إلى نقطة الصفر وستضيع المزيد من الفرص فى الوقت الذى تتزايد فيه وتيرة العنف فى ليبيا ويتزايد خطر تصديرها للإرهاب للمنطقة.

«كوبلر» مطالب باستئناف الحوار على أساس المسودة النهائية وفى ضوء ما تم الاتفاق عليه من توسيع المجلس الرئاسى إلى 9 أفراد لتغطية مختلف المناطق الليبية؛ وهذا ما أعلنه «كوبلر» مؤخراً وخلق جدلاً بين بعض أعضاء مجلس النواب؛ وعدم فتح الاتفاق أمام أى تعديلات جديدة حتى لا يفتح المجال للطرف الآخر بتقديم تعديلاته أيضاً، فيدخل الحوار فى مرحلة من التجاذبات ويسقط بالكامل. مع ضرورة عدم الانسياق وراء الأفكار التى تطالب بعدم اعتراف المجتمع الدولى بمجلس نواب طبرق الذى مدد لنفسه قبل أن تنتهى مدة ولايته بأيام قليلة، إذ ذلك سيؤدى إلى كارثة فراغ مؤسساتى.

وإذا كانت هناك أغلبية كبيرة فى مجلس النواب مؤيدة للاتفاق وصلت إلى 90 نائباً، حملوا المسئولية القانونية الكاملة لرئاسة مجلس النواب لمخالفتها نصوص اللائحة الداخلية، مع تحفظ بعضهم على المادة 8 من الأحكام الإضافية المتعلقة بشغر المناصب العسكرية والمدنية العليا، فى حين يرفض التوقيع عليه باقى الأعضاء، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لأسباب غير مفهومة، دون احتساب المقاطعين، فأمام «كوبلر» مهمة إقناع مجلس النواب للتصويت إيجاباً على التوقيع على الاتفاق سواء بالإبقاء على المادة 8 أو التحفظ عليها أو إلغائها، مع تأجيل الحسم فى هذه النقطة إلى ما بعد تشكيل الحكومة.

وإذا ما فشل «كوبلر» فى إقناع مجلس النواب بالتصويت على الاتفاق فسيكون أمامه خيار الدعوة للتوقيع على الاتفاق من قبل من حضر من الأطراف الليبية المؤيدة له دون انتظار التصويت من طرف مجلس النواب، لكن فى هذه الحالة يمكن طرح تساؤلات بخصوص فاعلية هذا الاتفاق الذى سيوقع دون موافقة رسمية من مجلس النواب، ومدى النجاح فى استمراريته وضمان ألا تدخل ليبيا بعده فى مرحلة من الصراع وربما التصفيات.

أما بخصوص خليفة حفتر، الذى يعد خطاً أحمر بالنسبة للمعتدلين فى مصراتة وطرابلس، والذى يعنى استمراره فى رئاسة الجيش أنه لن يؤمّن موافقة هؤلاء على الاتفاق أو إشراكهم فى جهود تأمين طرابلس ومحاربة الإرهاب، فإن «كوبلر» مطالب أيضاً بإيجاد حل لهذه النقطة؛ وإن كانت صيغة الاتفاق لا تعطى فى حد ذاتها قراراً نهائياً بخصوص مستقبل «حفتر» وإنما تترك الباب موارباً للتفاعل السياسى فى المستقبل؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أن «حفتر» يحظى فى المقابل بالكثير من التأييد فى الشرق والقبائل وبعض الميليشيات وضباط الجيش، وأن الإصرار على ألا يكون جزءًا فى المشهد الليبى سيكون خطأ يصعب تداركه، فى الوقت الذى يمكن تركه حالياً فى منصبه مع إعطاء ضمانات بأن قيادة الجيش ستخضع مستقبلاً لحكومة الوفاق الوطنى.

ليبيا تدفع ثمن سياسات ديكتاتورية فاشلة، وتدفع أيضاً ثمن السياسات الاستعمارية للدول الغربية بعد سقوط نظام القذافى، وهذه الدول هى الآن الأكثر تضرراً بما وصلت إليه الأوضاع وما تصدّره ليبيا من إرهاب واتجار فى السلاح والمخدرات وهجرة غير شرعية. ويجب على الجميع التخلى عن مطامعه والتحلى بروح المسئولية، فالفشل فى التوصل إلى حكومة توافقية لن يؤدى فقط إلى سقوط ليبيا ولكن أساساً إلى استفحال الإرهاب الذى سيتضرر منه الجميع فى المنطقة والعالم.