هل ينضم العراق إلى تحالف سوريا وإيران وروسيا؟

أكثر ما يقلق الولايات المتحدة الآن أن ينضم العراق إلى التحالف الثلاثى الذى يضم روسيا وإيران وسوريا، والأمر المؤكد أن واشنطن تبذل وراء الكواليس جهوداً هائلة لمنع هذا الحدث من الوقوع، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقى، حيدر العبادى، عزمه دعوة روسيا كى تواصل حملاتها على تنظيم «داعش» فى الأراضى العراقية، وسانده فى هذه الدعوة عدد من أعضاء البرلمان العراقى، فى مقدمتهم رئيس لجنة الدفاع حاكم الزاملى، الذى أعلن، قبل عدة أيام، أن العراق ربما يطلب قريباً من روسيا شن ضربات جوية على أهداف لـ«داعش» داخل الأراضى العراقية؛ لأن روسيا مؤهلة أكثر للقيام بهذه المهمة!، بينما وصف كريم النورى، رئيس الحشد الشعبى العراقى (الميليشيات الشيعية التى تحارب «داعش»)، الغارات الروسية فى سوريا بأنها عمل جاد يختلف تماماً عن جهود الأمريكيين الذين لم يكونوا صادقين فى حربهم على «داعش»!.. وما يزيد من قلق الولايات المتحدة القرار المهم الذى أصدرته حكومة بغداد قبل أسبوعين وكان له وقع المفاجأة الكاملة على واشنطن، بإنشاء مكتب اتصال فى بغداد يتشكل من ممثلين لسوريا وروسيا وإيران، ينظم تبادل المعلومات بين الدول الأربع حول أوضاع «داعش» فى العراق وسوريا وأولوية الأهداف الداعشية التى يتم قصفها.

والأمر الذى لا شك فيه أن العراق يملك كل المبررات التى تسوغ هذه الخطوة إن تم اتخاذها، بسبب تلكؤ واشنطن فى حربها على «داعش» التى تحتل أراضى أربع محافظات عراقية!، وتعمدها تأخير عملية تحرير أراضى هذه المحافظات، ابتداء من محافظة الرمادى التى تلاصق حدود العاصمة بغداد إلى الموصل فى أقصى الشمال، رغم مليارات الدولارات التى تم إنفاقها على تجهيز وتسليح الجيش العراقى!، فضلاً عن أن الأمريكيين لا يتحمسون كثيراً للإسراع بإنشاء قوة جوية عراقية كى يظل العراق معتمداً على القصف الجوى لقوات التحالف الغربى، التى لم تنجح فى زحزحة «داعش» عن الأراضى التى يحتلها فى العراق ولو لمسافة بوصة واحدة، رغم استمرار القصف الجوى الغربى لأكثر من عام. ويزيد من احتمال انضمام بغداد إلى التحالف السورى الروسى الإيرانى نفوذ طهران المتزايد فى العراق التى تلعب دوراً محورياً مهماً فى تعزيز هذا التحالف، ينهض به الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى الذى تؤكد روايات كثيرة أنه هو الذى تولى إقناع الرئيس الروسى بوتين بضرورة التدخل العسكرى الروسى فى سوريا لإنقاذ نظام بشار الأسد قبل فوات الأوان الذى لم يعد يسيطر على أكثر من 20% من مساحة الأراضى السورية!، ويتهدده بصورة خطيرة تمدد جماعات المعارضة السورية المسلحة شمال البلاد، وسيطرتها على مناطق حلب وإدلب، واقترابها من مناطق اللاذقية وطرطوس، حيث يسكن العلويون الذين تنتمى إليهم أسرة الأسد، بعد أن نجحت هذه الجماعات فى قطع الطريق الرئيسى بين دمشق العاصمة وساحل البحر الأبيض فى منطقة حماة وحمص وسط سوريا! ولأن الأمر جد خطير تبذل واشنطن غاية جهدها لإفشال هذه الصفقة التى يمكن أن تقلب موازين القوى فى المنطقة، وتنشط الولايات المتحدة من جديد فى إحياء عملية تحرير أراضى محافظة الرمادى التى كانت قد توقفت منذ عدة أشهر لتثبت حسن نياتها فى الحرب على «داعش»!، وتضاعف قصفها الجوى لأهداف «داعش» داخل العراق، فى الوقت الذى تشن فيه حملة تشكيك قوية ضد العملية الروسية فى سوريا، تتهم فيها الرئيس بوتين بتركيز معظم عملياته العسكرية على قوى المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد بأكثر من التركيز على «داعش»، وتمارس واشنطن كل ما تستطيع لإفشال العملية الروسية العسكرية أو تعطيلها، بما فى ذلك تسليح جماعات المعارضة السورية بأنظمة صواريخ متقدمة ضد القوات المدرعة لعرقلة جهود الجيش السورى فى زحفه البرى لتحرير المناطق الواقعة بين منطقة حماة وسط سوريا وإدلب فى الشمال. وبالطبع يأمل الأمريكيون فى أن تغوص أقدام الروس فى وحل المستنقع السورى، ويتكبدون خسائر ضخمة ليتكرر ما حدث فى أفغانستان عندما استنزفت جماعات المجاهدين القوات السوفيتية خلال الثمانينات وأجبرتها على الرحيل بعد خسائر ضخمة، لكن الروس يواصلون هذه المرة عملياتهم العسكرية فى تصعيد مدروس، كشفت عنه المساندة القوية من جانب أربع قطع بحرية روسية تربض فى مياه بحر قزوين على مسافة 1500 كيلومتر من ميدان المعركة فى سوريا، وتطلق من مواقعها 26 صاروخاً عابراً للقارات من طراز كروز، عبرت أراضى العراق إلى أهدافها داخل سوريا بهدف مساندة العملية البرية التى يقوم بها الجيش السورى فى زحفه إلى منطقة شمال حماة وجنوب إدلب. وثمة توقعات شبه مؤكدة بأن هذه العملية تستهدف تأمين الدولة السورية فى محيط جغرافى أصغر!، يمتد من العاصمة دمشق إلى حمص وحماة وسط سوريا ليصل إلى ساحل المتوسط فى المنطقة ما بين اللاذقية وطرطوس وينتهى إلى إدلب وحلب شمالاً، كى يصبح فى إمكانية بشار الأسد تثبيت حكمه فى هذه الدولة الصغيرة بما يمكنه من أن يكون طرفاً أساسياً فى لعبة التفاوض حول مستقبل سوريا، بينما يعلن وزير الدفاع الأمريكى، أشتون كارتر، عن عزم الولايات المتحدة تسليح جماعات المعارضة السورية بأنظمة صواريخ متقدمة ضد الدبابات وربما ضد الطائرات الروسية، يقول «أشتون» إنها سوف تكبد الروس خسائر ضخمة وسوف تؤدى إلى فشل العملية العسكرية!

وبرغم جسارة العملية الروسية التى استخدمت فيها موسكو أسلحة تكنولوجية جديدة يجرى تشغيلها لأول مرة، فإن الواضح من التصعيد المتبادل الذى يمارسه الجانبان الروسى والأمريكى أن الأزمة السورية تزداد تعقيداً بالفعل ولا يزال كل طرف يعض بالنواجذ على الطرف الآخر أملاً فى أن يدفعه إلى المزيد من التنازلات، كما أن الأزمة باتت تنطوى على مخاطر صدام محتمل لا تحمد عقباه، لأن الرئيس الأمريكى أوباما لا يزال يرفض الجلوس إلى مائدة التفاوض مع الروس بحثاً عن حلول وسط للأزمة السورية تخفف عذابات الشعب السورى، وتترك مصير الرئيس السورى بشار الأسد للشعب السورى يقرره فى انتخابات رئاسية جديدة، ولا يزال أوباما، رغم ضغوط الأوروبيين، يصر على حصار المفاوضات بين وزيرى دفاع البلدين، روسيا وأمريكا، فى القضايا الفنية المتعلقة بإجراءات منع أى صدام محتمل بين القوات الجوية الروسية وطائرات التحالف الغربى، لكن ما من شك أن نجاح الإيرانيين فى ضم العراق إلى التحالف السورى الإيرانى الروسى سوف يزيد من حرج الولايات المتحدة ويضعف موقفها، على أمل أن تقبل فى النهاية بقاء بشار الأسد خلال فترة انتقالية محدودة تنتهى بانتخابات رئاسية جديدة، خاصة أن الهدف الأول للرئيس الروسى بوتين هو ضمان الوجود العسكرى الروسى شرق المتوسط، وتعزيز هذا الوجود باتفاق مشترك مع الولايات المتحدة لا تبدو ملامحه واضحة حتى الآن فى الأفق القريب.