البعد الاجتماعى للمقهى

فى منتصف يوم عمل ميدانى، طلب فريق الشباب والشابات أخذ قسط من الراحة على «قهوة»، بشرط أن تكون مجاورة لعربية فول؛ لتجمع الحسنيين، الطعام المصرى الجميل والرخيص، والشاى والراحة.. ولأن العمل الميدانى له قواعده وأهمها احترام رأى الأغلبية التى فى الغالب يقودها شباب وشابات؛ جلسنا على القهوة، اقترب منا صاحب القهوة وطلب بأدب شديد الجلوس معنا للحظات، رجل من الطبقة المتوسطة عرّفنا بنفسه وأنه مهندس ديكور ويملك هذه القهوة وقهوة أخرى، وطلب منى أن أنقل صوته ورؤيته للمسئولين، التى تتمثل فى «التأكيد على حزنه عمّا حدث فى شرم الشيخ والخراب الذى سيحل على ملايين العاملين فى السياحة، وإن كانت مفارقة عجيبة فى الوقت الذى يتم فيه دعوات بنفس القوة على المستوى الداخلى لهدم بيوت ملايين من العاملين المستفيدين من المقاهى، دون النظر إلى البعد الاجتماعى لها، ففى مصر ما يقرب من عشرة ملايين مواطن يعملون فى المقاهى مباشرة كعمال أو موردين، بيوتهم مفتوحة منها، فضلاً عن الدور المهم الذى تلعبه فى إدارة الحياة اليومية والذى أشار إليه كاتب نوبل العظيم نجيب محفوظ حينما أكد أن عامل القهوة يلعب دور السكرتير فى حياة العديد من الناس الذين لا يمتلكون القدرة على فتح مكاتب لهم، حيث تشكل القهوة مقر عمل للكثيرين ويساعد القهوجى فى تلقى الرسائل».

وقال لى: «بالتأكيد نقوم بمخالفات.. كثير من المقاهى يحتل الأرصفة وربما يزعج المارة، فى حين نسهم أيضاً فى حل أزمة البطالة، هل تتخيلين أننى بمفردى أدفع شهرياً رواتب خمسين ألف جنيه لعشرين شاباً ورجلاً يعملون عندى، أى فى رقبتى عشرين بيت مفتوحين؟!».

كل يوم يأتى ضابط القسم لعمل محاضر وأقول له «لا سيادتك هتبطل تيجى ولا احنا هنبطل نشتغل، لماذا لا يؤجر لنا الحى الرصيف، ويوجه الإيجار لخدمات أفضل للناس وسيادتك تهتم بالمجرمين بدلاً من مطاردة ناس عايزة تاكل عيش؟ وإلى أن يتم ذلك أصبحت العلاقة بيينا وبين السلطة علاقة عمل، كل يقوم بعمله: المحافظ يلفت النظر للإعلام، الضابط يحرر المحضر، ونحن نخالف القانون العقيم الذى وضعه ناس لم تقرأ سطراً عن الثقافة والحياة الاجتماعية المصرية لأننا لن نغلق البيوت المفتوحة، هناك وسائل للتعاون يمكن أن تؤتى ثماراً أفضل، يمكن استثمار المقاهى بدلاً من كونها مصدراً للقلق لتكون مصدراً للدخل يراعى البعد الاجتماعى والثقافى، مثل باريس التى أتت شهرتها من مقاهيها ويتغنى العالم بها».

الخلاصة: ما أراده هذا القهوجى المثقف هو تنظيم العلاقة لقطاع مهم فى المجتمع مثل استغلال الأماكن والأرصفة التى لا تشكل عائقاً مرورياً أو إزعاجاً للناس ويمكن أن توضع اشتراطات عند استخدام رصيف واسع أن يوضع سور حول الكراسى بالزهور ليفصل بين مساحة القهوة ويتيح مساحة جيدة للمارة مثل باريس التى زارها أكثر من مرة ويحلم أن تكون القاهرة مثلها تحتفى بمقاهيها وتحترم حقوق مواطنيها، بدلاً من الجرى وراء أحداث زخم إعلامى تدفع ثمنه البيوت المفتوحة فى حين لا تستطيع الحكومة تقديم بديل.

فى الحقيقة أكد لى هذا الرجل أن الشارع دائماً هو المعلم وأن التخطيط الصحيح لا يمكن أن يتم بمعزل عن إشراك أطراف القضية والاستماع إليهم والوصول إلى حلول مشتركة يحترمها الجميع ويلتزمون بها، هذا ما يبنى القانون ويرسخ هيبة الدولة التى تستمع لمواطنيها وتعمل معهم.. هل سيكون لصوته مستمع؟

أتمنى.