5 وجوه تكشف: «بوتين» كان يمارس«الزعامة» على زملائه بالمدرسة

كتب: يسرا زهران

5 وجوه تكشف: «بوتين» كان يمارس«الزعامة» على زملائه بالمدرسة

5 وجوه تكشف: «بوتين» كان يمارس«الزعامة» على زملائه بالمدرسة

هو حالياً «بطل» الساحة الدولية بلا منازع، الرجل الذى تتعلق به أعين الجميع، ترقباً أو انبهاراً أو حقداً، لا يبدو الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» رجلاً هيناً، ولا سهل الكسر، فى الوقت نفسه، يصعب على العالم توقع تحركاته، التى تبدو دائماً وكأنها تستند على أساس عميق من الثقة، كما لو أنه يعرف دائماً أكثر مما يعرفه الآخرون، بما يتيح له دائماً أن يتفوق عليهم، ويسبقهم ولو بخطوة واحدة. رجل يحمل إرث أساطير لاعبى الشطرنج، ودهاء رجال المخابرات السوفيتية، وغموض «الستار الحديدى» الذى طالما كان الغرب يرتطم به فى كل مرة يحاول فيها اختراق الاتحاد السوفيتى، رجل لا يقل إرادة ولا صلابة عن الثلوج الروسية، التى قهرت يوماً ما توحش «هتلر» والطموح الجنونى لـ«نابليون بونابرت»، رجل يدرك جيداً قيمة بلده وثقله فى العالم، وامتداده على عمق التاريخ والجغرافيا، إن «بوتين» يقدم للجماهير العالمية حالياً نموذجاً لرئيس قوة عظمى قبل حتى أن تصل دولته إلى هذه المكانة، إلا أنه على ما يبدو يتصرف باعتبار ما سيكون.

{long_qoute_1}

لا توجد حلول وسط مع «فلاديمير بوتين»، إما أن تحبه أو تكرهه، أما هو فيملك آلاف الحلول الوسط، والمتطرفة، والمحايدة، والمفاجئة، إن كل موقف عالمى يحدث الآن يكشف عن ملامح من الشخصية السياسية لـ«بوتين» التى تكونت على امتداد عشرات التجارب السياسية، لكن أيضاً الإنسانية والنفسية التى صنعت منه زعيماً، يشهد أصدقاؤه بمدى إخلاصه وولائه، ولا يمكن لأعدائه ألا يحسبوا لغدره ألف حساب.

ليس من السهل تصنيف الدبلوماسى الروسى السابق «فلاديمير فيدوروفسكى» مؤلف أحدث كتاب فرنسى تحت عنوان: «بوتين: المسار السرى»، تحت بند أصدقاء أو أعداء بوتين، لكنه على ما يبدو ليس مغرماً بالرئيس الروسى، قرر «فيدوروفسكى» أن يضع كتابه متوجهاً للقارئ الأوروبى، استناداً إلى دراسة عميقة ومتفحصة لشخصية «بوتين» ووجوهه المتعددة كما يصفها، وكانت النتيجة كتاباً بالغ الثراء، يغوص فى تفاصيل شخصية لا تتكرر كثيراً، ويكشف عن جوانب عديدة من حياة «بوتين»، والتجارب النفسية التى مر بها وتركت بصمتها عليه، إنه رجل قبل أن يكون رئيساً، وصبى قبل أن يكون رجلاً، أحب وتزوج وطلق وأحب من جديد، حمل أحلام شبابه على كتفيه وانكسر مرة ونهض من كبوته مرات، إنه ليس مجرد وجه جامد نراه على شاشات نشرات الأخبار، لكنه مفعم بالتجارب والحياة والمشاعر التى لا يمكن أن تنفصل أبداً عن أوامره العليا، وهذا الكتاب فرصة للنظر إلى الوجوه الأخرى التى لا نعرفها لـ«فلاديمير بوتين»، التى لم نكن لنهتم بها لو لم يبد صاحبها وكأنه ينوى تشكيل وجه العالم من جديد.

يبدأ مؤلف الكتاب وصفه لانطباعه الخاص عن «بوتين» قائلاً: «يعطى «فلاديمير بوتين» الانطباع دائماً بأنه رجل يملك أكثر من وجه، يعرف كيف يدارى مشاعره ونواياه الحقيقية وراء عدة أقنعة تتغير بتغير الموقف، تبدو نظرته غائمة أحياناً، وثاقبة إلى حد النفاذ فى أحيان أخرى، وهو يدرك تماماً كيف يمكن أن يكشف عقد جبينه، أو حركة نفاد صبر من شفتيه عن إرادته الحديدية، من دون أن تمسك ضده أى شىء».

ويتابع: هو بالفعل ضابط مخابرات على أعلى مستوى، يعرف جيداً كيف يمكنه أن يلعب أكثر من دور فى وقت واحد، المقربون منه يقولون إنه رجل عملى، شديد الحزم، وشديد الإخلاص والولاء على المستوى الشخصى، وإنه على العكس، أبعد ما يكون عن الصورة التقليدية والنمطية لضابط المخابرات السوفيتية السابق، لأنه فى واقع الأمر شخص متفرد بذاته منذ نعومة أظافره، لا يمنع هذا أن الفترة التى قضاها «فلاديمير بوتين» فى المخابرات السوفيتية قد تركت حتماً بصمتها على شخصيته، هو رجل يعرف تماماً كيف يعطى لكل من يتحدث معه الانطباع بأنه مثله بالضبط، كأنه مرآة يرى فيها انعكاساً لنفسه، أو بمعنى أدق: يجد نفسه فيها، لا يتردد «بوتين» أحياناً فى أن يحادث من معه وهو يقلد نفس حركاته، ويستعير منه لزماته وأسلوب حديثه بشكل يصنع تقارباً ورابطاً فورياً بينهما، إنها موهبة خاصة اكتسبها خلال سنوات تشكيله كضابط مخابرات، وأتاحت له فيما بعد أن يشق طريقه فى مختلف الظروف، إلا أن ما صنع ذلك الرجل، الذى وصفته مجلة «فوربس» الأمريكية بأنه الرجل الأقوى فى العالم، ليست مجرد سنوات عمله فى المخابرات ولا فى الرئاسة الروسية، إذ إن «فلاديمير بوتين»، ومنذ سنوات عمره الأولى كان يبدو أنه لا ينوى أبداً أن يمر فى التاريخ أو الحياة مرور الكرام.

فى خمسينات القرن الماضى كانت أسرة «فلاديمير بوتين» تحيا فى غرفة لا تزيد مساحتها على ٢٠ متراً مربعاً فى عز سيطرة الشيوعية على الاتحاد السوفيتى، يذكر بوتين طفولته قائلاً: «كان علىَّ أن أحمل دلاء الماء خمسة طوابق يومياً من أجل أسرتى»، وعندما صار بوتين فى الخامسة من عمره، ذهب بصحبة والدته وجار عجوز لكى يتم تعميده سراً فى كنيسة قريبة من منزلهم، والتحق بعدها بالمدرسة،

ويضيف: لم يستغرق أساتذة «بوتين» وقتاً طويلاً قبل أن يدركوا أنهم أمام تلميذ عنيد صعب المراس، وبدأوا يتذمرون من أنه يمضى أغلب وقته يمارس «زعامته» على الآخرين، وأن غالبية التلاميذ يخافون منه لأنه على استعداد دائم للضرب، كان فى طفولته يفرض سيطرته مع زملائه على الحى الذى يسكن فيه، وغالباً ما كان يقع شجار أو مواجهة بينهم وبين عصابة أخرى منافسة، الأمر الذى جعله يتعرض كثيراً للعقاب، فى صورة «تأديب» بالضرب على يد والده بالطبع.

لكن تلك الفترة التى قضاها بوتين فى الشوارع جعلته يكتسب لمحة من صفات من يعيشون فيها، تعلم الطفل كيف يدارى مشاعره، وأفكاره، وأن يستشعر بغريزة ما من أين يأتى التهديد أو الخطر، وكان من الممكن أن يظل «بوتين» الطفل فى هذه الحالة العشوائية طويلاً لولا أن قُدر لشخصيته أن تتغير بالكامل، بعد أن التقى بمدربه الأول فى لعبة «الجودو»،

أخذ مدرب الجودو حرفياً بيد الطفل «بوتين» لينتزعه من قلب عراك الشوارع إلى تدريبات صالة الألعاب الرياضية، وعندما أصبح «بوتين» فى الثالثة عشرة من عمره، كانت الرياضة قد تحولت إلى جزء حيوى لا يمكن الاستغناء عنه فى حياته، هل يمكن القول إذن إن هذا المدرب أنقذ بوتين من الضياع؟ إن الرئيس الروسى نفسه يروى، وهو يسترجع ذكريات ماضيه كطفل سوفيتى صغير يحيا فى شقة ضيقة فى شوارع مدينة «ليننجراد»، ممضياً أغلب وقته فى اصطياد الفئران والتشاجر مع باقى الصبية فى المدرسة، قائلاً: «إن الواقع أننى كنت فى حال سيئة، ولو أننى لم أمارس الرياضة، فلا أعرف ما الذى كان من الممكن أن أكون عليه الآن».

مرت عدة أعوام تحول فيها «فلاديمير بوتين» إلى طالب ذكى ولامع لكنه وحيد، كان الفتى يفضل العمل على قضاء الأمسيات فى اللهو والرقص، مخصصاً أوقات فراغه النادرة لممارسة مزيد من الرياضة بشكل جعله يصبح لاعب جودو ممتازاً، ومما أثار تعجب طاقم التدريس أنه قرر أيضاً أن يلتحق بمجموعة إضافية لكى يتعلم اللغة الألمانية، مضيفاً المزيد للانطباع الذى كونه معلموه، من أنه شخص شديد الحذر، بالغ الدقة، لا يحب الفوضى ولا عدم الانضباط أو عدم النظام، ويكره أن يتخذ قرارات متسرعة أو متعجلة، وكان على الناحية الأخرى، يقدر بشدة صفات الإخلاص والولاء لدى أصدقائه.

شهدت تلك الفترة بدايات تكون فكرة ثابتة وملحة فى قلب «فلاديمير بوتين»، أن يصبح فرداً من أفراد جهاز المخابرات السوفيتى أو الـ«كى. جى. بى»، وعلى طريقة أفلام الجاسوسية، لم يكن «بوتين» يدارى حماسه ولا إعجابه بتلك المهنة الجذابة التى يتمتع بها ضابط المخابرات، قائلاً: «فى تلك الأفلام يبدو أن شخصاً واحداً يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من جيش كامل»، بالتالى قرر الشاب أن يلبى طموحه بأن يصبح ضابط مخابرات، وتوجه إلى لجنة الأمن التابعة للحزب الشيوعى فى ليننجراد لكى يستعلم عن الطريقة التى يمكن له بها أن ينضم لهذا المجال، وكانت النصيحة التى تلقاها بوتين هى أنه من الأفضل أن يبدأ بدراسة القانون والشئون القضائية، لأن هذه هى أفضل طريقة يمكن له بها الدخول إلى عالم المخابرات.

أما والد «بوتين» فشعر بنوع من خيبة الأمل من اختيار ابنه، لأنه كان يفضل أن يراه مهندساً، كان والد بوتين هو رجل الحزب الأول فى المصنع الذى يعمل به، وكان والده، أى جد «بوتين» هو الطباخ الخاص بزعيم الثورة البلشفية والرئيس السوفيتى «فلاديمير لينين»، ومن بعده الرئيس الأسطورى «جوزيف ستالين».

يروى «بوتين» عن تلك الفترة فى حياته قائلاً: «طيلة أعوام دراستى فى الجامعة كنت أنتظر أن أتلقى اتصالاً من الشخص الذى يمكن أن يضمنى للمخابرات السوفيتية، إلا أنهم نسونى فى نهاية الأمر، كنت مجرد تلميذ عندما حاولت الاتصال بهم، ولم يكن أحد قادراً على أن يتصور فى تلك الفترة أننى أملك مثل هذه الطاقات، كما أننى لم أنس بالطبع أن رجال الأمن لا يقبلون من يتطوع بالعمل لديهم».

لكن فى عام ١٩٧٥، بعد أن تخرج «فلاديمير» من كلية الحقوق، تم اختيار الشاب للالتحاق بجهاز المخابرات السوفيتى فى ليننجراد، لأنه كان واحداً من ألمع وأفضل الطلاب فى صفه، وهكذا انضم «بوتين» لجهاز مكافحة التجسس فى المدينة، الذى كانت مهمته الأساسية فى تلك الفترة هى الرقابة على معارضى النظام، أمضى «بوتين» أربعة أعوام ونصف العام فى ذلك العمل، لم يقطعها سوى فترتين لمزيد من الإعداد والتدريب، كانت تلك هى المرحلة التى قال فيها الغرب عن الاتحاد السوفيتى إنه يحتجز معارضى النظام فى مستشفيات الأمراض العقلية وغيرها من ممارسات الترويع السياسى، إلا أن «بوتين» لا يرى الأمر بهذه الصورة، ولا يعترف بوجود تلك الممارسات بهذا الشكل قائلاً: «لم أر الأمر بهذه الطريقة على الإطلاق، لم أفكر فى ذلك كله، لم أكن أضع فى رأسى أساليب الترويع والقمع، كانت أفكارى ونظرتى لجهاز المخابرات السوفيتى قد تشكلت مما سمعت عن عمل ضباط المخابرات فى القصص والروايات، كنت دون أدنى مبالغة، نتاج التعليم الوطنى للفرد السوفيتى».

ولا يتردد «بوتين» فى القول إنه كان دائماً ما يرى أن المخابرات هى التى يمكن أن تخرج البلاد من فترات الاضطراب السياسى كتلك التى شهدها الاتحاد السوفيتى فى مرحلة الاضطرابات التى مرت بها دوله فيما عرف بثورات «ربيع براغ»، يقول: «وحدها القوة الأكثر تنظيماً فى البلاد، وهى جهاز المخابرات الـ«كى. جى. بى» هى القادرة على وقف تدهور الموقف، إن مهمة أجهزة الأمن العليا فيما مضى، كما يستمر إلى اليوم، هى أن تقوم بدور «حارس المعبد»، والمدافع الأعلى والأكبر عن مصالح الدولة، وعلى امتداد العصور والأزمنة، سواء كان ذلك فى عهد الاتحاد السوفيتى أو حتى فى عهد قياصرة روسيا، كانت أجهزة الأمن العليا تقوم دائماً بكل ما يتطلبه الأمر للحفاظ على البلاد»، والواقع أن وجه «بوتين» يشرق دائماً عندما يتحدث عن جهاز المخابرات السوفيتى الذى كان ينتمى إليه، ويصفه بأنه: «نخبة منتقاة تشكلت على مدى قرون ما بين مجتمع المخابرات والكرملين، أو قصر الرئاسة الروسى».

يمكن القول إن هناك على الأقل خمسة وجوه لـ«بوتين» تشكلت على امتداد حياته وتجاربه، أولها حتماً هو وجه ضابط المخابرات السوفيتية، أو الـ«كى جى بى»، يبدو الأمر أن «بوتين» بمجرد انضمامه للمخابرات كان يحمل فى قلبه رغبة عميقة بأن يصبح أقرب إلى «جيمس بوند» على الطريقة السوفيتية، وأن يتم إرساله إلى الغرب للقيام بمهامه السرية، وهو ما نجح بالفعل فى القيام به بعد التدريبات الخاصة التى تلقاها فى موسكو عام ١٩٧٨.

تلقى «بوتين» تدريبات استخباراتية من طراز خاص، تستهدف إعداد ضباط أقرب إلى قوات النخبة، يتمتعون بنقاط قوة ومهارات استثنائية، يجيدون فيها استخدام الأساليب الأكثر تطوراً واحترافاً فى الاستجواب وممارسة الضغط النفسى للحصول على الحقيقة، إضافة إلى إجادة استخدام جميع أنواع الأسلحة النارية والبيضاء، وعلوم وتكنولوجيا المفرقعات، واستخدام السموم والمواد الكيماوية والبكتيريا وأنواع الغاز المختلفة، كل ذلك يمثل القاعدة الأساسية من التدريب وحسب.

أما المستويات الأكثر عمقاً وتعقيداً فكانت تتمثل فى تدريب «بوتين» على إخفاء مشاعره، وعلى تحميل الكلام أكثر من معنى، وعلى إعداد وتنفيذ مواقف بعينها للوصول إلى النتيجة المطلوبة فى عمله، وكل ذلك فى إطار من السيطرة الكاملة والتحكم التام فى الأعصاب والنفس، إن ضباط المخابرات السوفيتية تتكون لديهم، نتيجة لتدريباتهم وخبراتهم المكثفة.

وهكذا، طُلب من «بوتين» فى مدرسة المخابرات السوفيتية أن يتقن اللغة الألمانية، وأجادها بالفعل بطلاقة وبلا لكنات أجنبية، أى إنه بالفعل يتحدث الألمانية كواحد من أهلها، بل إنه أجاد حتى عدة لهجات للألمانية، إلا أن حلمه بالعمل فى الدول الغربية تعرض لانتكاسة قصيرة، عندما قررت قيادته إرساله للعمل فى مسقط رأسه «ليننجراد» بدلاً من إرساله لممارسة مهامه فى الغرب.

تولى «بوتين» منصبه فى إدارة المخابرات السوفيتية شديدة النفوذ فى ليننجراد، التى تتولى متابعة مهام التجسس بشكل أساسى، غرق الضابط الشاب ساعتها فى جبال من الروتين والأعمال الورقية لأربعة أعوام ونصف العام، دون أن يفقد حلمه الخاص بالعمل فى الخارج، إلا أن الشرط الأساسى الذى كان لا بد له أن يحققه أولاً للالتحاق بالعمل خارج الحدود هو أن يكون متزوجاً، تلك قاعدة إجبارية لكل ضابط مخابرات سوفيتى يعمل خارج البلاد، إذ إن إدارة المخابرات السوفيتية كانت تسعى لإبعاد عملائها عن كل الإغراءات الممكنة، كانت تلك هى اللحظة التى ظهرت فيها المرشحة الأولى للزواج من «فلاديمير بوتين» فى فترة الثمانينات.

كانت «لودميلا»، زوجة «بوتين» فيما بعد، مضيفة جوية جميلة، بدأت قصة حب بينها وبين ضابط المخابرات السوفيتية الشاب فى أمسية شاهدا فيها عرضاً لأحد الممثلين الكوميديين المشهورين على أحد مسارح «ليننجراد»، كان «فلاديمير» الشاب يمتلك سحراً خاصاً يميزه بشكل ما، ولكن، وكما تعترف «لودميلا» قائلة عن انطباعها الأول عن «بوتين»: «كان يبدو بسيطاً، ويرتدى ملابس عادية للغاية، لدرجة أننى لم أكن لألاحظه لو أننى قابلته فى الشارع»، إلا أن الضابط الشاب كان يملك ما يكفى لتشعر زوجته المستقبلية بأنه فارس أحلامها.

ولدت «لودميلا بوتين» عام ١٩٥٥ على ساحل بحر البلطيق، فى بلدة صغيرة كانت تضم قاعدة للبحرية السوفيتية، كانت الطفلة «لودميلا» تحب زى البحرية الرسمى الأسود، وعاشقة للتاريخ، تمضى وقتها فى تأمل الكاتدرائيات العتيقة والتماثيل الفنية التى نجت من آثار تدمير الحرب العالمية الثانية، فتاة تحب الضحك والسفر أكثر من الدراسة، إلى حد أنها تركت دراساتها لكى تصبح مضيفة جوية، الأمر الذى كاد يصيب والدتها بالانهيار.

حتى فى الحب.. ماكر

تذكر صديقة مقربة من «لودميلا»، تلك الفترة التى بدأت فيها قصة الحب بينها وبين «فلاديمير بوتين»، الذى تصفه بأنه كان يبدو «خبيراً فى العلاقات الإنسانية»، كان يلتقى بخطيبته ليتحدث معها عن الموضوعات التى تحبها، خاصة ما يتعلق بالتاريخ السوفيتى، مظهراً لها إعجابه بشكل خاص بتمثال القيصر بطرس الكبير، الذى كان يرى فيه رمزاً للإرادة والعظمة، أما لودميلا، أو «لوتيك» كما كان يدللها خطيبها، فكانت تثير اهتمامه بحديثها عن تناقضات وأعماق الشخصية الروسية التى ولدت من مزيج من الطبيعة الجغرافية والتاريخية، يشهد أصدقاء «لودميلا» وبوتين أنهما كانا يتحدثان كثيراً عن سنوات طفولتهما، عن كل عرض فنى يشاهدانه، إلا أن السياسة كانت أمراً شبه ممنوع فى كل أحاديثهما، من ناحية لأن «بوتين» كان مقيداً باعتبارات حساسية منصبه، ومن ناحية أخرى لأن «لودميلا» باعترافها هى نفسها، لم يكن لديها أى اهتمام بالموضوع. بعد ثلاثة أعوام ونصف من لقائهما الأول، تقدم فلاديمير بطلب الزواج من لودميلا، تذكر «لودميلا» دهشتها فى تلك اللحظة قائلة: «لم أتخيل أنه سيطلب الزواج منى، كنت أتخيل أنه ينوى قطع علاقته بى»، تزوج الاثنان فى حفل بسيط اقتصر على الأسرة والأصدقاء فى ٢٨ يوليو ١٩٨٣، وأدركت الزوجة الشابة فيما بعد، فى لحظة لا تخلو من الارتباك والدهشة، أن زوجها لا يعمل فى الشرطة الجنائية كما كان يقدم نفسه، ولكنه فى واقع الأمر ضابط مخابرات.

لم يكن «بوتين» فى بداية زواجه يملك شقة خاصة به، لذلك رضى الزوجان الشابان بالإقامة فى منزل والديه، وفيما بعد، وبناء على طلب زوجها، تركت «لودميلا» وظيفتها كمضيفة للطيران، والتحقت بكلية اللغات لدراسة الفرنسية والإسبانية فيما بعد.

 

 

 

 

 

 


مواضيع متعلقة