الاستحقاق الخامس.. الانتخابات المحلية!

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

لا تزال خارطة المستقبل تمثل الأساس الذى تم التوافق عليه بين المصريين باعتبارها الخطة الوطنية المتكاملة للعبور بالوطن إلى مستقبل أفضل وآمن بالتنمية المستدامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإنها ليست فقط تلك الاستحقاقات الثلاث التى حظيت بالاهتمام الرسمى والإعلامى.

فقد توافقت القوى السياسية المجتمعة يوم 3 يوليو 2013 على خارطة للمستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يُقصى أحداً من أبنائه وتياراته ويُنهى حالة الصراع والانقسام بحسب البيان الذى ألقاه الفريق السيسى. واشتملت الخارطة على أمور تم تنفيذها مثل تعطيل العمل بالدستور الذى وضعته الجماعة الإرهابية، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للبلاد، ووضع دستور جديد وافق عليه المصريون، وانتخاب رئيس للجمهورية، ويجرى الآن انتخاب مجلس النواب باعتباره، حسب القول الشائع، الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل! ولقد بيّنت فى مقال الأسبوع الماضى أن ثمة استحقاقاً رابعاً هو إعادة بناء الوطن، واليوم نستكمل بالحديث عن أمور لم يتم إنجازها من خارطة المستقبل، واستحقاق خامس لا بد أن يلقى الاهتمام والإنجاز السريع من الدولة والدعم والمؤازرة من المواطنين، وهو تشكيل مجالس محلية مؤقتة لحين إصدار قانون جديد للإدارة المحلية ينظم شئونها على نحو جديد. أما الأمور التى لم تتم من خارطة المستقبل فهى تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية، ذلك بأن الحكومات التى تم تشكيلها منذ 30 يونيو 2013 افتقدت صفات الكفاءة والقدرة على إنجاز ما يطمح إليه المواطنون. كذلك لم يتم وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيادية وإعلاء المصلحة العليا للوطن، حيث لا يزال الإعلام المصرى، وبخاصة الإعلام والقنوات الفضائية الخاصة، تموج بكل ما هو سلبى ومناقض لمواثيق الشرف الإعلامى فى الدول الديمقراطية المتحضرة! كذلك لم يتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكونوا شركاء فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة، فى حين تم تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية وقت الرئيس المؤقت عدلى منصور واجتمعت اللجنة مرة واحدة!

ونأتى إلى الاستحقاق الخامس لخارطة المستقبل، وهو ضرورة الإسراع بتشكيل مجالس محلية مؤقتة لضمان وجود رقابة ومساءلة شعبية على أداء المحافظين وأجهزة الإدارة المحلية بعد تفشى الإهمال وتردى الخدمات العامة، ناهيك عن توقف التنمية المحلية وتوحش الفساد! إضافة إلى أن نظام الإدارة المحلية الحالى يركز معظم السلطات فى الوزارات المركزية مع إنشاء مديريات للخدمات على المستوى المحلى لمباشرة بعض الاختصاصات فى حدود ضيقة من الصلاحيات وتحت الإشراف والسيطرة والهيمنة من الوزراء المركزيين. إن الغاية من تطوير نظام الإدارة المحلية هو التحول نحو اللامركزية لتخفيض سيطرة الحكومة المركزية على شئون المحليات التى يكون مواطنوها أعرف بمشكلاتها، مع تخويل الأجهزة الإدارية ومقدمى الخدمات بها الصلاحيات الكافية لإدارة شئونهم باستقلال يتناسب مع طبيعة الظروف المحلية التى تتباين من محافظة لأخرى ولا يستقيم معها فرض ذات النظم والإجراءات والقواعد التى تحددها الحكومة المركزية على جميع تلك المحافظات والوحدات المحلية. كما أن إدخال درجة من التنافسية بين المحافظات والوحدات المحلية، بما يستتبع ذلك تمكينها من الأداء واتخاذ القرارات، يُعتبر حالة صحية من أجل تحسين مستوى الأداء وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.

ولعلنا نتأمل الإهمال الشديد الذى لاقته محافظات صعيد مصر لسنوات طوال من جانب الدولة التى انصرفت جهودها بالأساس للمشروعات التنموية فى حضر مصر وتغافلت تماماً عن تخطيط التنمية وتوزيع مشروعاتها بعدالة بين أقاليم مصر، وكانت النتيجة تفاقم مستويات الفقر فى صعيد مصر وانتشار البطالة بين أبنائه، ومن ثم ما كان من تفجُّر حالات العنف لفترة كانت من أسوأ ما شهدت مصر فى تاريخها القريب. وليس يخفى على أحد أن ما يبدو من هدوء وانحسار للعنف والجماعات المتشددة لا يعنى انتهاء المشكلة ما دام الفقر وسوء توزيع الثروة وانعدام تكافؤ الفرص سائداً، وما دام صعيد مصر وغيره من المحافظات سيئة الحظ بعيدة عن اهتمام الدولة. ويصدق نفس الأمر بالنسبة لسيناء بسبب الإرهاب، ما يؤدى إلى تراجع معدلات تنفيذ المشروع القومى لتنميتها.

وتتضح حالة الوحدات المحلية فى ظل المركزية الشديدة وعدم إطلاق قدراتها فى التصرف من مأساة الإسكندرية خلال أيام سوء الأحوال الجوية فى الأسبوع الأخير من أكتوبر 2015 وغرق المدينة فى مياه الأمطار ومياه البحر وعدم وجود صيانة دائمة ومستمرة للبالوعات واختفاء عربات شفط وكسح المياه، ما أدى إلى وفاة خمسة مواطنين، ودعا المحافظ إلى الاستقالة وأن يجمع الرئيس السيسى مجلس الوزراء فى اجتماع عاجل لدراسة الحالة واتخاذ قرارات بشأنها.

وكان حل المجالس المحلية بعد 25 يناير 2011 تلبية لمطالب الثورة، وحكمت محكمة القضاء الإدارى فى 25 يونيو 2011 بحل جميع المجالس الشعبية المحلية وإلزام المجلس العسكرى ومجلس الوزراء بإصدار قرار بحل تلك المجالس.

وبالفعل أعد مجلس الوزراء، برئاسة الدكتور عصام شرف، مشروع قانون بحل المجالس الشعبية المحلية وتشكيل مجالس محلية مؤقتة فى المحافظات من 7 إلى 15 عضواً يتألفون من أعضاء الهيئات القضائية السابقين ومن هيئات التدريس بالجامعات والشخصيات العامة وممثل للشباب وممثلة للمرأة. وقد صدر المرسوم بقانون رقم 116 لسنة 2011 بتحديد اختصاصات المجالس الشعبية المحلية المؤقتة فى قيامها بتولى اختصاصات جميع المجالس الشعبية المحلية فى دائرة المحافظة بالنسبة للموضوعات الضرورية والعاجلة لإدارة عمليات التنمية وتلبية مطالب المواطنين طبقاً للخطة الاستثمارية للمحافظة والمشاركة المجتمعية بالإضافة إلى تحقيق سير المرافق العامة فى المحافظة بانتظام واطراد. على أن يستمر المجلس الشعبى المحلى المؤقت المشكل وفقاً لهذا القانون لمدة سنة أو انتخاب مجالس شعبية محلية جديدة أيهما أقرب.

ولكن من أسف أن ذلك القانون تم تنفيذه فى صدد إلغاء المجالس المحلية التى كانت قائمة، ولم يتم تفعيله حتى الآن فيما يتعلق بتشكيل المجالس المؤقتة، فعسى أن يكون تشكيلها هو الاستحقاق الخامس لخارطة المستقبل!