برلمان 2015 صنع فى مصر

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

الهبد والرزع فى برلمان 2015 بالشكل الدائرة رحاه هذه الآونة لا فائدة منهما ولا أثر ينعكس إيجاباً أو سلباً على الشكل والمحتوى المتوقعين. وأغلب الظن أن الوقت تأخر كثيراً لخلق حياة سياسية شاملة كاملة عامرة بما لذ وطاب من أحزاب ذات برامج وكيانات صاحبة رؤى وشخصيات. وسواء خرج برلمان 2015 أشبه بـ«السيرك القومى»، أو أقرب إلى «الكيان الهلاظى» حيث الهلام مختلطاً بالبالوظة، أو حتى مكرراً لبرلمان ما سابق، فإن الفائدة تكون باكتساب الخبرة واكتناز المعرفة والتعلم بالاحتكاك المباشر، حتى وإن تسبب فى احتقان أو التهاب أو انسداد فى ماسورة الصرف الديمقراطى. وعليه ففيما يلى ملحوظات على هامش البرلمان.

- برلمان 2015 ليس كأى برلمان آخر.. جملة صحيحة لأن لكل برلمان بصمته الوراثية الخاصة وسمته الوجودية المتفردة، حتى لو كان النائب الحالى ابن النائب السابق، أو كان النائب السابق وثيق الصلة بالحالى، أما أن يكون البرلمان الأهم أو الأحلى أو الأفضل، فهذا من قبيل تلوين الكلام وتحفيز الناس وتحقير العقول.

- الفيض الهائل من التنظير والإفتاء والهرى والهرى الآخر والتنكيت والتبكيت فى الفضاء الافتراضى كفيل بإقامة شعوب وإماتة أخرى وإخراج جماعات من ملتها وإدخال أخرى فى ملل مغايرة. صحيح أن «فيسبوك وتويتر» وغيرهما من أحلى أدوات التعبير والتواصل، لكن تحويلهما إلى قوة قادرة على الإنتاج أو التغيير أو التعديل يظل قيد التفعيل على الأرض.

- التفعيل على الأرض له أشكال وأنواع كثيرة، الثورة قيمة رائعة، والإطاحة بالأنظمة عمل قيم، والتعديل والتغيير سمتان من سمات الأمم الراغبة فى التطور والتقدم، أما أن تبقى الثورة أبدية، أو تتحول الإطاحة بالنظام إلى غاية فى حد ذاتها وليست وسيلة، وينقلب التعديل تنظيراً والتغيير تنضيداً دون أثر يذكر يشعر به المواطن.

- المواطن الذى كان قرة عين الثورة وحبيب قلب الثوار وفلذة كبد الحقوقيين ونن عين النشطاء قبل عام، هو نفسه المواطن الموصوم بالجهل والخنوع والبلادة وبيع الصوت فى مقابل إشباع البطن، وقائمة طويلة من النعوت المهينة التى يتم تداولها فى دوائر شبه مغلقة.

- الشباب فئة عمرية يمكن تصنيفها بأولئك المتراوحة أعمارهم بين 18 و35 عاماً مثلاً، لكنها ليست فئة اجتماعية أو اقتصادية أو تعليمية أو ثقافية. وهذا يعنى أن القول بأن الشباب عزف عن الانتخابات لأن الفئة التى ترتدى الجينز الساقط أو تنكش شعرها أو ترتدى التى شيرت ذا العبارات الغاضبة، لم تُشاهد بكثرة، ليس قولاً دقيقاً. نسبة الإقبال فى الجولة الأولى وإعادتها نسبة متدنية لكن شابات الصعيد مثلاً حضرن بقوة.

- المتابع لجلسات النحيب الفضائية، حيث الدق حيناً على وتر «أصل الشعب ملّ» أو «أصل الشعب محبط» أو «أصل الشعب مش فاهم»، يجد صعوبة فى ربط ما يقال بالمشهد الانتخابى الذى كان سائداً فى مصر قبل ثورة يناير 2011. ويبدو للوهلة الأولى وكأن الشعب المصرى كان من أكثر شعوب العالم إقبالاً على الاصطفاف فى طوابير الاستحقاقات الانتخابية، ثم فجأة عزف عنها. مراجعة الأرقام ومقارنة النسب مفيدة جداً.

- الشحن الدينى (وفى أقوال أخرى الطائفى) ظهر بشدة وبقوة فى السنوات التى تلت ثورة يناير 2011. وسواء أسفر ذلك عن الذراع الرئاسية لجماعة الإخوان فى قصر الاتحادية أو «برلمان قندهار» أو «مجلس شورى الجماعات الدينية»، فإنه لا يمكن أبداً تحميل المواطن مغبة ذلك. فهذا المواطن الذى انتخب أولئك خشية النار ورغبة فى الجنة ضحية غياب دولة «مبارك» وتسليمه تسليم مفتاح لجمعيات الجماعات الدينية لتعلمه وتداويه وتغذيه وتشد من أزره اجتماعياً ونفسياً وبالمرة دينياً فى مقابل صوته.

- ما المتوقع من المواطن الذى يتابع برنامجاً تحليلياً ليتعلم ويتثقف ويتوعى فيجد المحلل السياسى وخبير الانتخابات واختصاصى العمل العام، يعلن قبل تحليل المشهد الانتخابى أنه مقاطع للانتخابات؟ هل يقاطع؟ هل يقطع الخلف؟ هل يقطع يده إرباً لأنه أدار التليفزيون من الأصل.

- التليفزيون وما أدراك ما التليفزيون! فبين تهديد ووعيد «إنزل وإلا.. »، «شارك بالتى هى أحسن»، «صوتك عرضك»، «لو لم تشارك فتحمل ما سيلحق بك»، وتمويع فى المعلومة حيث دق على أوتار فزاعات الإسلام السياسى دون ملء الخواء الليبرالى المدنى، وتشتيت للانتباه حيث معارك المرشحين الاستخباراتية بديلاً عن برامجهم الانتخابية، واستعراض لقوى الشتامين والسبابين بحثاً عن إعلانات هنا أو نسب مشاهدة هناك، لكن لا مصلحة وطنية هنا أو هناك.

- وهناك فى طوابير الانتخابات (أو بالأحرى فى خواء الانتخابات)، لا سيما فى المناطق الساخنة، هناك من نجح بفضل أصوات المقاطعين أو الزهقانين أو الرافضين، الذين تفرغوا للبكاء والعويل الافتراضيين بعدما خسر من وصفوه بـ«المحترم» وفاز من نعتوه بالعكس.

- حين قال الراحل عمر سليمان مقولته الشهيرة «ذا بيبول آر نوت ريدى فور ديموكراسى ييت» (الناس -أى المصريين- ليسوا مستعدين للديمقراطية بعد) وذلك فى أثناء ثورة يناير، قامت الدنيا الثورية ولم تقعد إلا بعدها بسنوات. واليوم تفرض المقولة نفسها على هيئة أسئلة: هل الفقر يتعارض والديمقراطية؟ هل الزيت والسكر والشاى سبة فى جبين الفقير؟ هل قام المجتمع المدنى بدوره مع الناس أم اكتفى بالدفاع عن الحق فى التظاهر وحرية السب والشتم؟

- برلمان 2015 سواء كان سيركاً قومياً أو عملاً وطنياً أو هيكلاً افتراضياً صنيعة أيدينا جميعاً، لا نستثنى أحداً.