نوال السعداوى: ترشيحى لـ«نوبل» انتصار للشباب

كتب: جهاد عباس

نوال السعداوى: ترشيحى لـ«نوبل» انتصار للشباب

نوال السعداوى: ترشيحى لـ«نوبل» انتصار للشباب

داخل منزلها يبدو كل شىء من الوهلة الأولى بسيطاً ومرتباً، ويدل على شخصية صاحبته، تطل إحدى شرفاته على النيل فى أحد أحياء شبرا، للكتب مكان فى كل الأركان، وفى ركن مميز توجد مجموعة صور شخصية لها أثناء الطفولة والشباب، تجلس السيدة التى تجاوزت الـ84 من عمرها، حيثُ أشعة الشمس تضفى لمعاناً على خصلات شعرها الغجرى الأبيض، لا شىء يقيده، وتجلس صاحبة البشرة السمراء التى لا تخاف الشمس، ولا تضع كريمات، وبنظرات ثاقبة تسترسل فى الحديث عن مسيرة طويلة، تستحضر مشاهد من الماضى وتقف بثبات على أرض الواقع وتستشرف المستقبل فى عبارات منمقة وتلقائية. أفكارها تثير الجدل دوماً، عارضت معظم الأنظمة السياسية، وشنت حرباً ضد الأنظمة الرأسمالية حول العالم، ألفت 56 كتاباً، وجرت ترجمة معظمها إلى لغات عدة، هى المرشحة لجائزة نوبل للأدب 4 مرات، آخرها هذا العام 2015، لكنها لم تحصل على الجائزة حتى اليوم، تقول ضاحكة إنها لا تهتم بالجوائز، وحريصة على قضاء وقتها فى اجتماعات وتبادل أفكار مستمر مع الشباب، فيما يعرف بـ«الملتقى الفكرى لنوال السعداوى»، تنهض من مقعدها لتُحضر مجموعة من كتبها، وتوزعها على الشباب الذين تستضيفهم فى منزلها، وتعد جدولاً لمناقشة تلك الكتب شهرياً، وتفتح أجندتها الخاصة للاطلاع على جدول مواعيدها على مدار عام كامل. وسط هذه الأجواء المفعمة بالدأب والحيوبة، حاورت «الوطن» الكاتبة نوال السعداوى، فإلى نص الحوار.

{long_qoute_1}

■ كيف استقبلتِ خبر ترشيحك لجائزة نوبل للأدب؟

- لم أندهش لكون الجائزة ذهبت لغيرى، فالصراع السياسى حول الجائزة كبير، وأنا بأفكارى وكتاباتى ثائرة دوماً ضد النظام الرأسمالى الأبوى العنصرى الدينى، ولا أحظى بتدعيم القوى الدولية والعربية والمحلية، لكن رواياتى وكتبى المترجمة للغات العالم يقبل عليها كثيرون، وهى سبب ترشيحى للجائزة وجوائز أخرى عالمية حصلت على بعض منها، وجرى ترشيحى لجائزة نوبل للأدب عدة مرات منذ ثمانينات القرن الماضى، لكن السياسة تلعب دورها.

■ هل شعرتِ بالظلم وعدم التقدير من وطنك، بينما حصلتِ على مكانة متميزة فى الخارج؟ وما مدى الاختلاف بين رؤية ونظرة الغرب لكتاباتك، ونظرة العرب؟

- طبعاً أشعر بالظلم وعدم التقدير لأعمالى الأدبية والفكرية، من القوى السياسية المسيطرة داخل الوطن وخارجه أيضاً، فالنظام العالمى لا ينفصل عن المحلى والعربى، رغم التقدير الكبير الذى تحظى به أعمالى وأفكارى بين الشباب والشابات فى بلادنا العربية ومصر، والبلاد التى ترجمت إليها كتبى ورواياتى، لا تختلف كثيراً نظرة الحكومات فى الغرب والشرق لكتاباتى الثائرة ضدهم، لكن الشعوب فى الغرب والشمال أكثر تفتحاً وثورية من الشعوب فى الشرق والجنوب، ليس لأسباب بيولوجية وعرقية، ولكن بسبب تخلف نظم التعليم عندنا.

■ هل تعتبرين ترشحك لجائزة نوبل للأدب انتصاراً للمرأة المصرية أم للكاتبة أم للتمرد والإبداع؟

- ترشيحى للجائزة هو انتصار للشباب والشابات فى مصر والبلاد العربية والعالم، الذين يقبلون على كتاباتى بحماس وشغف، ويعبرون عن تقديرهم لأعمالى فى جرائدهم وكتبهم ورسائلهم الجامعية ووسائلهم للتواصل الاجتماعى والجماهيرى، هؤلاء هم الذين يلعبون دوراً كبيراً لترشيحى لهذه الجائزة أو غيرها، رغم عدم إيمانهم بالجوائز.

{long_qoute_2}

■ بعض العرب فسروا تقدير الغرب لكِ أدبياً بأنك متضامنة مع السياسات الغربية، رغم معارضتك سياسات الغرب، خاصة الأمريكية، كيف تفسرين ذلك؟

- تشويه سمعتى الأدبية والسياسية حدث كثيراً منذ أمسكت القلم وكتبت، وتم تأجير بعض النقاد الحكوميين والإعلاميين المتاجرين بالدين لتشويه صورتى فى نظر الناس، وتم اتهامى بجميع التهم، بل تم حذف اسمى من سجل الكاتبات المصريات، وتم عزلى من جميع مناصبى الطبية والأدبية، وحُبست فى سجن النساء بالقناطر، وعشت المنفى سنوات، ووضع اسمى فى قوائم الاغتيالات، وقدمت لخمس قضايا حسبة فى المحاكم، بل أخذوا أيضاً ابنتى (منى حلمى)، الشاعرة والكاتبة، إلى المحكمة معى لكن تطوع من أجل الدفاع عنا محامون من ذوى الضمير الحى، من الوطن وخارجه، فكسبنا هذه القضايا وأطلق سراحنا، وظلت سمعتنا الأدبية والسياسية نقية كالبلور، رغم ما يلقونه فوق رؤوسنا من ماء غسيلهم غير النظيف.

■ هل تشعرين أن الشباب والأجيال الجديدة هم الأكثر تفهماً وتقبلاً لكتاباتك؟

- نعم الشباب والشابات والأجيال الجديدة يقرأون كتبى ورواياتى ومقالاتى ويقبلون عليها بحماس وتقدير كبير، فى مصر والبلاد العربية والعالم، الشباب والشابات هم العقل الجديد والمستقبل القريب، وأرى نفسى فى ذلك الجيل، وأشعر أنى واحدة منهم، وتبهرنى أفكارهم، وأثناء ثورة 25 يناير، كنت أمشى معهم من بيتى فى شبرا حتى ميدان التحرير، جنباً إلى جنب.

■ هل يسيطر الكُتاب على الكتابة دون الكاتبات؟ وماذا عن تراجع الكتابة النسائية فى مصر؟

- بكل تأكيد نعم، هناك سيطرة من الذكور على الكتابة وكل شىء، بما فيها السياسة والأخلاق والقانون والدين والنسب والزواج والطلاق وغيرها، وقد تراجعت المرأة المصرية، ليس فى الكتابة فقط، ولكن فى كل شىء تقريباً، بسبب صعود جماعة الإخوان والتيارات الدينية السلفية الأصولية، التى شجعتها الحكومات المصرية والعربية والقوى الرأسمالية العالمية الشرسة، منذ السبعينات فى عهد (السادات - ريجان)، والانفتاح الاستعمارى والبيزنس والبورصة، مع الانغلاق الفكرى وقوانين الحسبة، وتحجيب النساء حتى الأطفال البنات، وانتشار النقاب حتى اليوم، لكن المستقبل مفتوح بالأمل وسوف تتقدم المرأة المصرية خلال السنين المقبلة، مع تزايد الضربات للنظام الطبقى الأبوى العنصرى وتياراته الدينية الأصولية والسلفية.

{long_qoute_3}

■ هل تشعرين أن مشوارك الأدبى الطويل تكلل بالنجاح؟ وما مشروعك الأدبى المقبل؟

- النجاح فى نظرى ليس الحصول على جوائز الدولة أو قلادة النيل أو جائزة نوبل، بل هو العمل والإبداع المستمر، وتقدير القراء لأعمالى، ومشروعى الأدبى المقبل رواية طويلة جديدة تماماً فى شكلها ومضمونها، أو ربما هى الجزء الرابع من سيرتى الذاتية، «أوراقى حياتى»، الذى يعود بى إلى طفولتى الأولى، وأنا لا أفصل بين الرواية والسيرة الذاتية.

■ تطرقتِ فى كتاباتك لمنطقة كان يتجنبها معظم الكتاب عن علاقة المرأة بالإله ونظرة المرأة لنفسها.. هل تعتقدين أن ذلك أسهم فى ترشيحك للجائزة، خاصة بعد تحطيم «تابوه» الدين؟

- قلت سابقاً إننى رُشحت لجائزة نوبل فى الأدب منذ الثمانينات قبل أن أكتب مسرحية «الإله يقدم استقالته»، وقبل أن أنشر أكثر رواياتى اقتحاماً للمناطق المحظورة، بل ربما يكون هذا الاقتحام فى السنين الأخيرة سبباً فى عدم حصولى على الجائزة.

■ الدكتورة منى حلمى، ابنتك، ذكرت فى مقال لها أن صورك فى مرحلة الشباب وملامحك تشبه الراقصة الشهيرة سامية جمال.. ما رأيك فى ذلك؟

- بالفعل كنت أشبه الراقصة سامية جمال فى ملامحها، وسامية جمالها يكمن فى تمتعها بالكاريزما، وأثناء دراستى فى الجامعة كنت أسمع معاكسات الشباب يقولون إننى أشبه سامية جمال أو إستر ويليامز، وهى ممثلة فيلم «السابحات الفاتنات»، وكانت تشبه سامية جمال، ولا أرى أى عيب فى تشبيهى بها فى صغرى وطفولتى، كنت أحلم بأن أكون راقصة، لأنى كنت أشعر بمتعة وحرية فى الحركة.

■ سنوات طويلة مضت وأنتِ تعلنين مواقف غير مقبولة من المجتمع، هل ذلك ثقة بالنفس أم عدم اهتمام بآراء الآخرين؟

- الإبداع له علاقة وثيقة بالثقة بالنفس والتمرد، ولا يهمنى أن أكون مقبولة من المجتمع بقدر أن أكون صادقة أمام نفسى.

■ كتبتِ «لا يجب أن ننتصر دوماً»، متى شعرتِ بالهزيمة؟ وكيف تتغلبين على الإحباط والخيبات الصغيرة؟

- تعودت على الفشل وأعتقد أن النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان العزيمة، الفشل لا يعنى الهزيمة، فالهزيمة هى فقدان العزيمة، الإحساس بالهزيمة يسبب الإحباط والاكتئاب، وأنا لا أستخدم كلمة الخيبة أبداً التى أصبحت تجرى على الألسنة كأنما هى موضة، وأفضل كلمة الفشل لأنها أوضح وأدق، فالإنسان لا يستفيد من نجاحه بقدر ما يستفيد من فشله، كل القرارات المصيرية فى حياتنا والمنعطفات الكبيرة اتخذناها بعد إحساس بالفشل.

■ لديكِ حنين للكتابة عن طفولتك فى جزء جديد من مذكراتك «أوراقى حياتى»، ما سر ذلك الحنين؟

- أدركت أن الإنسان صنيع طفولته، فالذكريات والأحداث التى مرت فى طفولتنا هى من قامت بتشكيلنا بشكل أساسى، إذا أردت أن تفهمى إنساناً فعليكِ بالعودة إلى طفولته، واكتشفت أن كل كتبى وأعمالى الأدبية، حوالى 56 كتاباً، كنت أناقش فيها الأسئلة الوجودية التى كنت أفكر فيها فى طفولتى.

 


مواضيع متعلقة