بحثاً عن توازن استراتيجى جديد
بحثاً عن توازن استراتيجى جديد
![بوتين](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/16271409541444854726.jpg)
بوتين
أثار التدخل العسكرى لروسيا فى سوريا العديد من التساؤلات والانتقادات الكثيرة ركزت على التداعيات الآنية فى سوريا ومدى ارتباط ذلك بالمواجهة الروسية الغربية فى أوكرانيا.
والجدير بالذكر أن تأييد هذا التدخل جاء على قدر من الاستحياء ممزوجاً بتردد وتحفظ فى الإعراب عن تفهمه أو مساندته.
اليوم تعود روسيا - بوتين إلى الشرق الأوسط لتعيد توازناً استراتيجياً مطلوباً بين القوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، وهذا التوازن الجديد لصالح مصر والقوى العربية غير المنحازة للمعسكر الغربى وللحلف الأطلنطى
وبعيداً عن انعكاسات الدور الروسى فى الأزمة السورية وتأثيراته المحتملة على فرص الحل السياسى استناداً إلى بيان جنيف فى 30 يونيو 2012، فإن القرار الروسى باستخدام القوة كان قراراً يتجاوز سوريا وستمتد آثاره بعيدة المدى إلى الشرق الأوسط والعالم العربى.
إن هذا التدخل الروسى يعيد موسكو وبقوة إلى الشرق الأوسط لتصبح روسيا مرة أخرى وبعد أربعين عاماً من الغياب القسرى لاعباً أساسياً فى علاقات القوى فى المنطقة ولتكسر الهيمنة الأمريكية المطلقة على مصائر ومقدرات شعوب ودول المنطقة.
واللحظة التاريخية الراهنة تجسد لحد ما ما يمكن وصفه بانتقام التاريخ، فمثلما خرجت موسكو من تفاعلات القوى الكبرى من بوابة القاهرة فإنها تعود عبر ذات البوابة.
فى المرة الأولى خرجت بسبب رهانات خاسرة على واشنطن وبحجة أنها تمتلك 99 فى المائة من أوراق الحل، واليوم تعود روسيا - بوتين إلى الشرق الأوسط لتعيد توازناً استراتيجياً مطلوباً بين القوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، وهذا التوازن الجديد لصالح مصر والقوى العربية غير المنحازة للمعسكر الغربى وللحلف الأطلنطى.
فى هذا الإطار يمكننا فهم الهجوم الكبير الذى تم شنه على القرار الروسى والمحاولات المستميتة للتشكيك فى جدواه ومحاولة تصويره على أنه مغامرة محفوفة بالمخاطر لروسيا فى ظل قيادة فلاديمير بوتين والملقب من جانب الغربيين ومن تحالف معهم من العرب بالقيصر الجديد.
جاء القرار الروسى فى لحظة تاريخية تحدد فيها من جديد الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة وفقاً للمصالح الغربية والإسرائيلية وعرب يراهنون على الحماية الأمريكية وتوظيفهم لعلاقات تبعيتهم لواشنطن لتحقيق أهداف ضيقة وللقضاء على خصوم سياسيين سواء داخل العالم العربى أو فى المنطقة.
العالم العربى فى مسيس الحاجة لتوازن استراتيجى بين القوى الكبرى من جديد ليضمن سيادته واستقلاله وحريته فى تقرير مستقبله بعيداً عن الحسابات والمصالح الغربية والصهيونية. ومن نافلة القول أن التاريخ لا يعيد نفسه ولا يعيد إنتاج قيادات وزعامات تاريخية قادت العالم العربى على طريق الاستقلال والحرية، لكن هذا ليس حائلاً أو مانعاً من استلهام المبادئ القومية السامية التى استندوا عليها فى كفاحهم المرير من أجل الحرية وكسر الهيمنة الغربية على الشعوب العربية.
إن مصر على موعد مع القدر مجدداً لتصون استقلالية القرار العربى، والمعركة لن تكون سهلة لكن لا بديل عن الانتصار فيها، فالبديل هو المزيد من الانهيارات والتشرذم وتفتيت القوى العربية الرئيسية.
‘