التعاون فى أعمال الخير

هناك موضوعات عديدة تتطلب تحليلاً واضحاً للمسيرة على المستوى الوطنى، والإقليمى، والعالمى، لا أستطيع من خلال المقالات القصيرة تحليل كل تلك الأحداث والوقائع والتحديات، وهى تحتاج إلى ذلك.

من التحديات المحلية، النوَّة التى أصابت الإسكندرية والبحيرة بشكل خاص بأضرار بالغة، وأظهرت بعضاً من نتائج الفساد والإهمال الممتد عبر عقود، من الموضوعات العالمية، القمة العربية الجنوب أمريكية، ودورها المنتظر على الساحة العالمية فى القضايا العديدة المديدة، وفى مقدمتها قضية فلسطين، وسوريا والعراق واليمن وليبيا، ثم قضية الهيمنة الغربية، ثم التعاون الاقتصادى والأمنى والسياسى.

لفت نظرى فى هذا الخضم الهائل ندوة برنامج الإعلامية البارزة لميس الحديدى مساء الاثنين ٩-١١-٢٠١٥، على قناة الـ«سى بى سى»، البرنامج كان مهماً، لأنه ببساطة يدعو إلى أن يتحمل ويضطلع المجتمع المدنى بمهمته العزيزة، سنداً للدولة التى عانت ولا تزال رغم الجهود الكبيرة المبذولة، قامت الأستاذة لميس باستضافة بعض المسئولين فى الحكومة وفى الجمعيات الخيرية وفى البنوك، وعرضت عليهم صور الكارثة التى أحاطت بالإسكندرية والبحيرة والغربية بشكل خاص. ومن الكارثة الأهم وراء الكارثة، أن يقول مسئول كبير فى الدولة لمن يشتكى له: «وأنا أعمل لكم إيه؟»، يا مولانا إن لم تحسن العمل فأحسن الرد وأحسن القول، يقول القرآن الكريم: «قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ».

فائدة هذا البرنامج كانت واضحة، حيث استحث الحضور والمشاهدين على الإسراع فى عمل الخير، وتنمية وتوسيع دائرة أعمال البر بعد أن كانت تقريباً تقتصر على الجمعيات الخيرية والأحزاب والحركات الإسلامية، خصوصاً توزيع الزيت والسكر أثناء الانتخابات، رغم اتساع المجتمع ورغبته وحاجته إلى عمل الخير، وحبه لأعمال البر والإحسان.

جاءت التبرعات للحالات المنكوبة على الأقل مثل «المرهم»، إن لم تستطِع علاج كل تلك الحالات، فإنها بكل تأكيد تخفف الألم وتُشعر المنكوبين بأن المجتمع يقف وراءهم، ويرى أن دور الإعلام كان مهماً للغاية فى سحب المجتمع وراءه للخير عندما تكون برامجه بنَّاءة.

كانت لميس الحديدى تدور فى دائرة قرآنية، علم بذلك من علم، وجهله من جهل، تلك الدائرة القرآنية محورها الآية الكريمة: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».

أعمال الخير تُسهم إسهاماً كبيراً فى صلاح وإصلاح المجتمع، وتسهم أيضاً فى ابتعاد المجتمع عن أعمال الشر، وتقلل من أعمال الإجرام والحقد والحسد وما تؤدى إليه. كان البرنامج يسعى لكى يحس ويشعر المجتمع بالمسئولية تجاه هذه الكارثة وغيرها حتى مع تقصير الدولة، وقد تذكرت وأنا أشاهد البرنامج قول الله تعالى: «وَالْعَصْر إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ». ومن أبعاد التواصى بالحق، يأتى التعاون على البر والتقوى. فى هذه الآية الكريمة القصيرة أربع صفات تجمع «الإيمان، وعمل الصالحات، والتواصى بالحق، والتواصى بالصبر»، وكل من هذه الصفات الأربع تحتاج إلى تفصيل لمن يريد الاستزادة، فالإيمان عقيدة وصفة عظيمة، وقيمة عالية، وهذه الصفة، قول وعمل، وهذا الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهو الأصل.

ما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»، وليس هناك -فى المجتمع الإنسانى- مَن يحب أن ينام شبعان، وأن ينام جاره جائعاً أو مشرداً أو مطروداً من بيته، أو لا يجد غطاءً ولا حماماً يقضى فيه حاجته.

وهذا العمل الذى شاهدته بالأمس يدخل فى إطار قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، وهذا السعى مما يحقق قول الله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»، والمواطنون -كل المواطنين- فى حاجة إلى التعاون هذا، أتمنى أن نرى المجتمع المصرى «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، كما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم.

إن عمل الخير هذا يجب أن يكون عن علم ووعى حتى لا يستفيد منه اللصوص ومن يتاجرون فى الشعب بعمل الخير، وهذا العمل الخيرى مستمر طالما كان هناك فقير أو محتاج أو مريض أو حتى مدرسة تحتاج إلى إصلاح أو حتى حمامات صالحة أو مستشفى يحتاج إلى معدات طبية. وكم نفرح جميعاً ونحن نرى مستشفيات علاج الأورام تتسابق فى عمل الخير وعلاج الفقراء الذين لا يستطيعون علاج أنفسهم ولا ذويهم.

أقول لمن يدعو إلى الخير فى المجتمع، خصوصاً فى البرامج التلفزيونية التى يراها العدد الكبير من المشاهدين، ما قاله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً». وندعو الله تعالى أن تكون كل أو معظم برامجنا الإعلامية مثل هذا البرنامج الذى أشرت إليه، وتحية للمشاركين فيه، وفى مقدمتهم الإعلامية لميس الحديدى. وكم نحتاج إلى المزيد من هذه البرامج حتى ينتهى الشر كله، وتنتهى الكوارث كلها، وينتعش المجتمع المدنى، ويقوم بواجبه سنداً للدولة، والله الموفق.