التحرش

التحرش، معناه اللفظى هو الاستثارة أو الاستفزاز، وعندما تضاف إليه كلمة «جنسى»، يصبح المعنى واضحاً، ويعرف التحرش بلغة القانون وعلى مستوى العالم بأنه كل فعل أو إشارة أو لفظ يشعر أى إنسان بعدم الراحة أو الاطمئنان أو انتهاك خصوصيته، مما يسبب له الضيق والاستفزاز، ووفقاً لهذا التعريف القانونى للكلمة نصبح جميعنا بلا استثناء مُتحرشاً بهم، وعلى مدار العام سواء كنا كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً!!!

عندما تفكر فى أسباب ظهور أى عيب أو جرم مجتمعى، عليك التدقيق فى تاريخ ظهوره! وملابسات وجوده! منذ متى ونحن نتدخل فيما لا يعنينا! ونتتبع الناس بأعين وقحة؟! لماذا يشغلنا من يرتدى ماذا!! فنتفحصه، ثم نرشقه بالكلمات والاتهامات، ومن ثم الانتهاكات!؟ منذ متى ونحن غير آمنين مستريحين فى شوارعنا! وطرقاتنا! ولماذا!

كانت شوارعنا الساهرة حتى الصباح والعامرة بالشهامة والجدعنة لا تسمح أبداً بحدوث هذه التحرشات، أيام أن كان للشاويش وصافرته وصيحته (مين هناااك) وقع الزلزال على أى عابث، شاذ السلوك أو الأخلاق! لكن الآن وفى ظل الغياب الملحوظ للشهامة والذى يصحبه ضياع لهيبة الشاويش (الذى أصبح اختياره غير دقيق، لأنه بذاته فى بعض الأحيان يكون سبباً للفوضى) فحالنا أصبح يرثى له.

وللإنصاف وللحق، فلغياب النخوة والحمية أسباب منطقية، أولها الخوف من حمل المتحرشين والبلطجية للأسلحة أو أن يكونوا تحت تأثير المخدر فلا تؤمن ردة أفعالهم المجنونة، لذلك يؤثر المارة عدم التدخل فى أى تعد يقع على ضحية ما، تحسباً لجنون البلطجية الذين باتوا يسيطرون على الشارع المصرى بكل جبروت غارقين بالمخدر، وبضوضاء منحطة سموها موسيقى (مهرجانات)، وبكلابهم وأسلحتهم وهيئاتهم الوقحة المتبجحة، حتى أصبحت الشوارع بسببهم لحظات رعب وشر مفزع.

إذن، فالتحرش والمخدرات وغياب رقابة الدولة والانحطاط المجتمعى وعدم التربية من الأهل لأبنائهم هى أسباب ونتائج يرتبط بعضها ببعض ويوصل أحدها للآخر، هى سلسلة مقززة من الانحراف والفساد والقبح مؤذنة بالانهيار، لأنه لا نتيجة لهذا القبح سوى الانهيار.

ابحث دائماً عن الفرد، عن المواطن، لتصل إلى كامل المنظومة، والذى تُرك بما فيه الكفاية إلى أن خرب (بفتح الخاء وكسر الراء) فخرب (بفتح الخاء والراء والباء)، ولكن ما السبيل لإنقاذ ما بقى من أخلاقه!؟.

أولاً وأخيراً القضاء على المخدر، ثانياً الردع والردع والردع، بتغليظ عقوبة المتحرش، حيث إن أكثر ما يستفز الإنسان ويتحرش به فكرياً ومنطقياً أن تكون عقوبة المغتصب فى بلادنا السجن من ثلاث إلى خمس عشرة سنة!!! جريمة قتل إنسان معنوياً ونفسياً وفكرياً يكون عقابها هيناً!! فيهون الجرم ويسهل ويكرر، هذا بالنسبة للمغتصب فما بالك بالتحرش، والذى هو فعل أقل من الاغتصاب بكثير.

محاربة التحرش تكون بتحرك الدولة وبتحرك مجتمعى، القانون يجب أن يغلظ ويشدد وتنفيذه يجب أن يفعل بحسم، أما المجتمع فيجب أن تعود له النخوة والأخلاق، ولن يتم هذا قبل أن يستعيد أبناء الوطن وعيهم أولاً، من يتعاطى منهم المخدر أو من يتعاطى عدم الاحترام وعدم التربية.