ليس فى القرآن والسنة انتخابات

11/27/2015

نائل السودة

كاتب صحفي

قال شيخ الجامع الأزهر الدكتور الطيب إن مقاطعة الانتخابات مثل عقوق الوالدين! ولم يبين لنا الشيخ من هما الوالدان، هل هو رئيس الجمهورية أم النظام السياسى أم من بالضبط وزوجته؟ كما لم يوضح أوجه الشبه بين الانتخابات والوالدين، ولا بين المقاطعة والعقوق؟

عقوق الوالدين من الكبائر ويأتى فى الترتيب الثانى من الكبائر بعد الشرك بالله.. إلى هنا وصل الشيخ فى التعبير عن ولائه وقناعته السياسية.

وقال الشيخ عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، قبل مقولة شيخ الأزهر المدهشة بأيام، إن التصويت والذهاب إلى اللجان لاختيار النواب واجب شرعى لا يقل عن وجوب الصلاة، ما وجه الشبه؟

الصلاة ثانية الفروض الواجبة على المسلم بعد الشهادتين، وبالتالى وضع الشيخان الانتخابات البرلمانية بعد الإيمان بالله ورسوله! فهل تحل الانتخابات الرئاسية والاستفتاء فى هذه الفتاوى المبدعة ثالثاً؟

لن نسأل عن سند شرعى أو دينى لهذا الكلام، إذ إنه يمكن لرجال الدين عموماً أن يأتوك بأطنان من الحجج والأسانيد التى تؤيد الفتوى وعكسها بحسب مواقعهم.

ولا شك أن هناك مشايخ آخرين، ومن الإخوان والسلفيين والدواعش يفتون بعكس ذلك، على الرغم أنهم كانوا يقولون مثل هذه الفتاوى الدعائية المغالطة للمقاطعين فى الاستفتاء على دستور «مرسى»، كما قرروا أن دخول الجنة من نصيب من يصوت لصالح جماعتهم فى الانتخابات السابقة.

لقد قام الشعب بثورته على جماعة الإخوان لأنهم يخلطون مثل هذا الخلط بين الدينى والسياسى، وكان سعيهم دؤوباً لمزيد من هذا الخلط، بقصد إحكام السلطة والسيطرة والإخضاع، ولكنهم لم يكونوا قد وصلوا بعد فى خطابهم -ولا شك أنهم كانوا سيصلون- لما وصل إليه الشيخان السباقان من اعتبار الرأى والموقف السياسى من الكبائر.

كان سعى شعبنا فى 30 يونيو، الخلاص من تراث عقيم وخلطٍ سقيم بين الدين والسياسة، أنتج وينتج المزيد من التخلف والعبودية والقمع والاستبداد والتعاسة لمن خلقهم الله أحراراً، بينما يريدهم السلطويون وأتباعهم تراثاً وعبيداً مطيعين.

أليس لكم حقكم فى الرأى، وللناس حقهم؟ أم تصادرون هذا الحق بدعاية دينية براءٌ منها الدين؟

رجال الدين لا يريدون أن يُخرجوا أنفسهم من مطاحن السياسة وأفرانها، أملاً فى بعض خبزها وسلطتها إضافة لخبز الدين وسلطته.

من الأجدى أن يخلصوا للدين ولله وحده، ويفرغوا له، وينفذوا إلى جوهره وعقله، ويمسحوا ما علق به من أدران لطخته بفعل بعض رجاله، وبعضٌ غيرهم.

إننا بحاجة أن نركز جهودنا فى إصلاح الأزهر الذى تراجعت مكانته وتأثيره، والبدء بتنقية مناهجه التى تمتلئ بخرافات وتخالف جوهر الدين وسماحته، هذا أجدى وأنفع من الانغماس فى الدعاية السياسية التى تمتلئ بالمغالطات.

ليس مناسباً أن يضع مشايخنا الأجلاء أنفسهم ذلك الموضع الذى لا يليق لا بالعقل ولا بالدين، فأمور السياسة أصلها المصالح المتعارضة والمتناقضة والمتعددة والمتصارعة، ودخولهم باسم الدين فى صراعها، سيمزق الدين ويمزقهم إرباً، بدليل ما تلقاه كل من الشيخين على صفحات التواصل الاجتماعى. السياسة ليس محلها الدين، ولا الدين محله السياسة، وليس الصراع السياسى محلاً لرجال الدين، وإن أرادوا خوضه فبلغةِ السياسة لا بلغة الدين، ولا بامتطاء الدين لتحقيق مصالح ومنافع.

ورغم أنه ليس مناسباً حشر الدين بالسياسة لأن هذا خارج نطاق عمله وقلبه، فإننى مضطر أن أسأل: هل كان على بن أبى طالب وبعض صحبه عاقى والديهم وتاركى الصلاة عندما رفضوا الخروج لمبايعة أبى بكر؟

المؤكد أنه لم يرد نص لا فى القرآن ولا فى الأحاديث يشير إلى ضرورة خروج المسلم المصرى فى انتخابات برلمان 2015.