هيكل: سوريا بؤرة الفوران بين القارات الثلاث.. و"داعش" بلا مستقبل

كتب: سهيلة حامد

هيكل: سوريا بؤرة الفوران بين القارات الثلاث.. و"داعش" بلا مستقبل

هيكل: سوريا بؤرة الفوران بين القارات الثلاث.. و"داعش" بلا مستقبل

في سلسلة جديدة من حوارت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الممتدة "مصر أين وإلى أين؟" مع الإعلامية لميس الحديدي على شاشة "سي بي سي"، يحاول الكاتب الكبير إماطة اللثام عن المجريات التي تدور رحاها في المنطقة وفي مصر، على الصعيدين المحلي والإقليمي، وعقدهما المتشابكة مع التحركات الدولية، في حلقتين بعنوان "ماذا بعد؟" حيث تقبل مصر على انتخابات برلمانية، وحول مستقبل الوطن ومستقبل المنطقة الذي لا يتجزأ مستقبل مصر عنها، حيث يحاول الأستاذ الإبحار في خضم الأحداث الدائرة، ومحاولة استقراء اتجاهات المستقبل، وما الذي يجب على مصر أن تقوم به.

* أهمية المنطقة بدأت تتناقص مع تغير قضية البترول والطاقة البديلة، ولم يعد البترول كما قلت القضية الأولى لكن لماذا يتصارع العالم على سوريا؟ هل السبب الرئيسي هو قضية "داعش" أم بسط النفوذ في المنطقة؟

* سوريا باستمرار موضع صراع في العالم العربي، ومنذ حكم محمد علي كان الصراع في سوريا، حيث زحف إلى تركيا، وسوريا هي نهاية الامتداد الآسيوي الذاهب إلى البحر من عمق آسيا، وهي الأقرب في الشرق الأوسط لجنوب أوروبا، ومتصلة عضويا بالوطن العربي، وهي بؤرة الفوران باستمرار، وعندما أراد محمد علي أن يضايق دولة الخلافة عمل في سوريا، وسوريا هي بؤرة الفوران، فهي باستمرار موضع انطلاق دعوات التغيير في العالم العربي، وهي شاطئ مهم جدا، وما يحدث التوتر دوما هو أهمية سوريا بالنسبة لمصر وأهميتها بالنسبة للعراق وبالنسبة لشبه الجزيرة العربية، فهي منفذ العراق وشبه الجزيرة للبحر، وهي زواية البحر الأبيض بالنسبة للقاهرة ودمشق، وموقعها يجعلها بؤرة الصراع والمنافسة في المنطقة، ومن يستولي على سوريا ويصل إلى قلبها في أي مرحلة من مراحل التاريخ يكون دوره أكبر في المنطقة.

*هل بشار الأسد موجود ضمن التسوية في المرحلة القادمة؟

* تسوية أو غير تسوية، بشار دخل في صراع أكبر منه.

*واستعان بالقطب الروسي، فهل كاد أن يسقط؟

* ليس القطب الروسي وحده، وإنما كافة الأطراف الراغبة في تصور مستقبل مختلف للمنطقة، فنقطة ارتكازها سوريا، لأنه بلد قلق بحكم موقعه الجغرافي، فهو نقطة الارتكاز الآسيوي، وليس غريبا أن سوريا هي محرك فكرة الوحدة في عهد عبدالناصر، وليس مصادفة أن محمد علي وعبدالناصر على اختلاف المقاصد والرؤى عملا على سوريا.

* الآن العراق قدم طلبا هو الآخر دعما لروسيا، وقال ذلك أحد أعضاء البرلمان لدحر "داعش"، فهل الضربات الأمريكية كانت "كلام فارغ" أم ماذا؟

* أرجوك أن تلاحظي دائما أن أمريكا مطمئنة في تغلغل قواعدها مع كافة القوى التقليدية في العالم العربي، ولماذا الحركة الروسية ظاهرة في سوريا؟ فالغرب بشكل ما لديه قواعده في المنطقة، وقد بناها من قبل عبر عوامل مختلفة عبر مراحل تاريخية، فهو آمن مطمئن، لكن روسيا قادمة من الخارج تهدد، هي البطن الناعمة الموجودة في المنطقة، ولماذا يظهر التحرك الروسي لأن هناك طرف دولي موجود ومستقر منذ فترة ولديه صداقاته، وآخر قادم أنشأ صداقات قديمة في عهد عبدالناصر وغيره.

 {long_qoute_1}

*ربما لأن روسيا لم تتدخل في السابق بهذا الشكل؟

* دخلت في أفغانستان.

* لكن ليس على الصعيد العربي؟

* أولاً لأن الغرب ضعف، كما أن السلاح النووي أحدث نوعا من التوازن بين اللاعبين الكبار، فقيدها من خلال الاستعمال المباشرة للقوى الدولية للطرفين، فجزء من الحرب السرية من أدوات الصراع العالمي، وسوف يستمر لفترة طويلة موجود كأداة من أدوات الصراع العالمي، وأعتقد أن بوتين بتشخيص دقيق أدرك أن أمريكا ليس بوسعها القيام بشيء، ولو حدث ذلك في وقت بوش كان سيكون له عواقب مختلفة، لكن الآن بوتين يشعر بضعف الولايات المتحدة، وأن أوروبا مهتمة بالتعايش، ورأى أن هناك أماكن مفتوحة يستطيع التدخل فيها بشكل محسوب في الوقت مناسب للتدخل ليس من أجل السيطرة ولكن لدفع سيطرة محتملة. 

* "داعش" في هذه المنطقة، هل ستتوسع؟ هل ستقضي عليها روسيا؟ أم ماذا؟

* أما أن "داعش" بلا مستقبل فهذا صحيح، لكن الذي يجعل باستمرار الجماعات الإرهابية يكون لها قيمة وتضرب هو الفراغ الذي حصل في العالم العربي بعد أن تفككت أواصره وظهرت به ثغرات في العراق وسوريا، وكذلك خروج القضية المركزية وهي فلسطين، فقد كانت هذه القضية بميزة أنها تقوم بدور موحد تعطيه وحدة هدف، فعندما خرجت وهي تناقض رئيسي مع طرف آخر تخرج كافة التناقضات المختلفة، فالعراق مثلاً لديه مصلحة في سوريا، فليس مطلاً على الشواطئ إلا من خلال جزء صغير على الخليج العربي وإيران أيضاً، أكثر شيء نراه في إيران وتدخلها في سوريا، فكل دولة برية تريد شاطئا مطلاً على البحر وخاصة الأبيض إذا استطاعت سواء بشكل مباشر أو بالوساطة، وتذكري أن انتشار الشيعة تحرك من مصر من خلال الفاطميين للشام، بعضهم إلى جبل الدروز.

*هل هناك مكان لبشار الأسد في المستقبل السوري؟

* ليس له مستقبل، أنا أعتقد إن الوضع في سوريا الآن لا يظهر أن المعارضة الموجودة لها مستقبل، ولا بشار له مستقبل.

* وماهو الحل؟

* هذا هو المأزق الذي يواجه مصر بالدرجة الأولى.

*لماذا يواجه مصر يا أستاذ؟

* تعالي نرى أن مصر في حد ذاتها لا يمكن أن يكون لها نفوذ وقيمة ويتأتى من الانتشار حتى بالمنطق المادي البحت والبعيد عن الأبعاد الثقافية وعن التاريخ، هذه الزواية على البحر الابيض الزاوية الشرقية وهي سوريا التاريخية بما فيها فلسطين موصولة وصلا يكاد يكون ماديا بمصر عند حدود فلسطين، فسوريا بالنسبة لنا قضية رئيسية، وما يجري فيها يؤثر علينا، فإذا كان الخطر الآن هو إسرائيل فوجود سوريا الآن في الصد والوقوف ضروري جدا لأنها زاوية.

 {long_qoute_2}

* الموقف المصري بهذا الشأن لا يكاد يكون واضحا، فتصريحات وزير الخارجية يكاد يبدو أنها مؤيدة للضربات الروسية، والرئيس السيسي قال إن مصير بشار الأسد يمكن تدبيره مع المعارضة والموقف المصري هنا مغاير تماما لدول الخليج؟

* هذا صحيح، أريد أن اقول أن المعني هنا أكثر من أي أحد بالوضع في سوريا هو مصر، فهذه الزاوية بها عاصمتان مؤثرتان دمشق على البحر المتوسط والقاهرة هنا، وهذا مثلث مهم، وكلام السيسي أن سوريا مهمة جدا لمصر هو نفسه ما قاله عبدالناصر من قبل وقاله النظام الملي أيضاً من قبل، وجودنا في المشرق حتى في علاقاتك مع إيران، تذكري أنه بعد الحرب العالمية الثانية كافة المستنيرين ونحن عندما وقعنا ميثاق إنشاء الجامعة العربية، نحن أمام عالم جديد يكفي لدولة واحدة أن تدافع عن نفسها، لكن لابد أن يكون هناك تكتل يواجه نفس المصير.

* ما هو الحل إذا؟

* أنا أعتقد أن هناك تقصيرا، ولننسى بشار الأسد الآن، فنحن أمامنا سوريا، كنا أتمنى أن يكون دورنا أكثر نشاطا.

* كيف والعلاقات مقطوعة منذ وقت مرسي تقريبا؟

* أنا والله لم يكن لدي مانع، وأرحب جداً أن يكون الرئيس السيسي موجوداً في دمشق.

* أنت لم تذهب، هل تريد من الرئيس السيسي أن يذهب؟

* أنا لست الرئيس السيسي، فقد وجدت تحرجا.

*هذا موقف صعب أيضا، أن يكون الرئيس هناك؟

* لا، الرئيس السيسي وراءه هيبة وبرستيج مصر وجيشها، وهناك فارق بينه وبين موقف مواطن لا يريد أن يتورط في صراعات محلية ليس له علاقة بها.

*هو أيضا لا يريد التورط في صراع محلي؟

* سوريا بالنسبة لنا ليست صراعا محليا، فرقي بين موقف شخص وموقف بلد، لكن الرئيس السيسي في موقف لا يملك فيه ترف العاطفة مثل الشخص العادي، لكن ضرورة المسؤولية. 

* هو عندما يذهب الآن يساند الدولة السورية؟

* لا الموقف مختلف، ليس بالضرورة أنه عندما تذهبين لبلد أنك تدعمين موقفها، لكن ممكن لتقديم نصيحة، وأريد أن أقول وأنا في خجل أن أقول هذا إنني في يوم من الأيام أوفدت من جمال عبدالناصر حتى أقول لناس في دمشق اهدأوا لسنا مستعدين لمواجهة، فرسائل دولة مثل مصر للعالم ليست بالضرورة أن تكون "اعمل ومتعملش"، لكن قد تكون بشكل آخر.

* ربما يوفد أحدهم؟

* أنا شخصيا أعتقد أنه ربما كان علينا أن تكون لنا علاقة أكبر بالمعارضة الداخلية الحقيقية في سوريا.

* هل يستضيف المعارضة في القاهرة؟

* بعض المعارضة، هناك فرق بين العمل السياسي والمعلوماتي، أنت تقومين باستضافة بقايا الشعور بالواجب والإيحاء بأن لك دور، ولابد أن نكون جادين أن يشعر الشعب السوري في أننا معهم في كتابتنا وإذاعتنا وكل شيء.

* ماذا عن اللاجئين السوريين؟ وهي قضية مهمة جدا، و"أوروبا لايصة"، وهو أكبر نزوح بشري؟

* ليس أكبر، هو كبير وملفت، ذنب من؟ أول شيء هناك رغبة في العالم العربي للفرد لو وجد وسيلة للهجرة سوف يذهب.

* لماذا لم يلجأوا للعالم العربي؟ وهذا سؤال غريب والعالم العربي غني

* العالم العربي لا يوجد به مجال، وهو لا يرحب باللاجئين.

* أوروبا الكافرة؟

* معلش، العالم العربي غير مستعد ولا يرغب، بعض دول الخليج استقبلت بعض الأرقام لكنها تخشى المشاكل، وعلى مضض استقبلت بعض اللاجئين، فبالنسبة لهم هم يحفظون تركيبة السكان الحقيقيين لبلادهم، وهم يعرفون كيفية التعامل معهم، هل سوف يستقبلون سوريين وهم بالنسبة لهم مشاكسون؟ مصر استقبلت جزءا ليس كبيرا، وهناك عنصران في الملف السوري، أن السوريين بطبعهم بحريين أكثر منهم بريين، فقد قاموا في السابق بهجرات كبيرة لأمريكا اللاتينية.

* مثل اللبنانيين؟

* ليس هناك فارق بين لبنان وسوريا هما بلد واحد.

*هل أوروبا سوف تقبل كل هذه الأعداد؟

* أوروبا مستعدة تأخذ أعدادا كثيرة، ولاحظي أن كثيرا من الأوروبيين انتقلوا من مرحلة الطبقة العاملة إلى التكنوقراط، ولديهم نقص في هذه الطبقة.

* لكن لديهم مشكلة مع الأوروبيين الشرقيين؟

* الأوروبيين الشرقيين وراءهم روسيا، وأشياء أخرى.

* وهؤلاء خلفهم "النصرة"؟

* ليس وراءهم شيء، ليس هناك دعم من الدول العربية، فأوروبا الشرقية وراءها دول ومجتمعات تقاتل، ولكن السوريين كانت رغبتهم منذ قديم الزمان، وعندما حانت الفرصة تدفقوا وكأنهم قد استعدوا وحزموا حقائبهم، شأنهم شأن أناس كثر في العالم العربي، فالعالم العربي لم تضق موارده به. 

* لكن ضاقت أرضه به؟

* القهر، فالعالم العربي تعرض لأشياء كثيرة جدا، نظم عسكرية كثيرة جدا خاصة في سوريا، حيث تعرض العالم العربي لمشاكل فقر وطبقية مرعبة، فالدول العربية ومنهم مصر هناك أوضاع تدفعهم لذلك.

* الغرق أهم من الحياة؟

* ليس أهم ولكن أهون، انظري إلى مأساة اليمن، ولا يتحدث أحد، فكلما التفت في الوطن العربي وجدت كارثة حقيقية، فهذه شعوب تبحث عن فرص عمل بعدما قلت الفرص في أوطانها، وزاد على ذلك الخوف، الناس أصبحت تخف على مصائرها.

 


مواضيع متعلقة