الكاتدرائية والانتخابات البرلمانية

كمال زاخر

كمال زاخر

كاتب صحفي

اليوم، الاثنين، هو المتمم للمرحلة الأولى من انتخابات البرلمان، وتحكمه قواعد الصمت الانتخابى المقرر بالامتناع عن التأثير على توجه الناخبين فى اختياراتهم، لصالح أو ضد مرشح أو قائمة أو تيار يخوض هذه الانتخابات، حتى تأتى النتائج معبرة عن الأوزان السياسية لهم فى الشارع، ومن ثم ننتهى إلى برلمان قادر على التصدى لمهامه الثقيلة فى مرحلة فارقة.

على أن صمتاً آخر نبحث عنه ونطالب به لا ينحصر فى توقيتات بعينها بل يمتد إلى كل أيام السنة، تفرضه طبيعة من نطالبهم به فى ضوء خبرات وتشابكات سابقة وقائمة، وهو صمت الكاتدرائية، ولا أقول «الكنيسة»؛ فالكنيسة، المؤسسة، أعلنت عبر بيانات رسمية أنها لا تنحاز إلى تيار أو أفراد أو حزب بذاته تصريحاً أو تلميحاً، بل ذهبت إلى ما هو أبعد بمطالبة رجال الأكليروس، قساوسة وأساقفة، بالالتزام بموقف الكنيسة.

وهو صمت لا ينحصر فى الشأن الانتخابى بل يمتد للشأن السياسى بجملته، فالكنيسة المؤسسة لها دور محدد ومهام بعينها ليس من بينها الدخول فى المعترك السياسى، لكن نفراً من ساكنى الكاتدرائية لا يقرون ذلك، ويتحركون فى عكس الاتجاه الذى يحرص عليه ويؤكده البابا تواضروس، بل إن بعضهم يسعى لتوريطه وتحميله تكلفة توجهاتهم وتحالفاتهم وربما طموحاتهم ومصالحهم، وفى غياب المعلومات والشفافية تحل الشائعات ضيفاً ثقيلاً فتذهب بهذه التحركات إلى دوائر الأحزاب ورجال الأعمال وبعض من أجهزة، خصماً من سلام الكنيسة وانتقاصاً من مهامها الروحية والرعوية، بل يمتد سعيهم إلى محاصرة البابا، وقد رأوا فيه مقتحماً لدوائرهم ومنتقصاً لصلاحياتهم التى تمددت فى سنوات البابا الراحل الأخيرة، فكان أن عملوا بطرق ملتوية وتجنيد بعض آليات الصحافة -ورقية وإلكترونية- وتكوين بعض الجماعات الوهمية المختفية تحت أسماء كنسية مختلقة، على تعويق سعيه للخروج بالكنيسة من نفق امتد بفعل هؤلاء طويلاً.

من هنا كانت دعوتنا للكنيسة، مع قدوم البابا تواضروس، إلى الانتقال من نسق الفرد إلى المؤسسة، فى الإطار الإدارى، حتى تتسق مع تكوينها بحسب الإنجيل والآباء، وحتى تستطيع مع تحديات الثورة المعلوماتية والمعرفية وقفزات تقنيات وآليات الاتصالات أن تصل برسالتها إلى مستحقيها من أجيال جديدة لم تعد تحت سيطرة المجتمع الأبوى التقليدى، وقد ألقى بهم فى خضم تيارات الإلحاد والفوضى والبحث عن الذات.

ربما تفرض علينا قراءة الواقع الكنسى أن نطرح على الكنيسة، مجمع الأساقفة والبابا، سؤالاً محدداً أو للدقة عدة أسئلة عن مهمة ودور اثنين من الأساقفة الأكثر تفاعلاً مع الميديا بتنويعاتها بشكل مباشر أو بفعل موقعيهما، وهما الأسقف العام الأنبا أرميا، وأسقف طنطا الأنبا بولا؛ هل صحيح أنهما مكلفان بإدارة علاقة الكنيسة بالدولة والأجهزة والمؤسسات المختلفة؟ وإن كان هذا صحيحاً -ولا أظنه كذلك- فما هى الجهة أو الجهات التى كلفتهما؟ وهل يحسبان المسئولين السياسيين فى إدارة المشهدين الانتخابى والسياسى، فى توزيع أدوار متفق عليها لدرء الشبهات عن الكنيسة؟ وهل كلفا أو تطوعا بدعم تيار بعينه؟ وهل يتحركان وفقاً لرؤية الكنيسة أم يغردان خارج السرب؟

وإذا كنا نقر بأن بعض الظن إثم فليس كله كذلك إذ يبقى لنا مساحة تسمح بطرح تساؤلاتنا إذا كنا جادين فى سعى تنقية المشهد الكنسى عند قمته من شبهة تعاطى السياسة، حتى تتفرغ لمسئوليتها الجسيمة التى ستعطى عنها حساباً بحسب طقس رسامة الأسقف الذى تقول الكنيسة له فيه: «ارعَ رعية الله التى أقامك الروح القدس عليها ومن يديك يطلب دمها»، وحتى تقدم الكنيسة شهادة إبراء ذمة أمام المجتمع والوطن بأنها كانت أمينة فى تطبيق مبدأ «لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين».