جائزة نوبل وانتصار الحركة الحقوقية العربية

10/16/2015

نهاد أبو القمصان

كاتب صحفي

يعد حصول رباعية تونس على جائزة نوبل للسلام لعام 2015 انتصاراً كبيراً للحركة الحقوقية العربية، وذلك نتيجة الدور الذى لعبته الرباعية فى رأب الصدع فى دولة تونس وانتشالها من الوقوع فى نفق الفوضى بسبب اختلاف التيارات السياسية، التى تعيشها بعض الدول العربية، حيث عملت أربع منظمات معاً، رغم خلافاتها الفكرية والأيديولوجية، لكن جمعهم معاً الإيمان بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، فاستطاعوا الارتقاء فوق المصالح الشخصية والخلافات الأيديولوجية من أجل تونس.

إن تجربة رباعية تونس تجربة ملهمة لجميع المنظمات الحقوقية العربية، وتعتبر بارقة أمل أمام جميع المنظمات المناضلة فى مجال حقوق الإنسان على جميع مستوياتها، إنها تستطيع تغيير الواقع إلى الأفضل، شريطة إيمان كل الأطراف بالحوار أو رغبتهم فيه.

أما إذا غاب عامل الإيمان أو الرغبة أو حتى التعقُّل لمعرفة أن العمل الجماعى يصب فى مصلحة الجميع، وذلك من كل الأطراف، لا يمكن تحقيق خطوة واحدة، وهو ما حدث فى مصر، فقد سعت الحركة الحقوقية المصرية جاهدة لتحقيق التوافق الوطنى وجمع الأطراف المتناحرة فى مصر أثناء فترة الاضطرابات السياسية التى شهدتها البلاد، خاصة فى المرحلة الانتقالية وما بعد الثورة المصرية، إلا أنها قُوبلت بالرفض من التيارات السياسية المختلفة، لا سيما ذات المرجعية الدينية، التى تعاملت مع الميدان باعتباره غنيمة لمن يستطيع استخدام كل الأساليب الشرعية منها وغير الشرعية، بل ساحة للانتقام من الآخر فى التو واللحظة، وصل الأمر إلى تعذيب الآخر فى ساحة الثورة، سواء فى الميدان أو على سطح جامع عمر مكرم، وكأنه بكاء على رأس الميت، وكان الميت آنذاك حلم الثوار الذين اعتقدوا أن نقاءهم كفيل بجلب الحرية من مخالب الضباع.

لم تكن التجربة التونسية أسهل أو أقل تعرضاً للخطر، لكن ربما ما حدث فى مصر 30 يونيو، وخروج المصريين بالملايين، مدافعين عن حريتهم ووطنهم هو ما جعل الأطراف التونسية، لا سيما تيار الإسلام السياسى المتعالى بقوته الوهمية، يدرك أن قوة الشعوب الأكبر من أى تنظيم أو أموال أو قوة مفتعلة، أعادت لهم عقلهم وأجبرتهم على الاستماع بعد أن كانوا يعتقدون أن تونس لانت تحت أقدامهم وأخذت بعض المدن والقرى البعيدة عن العاصمة تشهد نفوذ التيارات المتشددة تحاول فرض سوادها على الشعب التونسى، فى صور متعددة من التخويف والإرهاب والتفجيرات أيضاً.

كانت الإجابة فى بداية الثورة «تونس»، وكانت مصر هى العصا التى ردت إلى الجميع صوابهم للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقبول اقتسام السطلة، مما أتاح بيئة ملائمة للحوار تُثمر فيها جهود المنظمات الحقوقية، وهى جهود مضنية بكل تأكيد، فإعادة المتخاصمين إلى طاولة الحوار وإيصالهم إلى قناعة بما يُسمى سيناريو النجاح للجميع أمر ليس بالسهل.

لذا جاءت جائزة نوبل تكريماً للحركة الحقوقية التونسية والعربية، بمثابة نشر الدرس، ليتعلم منه الجميع فى المنطقة العربية وخارجها، وبمثابة رسالة إلى الحكام، كى يستمعوا إلى المخلصين من أبنائهم، فمهما زادت المشكلات، يظل طريق الخروج الآمن هو طريق احترام الآخر والإيمان بحقوق الجميع.

درسٌ نرجو أن نتعلّم منه جميعاً وتتكرر التجربة فى كل بلداننا، خاصة مناطق النزاع والقلاقل فى وطننا العربى الجريح فى العراق وسوريا وليبيا، درس محمّل بعطر الياسمين من تونس الخضراء، أدام الله عليها نعمة الخضار.