العميد طارق الحريرى: الدب الروسى ينهى أسطورة «القطب الأوحد»

العميد طارق الحريرى: الدب الروسى ينهى أسطورة «القطب الأوحد»
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
أخذت تعقيدات الأوضاع فى سوريا منحنى جديداً بعد التدخل الروسى الصريح لصالح النظام، الذى استطاع أن يحافظ بعد اندلاع الحرب الأهلية على استمراره طوال السنوات التى عصفت بالبلاد، واستطاع الموقف الأخير لموسكو أن يغير موازين القوة، ويثبت أقدام الحكومة الشرعية أمام فوضى عنف وتغلغل تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة، ومن يقفون خلفها من ناحية، وتعدد قوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة من ناحية أخرى، مع الأخذ فى الاعتبار أن القوى المناوئة على الأرض على اختلاف توجهاتها يوجد من بينها الكثيرون ممن يحاربون بالوكالة لصالح قوى إقليمية أو دولية يعمل بعضها على إسقاط النظام الحالى، ممثلاً فى شخص الرئيس بشار الأسد، ومن خلفه الحزب الحاكم ويعمل البعض الآخر على تفتيت كيان الدولة.
{long_qoute_1}
النظام السورى.. ورقة التدخل الرابحة:
غالباً ما تنتهى الحروب الأهلية بإحدى صيغتين
الصيغة الأولى:
بناء سلطة سياسية حاكمة جديدة تمثل قوة نجحت فى أن تبسط سيطرة على المساحة الأكبر من مناطق الصراع.
الصيغة الثانية:
أن يتم حل سياسى توافقى بعد أن تؤدى مجريات الصراع إلى استحالة تحقيق نتائج حاسمة على الأرض لصالح أى طرف أو حتى تحالف بين عدة أطراف، إلا أن الوضع السورى يمثل فى الوقت الراهن حالة خاصة تجعل كفة الخيارات المتاحة تميل لصالح النظام باعتباره جسراً نحو فكرة بقاء الدولة وليس جماعة الحكم ذاتها للأسباب الآتية:
أن عاصمة الدولة لم تسقط، وهى قادرة على الحفاظ على مقومات وجودها الفعلية والواقعية السياسية والدبلوماسية والأمنية.
رغم الانقسام الذى تعرضت له القوات المسلحة فإنها لم تصل إلى مرحلة التشرذم، ورغم التغير النوعى الجذرى الذى طرأ على طبيعة مهامها فإنها تجاوزت مرحلة الانهيار.
ما زال الجهاز الإدارى للدولة يؤدى مهامه الروتينية كجهة نظامية فاعلة فى مكونات السلطة.
لم يتعرض النظام لعقوبات تحت مظلة من شرعية دولية.
يلقى النظام مساندة عسكرية مباشرة محدودة (عناصر من حزب الله) أو غير مباشرة (خبراء عسكريون أجانب).
مع اتساع عمليات الترويع وبشاعة عنف تنظيمات الإسلام السياسى والخراب الذى حاق بالبنية الأساسية ازدادت قاعدة المؤيدين للنظام مرحلياً من أجل الحفاظ على مقومات الدولة وليس رموز السلطة أو توجهاتها السياسية.
مع تفاقم أزمة المهاجرين وازدياد أعداد العناصر الأجنبية فى صفوف منظمات الإسلام السياسى الإرهابية، وهى قنابل موقوتة لبلادها فى المستقبل، أصبح تجاهل النظام الحالى أو العمل على إسقاطه مخاطرة أو بالأحرى ورطة تضاعف التهديدات التى تواجه دول الغرب.
ما زال النظام ممثلاً للدولة السورية فى المحافل الدولية.
وقائع الإقليم تدفع استراتيجية روسيا للأمام:
لا يعنى وضع النظام السورى المتميز الآن تمسك أقطاب النظام الدولى به، وإن كانت تراجعت نسبياً عن فكرة التخلص منه وإسقاطه على الأقل فى الوقت الراهن، لكن من بين أطرافه تبقى روسيا متمسكة بأن يأتى الحل السياسى مقروناً بحساباتها ومصالحها التى تصب فى بقاء هذا النظام فى مقابل سعى الغرب إلى إضعافه وتقليص سيطرته على الأرض من أجل تمرير أجندته عندما تتم صياغة سوريا الجديدة، فالدب الروسى غير مستعد بإرادة تامة وباتة أن يفرط فى آخر موطئ قدم له فى مياه البحر الأبيض المتوسط فى حال وصول سلطة سياسية جديدة يمكن أن تهدد استمرار قاعدته البحرية فى بانياس لأنه فى هذه الحالة يصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة مغلقة على حلف الناتو مما يشكل للروس تهديداً جيواستراتيجياً بالغ الخطورة وهم تعلموا الدرس جيداً بعد أن تخلوا عن دورهم عندما تولى الناتو إدارة الأزمة الليبية وقيامه بإسقاط «القذافى»، لهذا تحرص روسيا على أن تكون لها اليد العليا فى إدارة الملف السورى ولأن الواقع على الأرض يلعب دوراً رئيسياً باعتباره ورقة الضغط الأهم فى أى مفاوضات أو ترتيبات دولية مقبلة بين أطراف الصراع لهذا طرأ تحول جذرى بالغ القوة فى تأييد روسيا للنظام السورى تتويجاً لإرادة سياسية غير قابلة للتفريط أو التعديل، فطوال فترة الحرب الأهلية لم تأبه موسكو للمناورات والتهديدات التى واجهتها بشأن موقفها من سوريا فلم تفلح المناورات السعودية بالتلويح بصفقات سلاح كبرى مغرية مقابل التراجع عن تأييد النظام السورى، كما فشلت أمريكا ودول أوروبا فى زحزحة التوجه الروسى من خلال الغمز بإمكانية تقديم تنازلات فى ملفات أخرى فى القضايا الدولية العالقة ونتيجة لأن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ماطلت مع تطور الأحداث وادعت عدم جدوى إقصاء النظام الحالى فى دمشق وأنه ليس من الضرورى أن يغادر «بشار» فوراً لكن هذا الطعم للتسويف لم يبتلعه الدب الروسى الذى فاجأ العالم بدبيب أقدامه الصاخب فى موانئ وقواعد سوريا الجوية لتعويض الجيش السورى بأسلحة جديدة بعضها ذو قدرات نوعية فائقة فى خطوة محسوبة بدهاء سياسى وعسكرى تبعها قصف جوى مدوٍّ ترددت أصداؤه بقوة لأنه على عكس غارات التحالف الأمريكى الوهمية تحقق الضربات الروسية خسائر فعلية ضد عناصر تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة ويقطع هذا التوجه الجديد من موسكو الطريق على الرافضين للحل السياسى والمتواطئين ضد سوريا، وتعد هذه الخطوات الفارقة القادرة على قلب الموازين وإعادة صياغة المشهد المضطرب فى الداخل السورى وإقليمياً ودولياً استغلالاً ذكياً فى التوقيت بالاستفادة من الأحداث المشابهة فى الإقليم للاعتبارات التالية:
تقوم روسيا بتوجيه ضرباتها الجوية استناداً إلى قواعد الشرعية الدولية بناء على طلب من الحكومة الشرعية فى دمشق وتلمح أنها بذلك أكثر مصداقية وشرعية بأداء هذا الدور ولهذا تعمد السكرتير الصحفى للرئيس الروسى الإشارة إلى أن تحديد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التى يستهدفها سلاح الطيران الحربى الروسى يتم اختيار مواقعها وقصفها بالتنسيق مع القوات المسلحة السورية وأن الجانب الروسى يتحمل تكاليف تمويل هذه العمليات فى تعريض لقيام دول أخرى بتمويل الطلعات الأمريكية وتأكيداً لنفس السياق لفت المتحدث باسم وزارة الدفاع إلى أن جميع الضربات وجهت بعد إجراء مهمة استطلاع جوى والتحقق من معلومات تلقاها الطيران الروسى من هيئة الأركان العامة السورية، مضيفاً أن الغارات لم تنفذ على منشآت للبنية التحتية المدنية والمناطق المحيطة بها.
{long_qoute_2}
دبلوماسياً فإن الموقف الروسى أكثر قوة فى تأييد شرعية نظام استطاع أن يتشبث بموقعه على عكس النظام اليمنى الذى هربت أركانه إلى خارج البلاد.
أى رفض سياسى من أى قوى دولية أو عربية لقيام روسيا بتلبية مطلب النظام الشرعى فى سوريا فى مواجهة الإرهاب يضع من يفعل هذا فى خانة التناقض والانتهازية لأن التحالف العربى بقيادة السعودية تدخل فى اليمن بناء على طلب حكومة شرعية وإن كانت هربت من بلادها فكيف يقبل بهذا ولا ويقبل بذاك؟
فى المفاوضات برعاية دولية لأطراف النزاع فى ليبيا يعول أساساً على الحكومة الشرعية بينما يواجه أى مسعى محايد تعنتاً من الغرب وأمريكا والسعودية بإشراك الحكومة الشرعية الحالية فى سوريا، وتأكيداً لموضوعية الطرح الروسى صرح الرئيس فلاديمر بوتين قائلاً: «إنه لا يمكن إيجاد حل نهائى طويل الأجل فى سوريا إلا على أساس إصلاح سياسى وعلى أساس حوار بين القوى المعتدلة فى هذا البلد». واستطرد فى تأكيد مقصود: «أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وهو مستعد لمثل هذه العملية ونحن نعول على موقف نشط ومرن وعلى استعداده لحل وسط».
وبصفة عامة يعرف الأمريكيون وحلفاؤهم أنه من العبث محاولة الحصول على إدانة للموقف الروسى مغلفة بغطاء من الشرعية الدولية عن طريق الأمم المتحدة حتى ولو بصورة رمزية عن طريق فيتو منفرد من الروس فى مجلس الأمن فعالم اليوم أصبح متعدد الأقطاب وانتهت واقعياً أسطورة القطب الأوحد والدليل على هذا الخبر الذى تواكب مع القصف الروسى وطيرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) من أن «وانج بى»، وزير الخارجية، اجتمع أيضاً مع وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، وأبلغه أن الصين تؤكد أنه يجب على العالم أن يحترم سيادة واستقلال ووحدة أراضى سوريا، ووجه الأهمية هنا أن هذا الخبر صادر عن وكالة الأنباء الصينية وليست السورية ولا جدال أن روسيا المتهالكة المنهكة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ليست روسيا اليوم وأن الصين اليوم التى كانت تتحاشى من قبل الإسهام فى السياسة الدولية لعدم تعطيل مشروعها الاقتصادى هى اليوم قادرة على الأقل على إبداء آراء ومواقف صريحة لا ترضى أمريكا أو أى دول أخرى وهنا يجب الأخذ فى الاعتبار أن منظمة شنغهاى للتعاون، التى تضم روسيا والصين والهند وكازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان وباكستان، أعربت عن قلقها أخيراً إزاء تكثيف «داعش» نشاطها فى أفغانستان ومحاولة مد نشاطها إلى دول المنظمة فى أعقاب إعلان قائد القوات الخاصة فى الشرطة الطاجيكية المنوط بها مقاومة الإرهاب الكولونيل «جول مراد حليموف»، الذى تلقى تدريبه فى الولايات المتحدة، انضمامه لتنظيم «داعش» وتهديد هذه الدول فى شريط فيديو بثه على موقع «يوتيوب»، ولا يغيب عن الأذهان كيفية نشأة تنظيم «القاعدة» بتأسيس ورعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية تحت إشراف أجهزة المخابرات فى البلدين والتمويل من خارج الخزينة الأمريكية وذلك بتجميع قطعان الشباب المسلم المغرر بهم من جميع أنحاء العالم وهو الشباب الذى كان يظن أنه يقوم بحرب مقدسة ضد الاتحاد السوفيتى الكافر الملحد الذى غزا دولة أفغانستان المسلمة، علماً بأنه تورط فى هذا الغزو نتيجة أعمال إرهابية كانت تتم فى الخفاء ضد جمهورياته فى آسيا الوسطى كانت تنطلق من الحدود الأفغانية بتدبير من المخابرات الأمريكية التى واصلت بتطوير العملية ليصبح الشباب المغرر به تنظيم القاعدة ولتصبح عناصره رأس الحربة فى الصراع الإمبراطورى مع الاتحاد السوفيتى دون أن تتكبد واشنطن المشاركة بالأفراد أو المال، إذ اقتصر دورها على أعمال الاستخبارات والتدريب وبمراجعة أدوار «داعش» وكيفية انتشارها المفاجئ على نطاق واسع وهذا لا يتاح لميليشيا مهما بلغت قوتها دون دعم استخباراتى ومعلوماتى لا تتوافر إمكانياته إلا لدولة عظمى تمتلك أقماراً صناعية ووسائل استطلاع واستشعار متقدمة تكنولوحياً للغاية، ومن اللافت المثير للتساؤل أن ضربات التحالف الذى تقوده أمريكا والذى بدأ منذ أكثر من عام على «داعش» فى سوريا لم تؤت أى ثمار، فقد تجاهلت طائرات التحالف مراكز القيادة والسيطرة وأماكن تمركز الاحتياطيات ومراكز الاتصالات والطوابير المتحركة للآليات التى تعتبر أهدافاً نموذجية للقصف، كما أن مساعدة واشنطن للحكومة العراقية منذ مدة أطول لم تترك أثراً على الأرض هناك يضر بـ«داعش».
معوقات رد الفعل الأمريكى:
تواجه الولايات المتحدة بعد التدخل الروسى عسكريا موقفاً صعباً لا يساعدها على إدارة الأزمة من موقع القوة لعدة أسباب:
لا تمتك واشنطن الحجة على اعتبار وجود وتزايد قوات روسية على الأرض غزواً من دولة أجنبية لأن روسيا تمتلك مسوغاً شرعياً وقانونياً بناء على اتفاق مبرم مع الدولة السورية بإقامة قاعدة بحرية لقواتها فى بانياس قبل انزلاق سوريا فى حرب أهلية.
يعقد وجود الطائرات الروسية الموقف على الأرض فى توازنات القوة فى الداخل السورى لأنها يمكن أن تتدخل لصالح النظام الذى ترفضه واشنطن بالمساندة النيرانية من الجو أو تقوم بقصفات تمهيد نيرانى قبل الهجمات البرية للجيش السورى ولا تستطيع واشنطن أن تبدى اعتراضها على وجود الطائرات الروسية فى قاعدة اللاذقية الجوية لسببين؛ الأول: أن الطائرات حطت فى هذه القاعدة بناء على طلب من الحكومة الشرعية، والثانى: أن قاعدة اللاذقية الجوية تحت السيطرة الكاملة للنظام.
عسكرياً لن تجد أمريكا المبرر لرفض وجود قوات برية روسية بعد أن تم إنزال كتيبة كاملة بأسلحة الدعم فى منطقة قاعدة اللاذقية الجوية فمن أبجديات استخدام القوات فى العلم العسكرى وجود قوات برية متفرغة لحماية القواعد الجوية من أى هجوم أرضى يمكن أن تتعرض له سلماً من عناصر إرهابية أو مناوئة وحرباً من قوات معادية.
أصاب الارتباك موقف الإدارة الأمريكية إزاء الوضع الذى استجد مما اضطرها إلى التبكير بحملتها الإعلامية، وهذا ما لفت إليه الرئيس الروسى فى اجتماعه بمجلس حقوق الإنسان، منوهاً بأن موسكو مستعدة للحرب الإعلامية بشأن عمليتها فى سوريا، قائلاً: «المعلومات الأولى عن سقوط ضحايا مدنيين توافرت حتى قبل إقلاع طائراتنا»، ودأبت وسائل الإعلام على الادعاء بأن الغارات الجوية الروسية لم تكن موجهة لإرهابيى «داعش» وأن القصف طال المعارضة المعتدلة، وفى أجواء الارتباك قال نائب رئيس أركان القوات الأمريكية لشئون الاستخبارات، الجنرال «روبيرت أوتو»، فى تصريح للصحفيين، إن القوات الجوية الروسية لم تقصف مثل هذه المجموعات من المعارضة السورية.{left_qoute_1}
تحرص الولايات المتحدة ومثلها روسيا الفيدرالية والقوى الكبرى منذ الحرب الباردة وما بعدها على ألا تتحول إدارتها فى مناطق الأزمات حول العالم إلى نزاع مباشر عسكرياً تحسباً لنتائج كارثية تنعكس على الجميع، لذلك كان رد نائب رئيس أركان القوات الأمريكية لشئون الاستخبارات عن سؤال حول رد الفعل الأمريكى فى حال تدخل روسيا ضد المعارضة المعتدلة بأن هذا السؤال يحمل صفة افتراضية، وبالمثل حرصت وزارة الدفاع الروسية من خلال بيان أعلنه فى اليوم الأول للعمليات اللواء «إيجور كوناشينكوف» جاء فيه أن الضربات الجوية أسفرت عن إصابة مخازن للأسلحة والذخائر وآليات عسكرية تابعة لـ«داعش»، وكذلك مراكز قيادته فى منطقة جبلية، ما أدى إلى تدميرها بالكامل، ولذلك أيضاً أعلن مصدر عسكرى أمريكى الأربعاء 30 سبتمبر نفس يوم الغارات الروسية الأولى أن البنتاجون يقترح على روسيا بدء مباحثات عاجلة بشأن استخدام قواتها الجوية فى سوريا للحيلولة دون وقوع نزاعات.
التوقعات المستقبلية بناء على المعطيات الموضوعية للوضع الراهن تشير إلى أن رد الفعل الأمريكى فى حال توسع الوجود العسكرى الروسى فى سوريا إلى أنها لن تتورط فى إنزال قوات فى سوريا أو تخومها الإقليمية مع إمكانية القيام ببعض المناورات لأسطولها فى البحر الأبيض المتوسط.
يبدد مصداقية الولايات المتحدة تشكيل تحالف معادٍ لروسيا فى الشرق الأوسط لذا فإنها لن تقوم بمثل هذه الخطوة حتى لا تبدو أمام المجتمع الدولى أنها مصطفة إلى جانب الإرهابيين الذين يقطعون رؤوس الناس ويحرقونهم أحياء لذلك أدلى الرئيس أوباما بتصريح يتصف بالحيطة والذكاء قال فيه إنه لن يحول الحرب الأهلية السورية إلى حرب بالوكالة بين أمريكا وروسيا.
الاستراتيجية الروسية بين الدواعى والآفاق:
جاءت مباغتة روسيا للعالم بالانخراط المباشر فى الأزمة السورية المشتعلة منذ سنوات نتيجة أسباب جيواستراتيجية وسياسية تنبع من تحولات الدولة الروسية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتتمثل فى الآتى:
عانى الدب الروسى طوال مرحلة «بوريس يلتسين» ولفترة بعده من التفسخ والفوضى إلى أن نشطت الدولة الروسية تدريجياً بعد أن تلقت لطمات مهينة من الولايات المتحدة القطب الأوحد التى انفردت بإجراءات فى المسرح الدولى مثل غزو العراق والانفراد بأفغانستان ومن قبل ضرب الصرب السلافيين المرتبطين بروابط عرقية وعاطفية مع الروس وانتزاع كسوفو منهم وقد استقبلت موسكو كل هذا صاغرة.
2
بعد أن نجح الدب الروسى فى إعادة ترتيب البيت قام بإعادة ضبط الأوضاع فى المناطق المتاخمة له، حيث ساهم دبلوماسياً فى احتواء الأزمة العنيفة بين أرمينيا وأذربيجان ثم بدأ بالتحول إلى القوة العسكرية عندما تدخل فى مشكلة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية انتهاء باستعادة القرم بالقوة إلى الدولة الروسية.
3
بمنطق التراكم وتسلسل تنامى مؤشر القوة العسكرية كان على الدب الروسى أن يخرج إلى فضاء المسرح الدولى حتى ينهى أسطورة القطب الأوحد ويبدأ فى استعادة مساحة فى النظام الدولى تليق به وكانت كل المعطيات تصب فى خانة أن يتم ذلك باقتحام الأزمة السورية لسببين؛ أولاً: إن عناصر القوة سياسياً وعسكرياً توفر الوسائل الأمثل لتحقيق هذه الغاية، فالحكومة السورية الشرعية طلبت رسمياً المساعدة الروسية والقاعدة البحرية الروسية الموجودة فى بانياس سوف توفر القدرات اللوجيستية والوقت للقوات والإمداد الإدارى اللازم، ثانياً: تدعو الضرورة الجيوستراتيجية الروس الذين خاض أسلافهم طوال قرون عديدة حروباً طاحنة ضد الإمبراطورية العثمانية كان من أسبابها الوصول إلى المياه الدافئة، والدب الروسى لن يزحزح أقدامه منها بعد أن تقلص وجوده فيها مع انهيار الاتحاد السوفيتى وقد أصبحت سوريا هى ملاذه الأخير فى هذه المياه.
4
عندما فرضت الولايات المتحدة ودول الغرب عقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية لتحجيم دور ومكانة روسيا كان على الروس أن يبحثوا عن رد يحفظ لهم الهيبة يتصف بالقوة ويؤكد تصميم موسكو على تأكيد أنها تستعيد قطبية مفتقدة لا تراجع عنها لهذا أقدمت على عمليتها فى سوريا دون تردد.
5
تكشف خريطة مناطق السيطرة والنفوذ فى الصراع الدائر على الأرض داخل سوريا، التى تم تحديثها فى الثانى من أكتوبر 2015 الصادرة عن معهد دراسات الحرب فى أمريكا، وهى خريطة لا تدخل من الروس أو السوريين فيها، عن وجود ثلاث قوى مسيطرة:
القوة الأولى:
الأولى والأكثر تأثيراً هى قوات النظام التى تسيطر على أغلب مناطق الغرب السورى الذى يمثل أهمية استراتيجية وحيوية فى البلاد.
القوة الثانية:
تنظيم «داعش» الإرهابى فى الشرق والشمال الشرقى ويحوز مناطق بها آبار بترول.
القوة الثالثة:
الأكراد ويسيطرون على المناطق الشمالية من البلاد.
أما باقى القوى الموجودة على الأرض لا تزيد عن كونها جيوباً متناثرة فى أماكن متباعدة ومنعزلة أحياناً وعند الأخذ فى الاعتبار تراجع العداء بين النظام والأكراد فى تفاهمات غير معلنة يمنح بها الأكراد حكماً ذاتياً وهذا يعنى أن تدخل الروس فى سوريا يمكن أن يكون قابلاً للاتساع دون إفراط فى أعداد القوات حيث تختلف الأوضاع فيها طبوغرافياً وعسكرياً وسياسياً عن تجربة الاتحاد السوفيتى الفاشلة فى أفغانستان.
يأمل الروس أن يحققوا نجاحاً فى سوريا يتوج مهمتهم العسكرية بإنجاز اتفاق بين القوى المتناحرة ينهى الحرب الأهلية وبناء دولة ديمقراطية تتعايش فيها كافة الأطياف ولا تعادى روسيا كما يريد الغرب ولو تحقق هذا يكون الروس قد ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد.
خريطة تبين مناطق السيطرة والنفوذ داخل سوريا
العميد طارق الحريرى: الدب الروسى ينهى أسطورة «القطب الأوحد».. ويضع أمريكا فى «مأزق»
الجيش السورى لم يصل إلى مرحلة «التشرذم» حتى مع الانقسام والجهاز الإدارى للدولة ما زال يؤدى مهامه الروتينية
نجاح القوات الروسية على الأرض فى سوريا سيتوج مهمتهم العسكرية بـ«إنجاز اتفاق» بين القوى المتناحرة ينهى الحرب الأهلية ويبنى دولة التعايش
«موسكو» تسعى للتواجد على «المسرح الدولى» بعد أن أعادت ترتيب البيت من الداخل.. وعقوبات الغرب وأمريكا عليها جعلتها تسعى للرد الذى يحفظ هيبتها
يأمل الروس أن يحققوا نجاحاً فى سوريا يتوج مهمتهم العسكرية بإنجاز اتفاق بين القوى المتناحرة ينهى الحرب الأهلية وبناء دولة ديمقراطية تتعايش فيها كافة الأطياف ولا تعادى روسيا كما يريد الغرب ولو تحقق هذا يكون الروس قد ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد
الوضع السورى الراهن يجعل كفة الخيارات المتاحة تميل لصالح نظام «الأسد» باعتباره جسراً نحو بقاء الدولة
العميد طارق الحريرى
أخذت تعقيدات الأوضاع فى سوريا منحنى جديداً بعد التدخل الروسى الصريح لصالح النظام، الذى استطاع أن يحافظ بعد اندلاع الحرب الأهلية على استمراره طوال السنوات التى عصفت بالبلاد، واستطاع الموقف الأخير لموسكو أن يغير موازين القوة، ويثبت أقدام الحكومة الشرعية أمام فوضى عنف وتغلغل تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة، ومن يقفون خلفها من ناحية، وتعدد قوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة من ناحية أخرى، مع الأخذ فى الاعتبار أن القوى المناوئة على الأرض على اختلاف توجهاتها يوجد من بينها الكثيرون ممن يحاربون بالوكالة لصالح قوى إقليمية أو دولية يعمل بعضها على إسقاط النظام الحالى، ممثلاً فى شخص الرئيس بشار الأسد، ومن خلفه الحزب الحاكم ويعمل البعض الآخر على تفتيت كيان الدولة.
النظام السورى.. ورقة التدخل الرابحة:
غالباً ما تنتهى الحروب الأهلية بإحدى صيغتين
الصيغة الأولى:
بناء سلطة سياسية حاكمة جديدة تمثل قوة نجحت فى أن تبسط سيطرة على المساحة الأكبر من مناطق الصراع.
الصيغة الثانية:
أن يتم حل سياسى توافقى بعد أن تؤدى مجريات الصراع إلى استحالة تحقيق نتائج حاسمة على الأرض لصالح أى طرف أو حتى تحالف بين عدة أطراف، إلا أن الوضع السورى يمثل فى الوقت الراهن حالة خاصة تجعل كفة الخيارات المتاحة تميل لصالح النظام باعتباره جسراً نحو فكرة بقاء الدولة وليس جماعة الحكم ذاتها للأسباب الآتية:
أن عاصمة الدولة لم تسقط، وهى قادرة على الحفاظ على مقومات وجودها الفعلية والواقعية السياسية والدبلوماسية والأمنية.
رغم الانقسام الذى تعرضت له القوات المسلحة فإنها لم تصل إلى مرحلة التشرذم، ورغم التغير النوعى الجذرى الذى طرأ على طبيعة مهامها فإنها تجاوزت مرحلة الانهيار.
ما زال الجهاز الإدارى للدولة يؤدى مهامه الروتينية كجهة نظامية فاعلة فى مكونات السلطة.
لم يتعرض النظام لعقوبات تحت مظلة من شرعية دولية.
يلقى النظام مساندة عسكرية مباشرة محدودة (عناصر من حزب الله) أو غير مباشرة (خبراء عسكريون أجانب).
مع اتساع عمليات الترويع وبشاعة عنف تنظيمات الإسلام السياسى والخراب الذى حاق بالبنية الأساسية ازدادت قاعدة المؤيدين للنظام مرحلياً من أجل الحفاظ على مقومات الدولة وليس رموز السلطة أو توجهاتها السياسية.
مع تفاقم أزمة المهاجرين وازدياد أعداد العناصر الأجنبية فى صفوف منظمات الإسلام السياسى الإرهابية، وهى قنابل موقوتة لبلادها فى المستقبل، أصبح تجاهل النظام الحالى أو العمل على إسقاطه مخاطرة أو بالأحرى ورطة تضاعف التهديدات التى تواجه دول الغرب.
ما زال النظام ممثلاً للدولة السورية فى المحافل الدولية.
{long_qoute_3}
وقائع الإقليم تدفع استراتيجية روسيا للأمام:
لا يعنى وضع النظام السورى المتميز الآن تمسك أقطاب النظام الدولى به، وإن كانت تراجعت نسبياً عن فكرة التخلص منه وإسقاطه على الأقل فى الوقت الراهن، لكن من بين أطرافه تبقى روسيا متمسكة بأن يأتى الحل السياسى مقروناً بحساباتها ومصالحها التى تصب فى بقاء هذا النظام فى مقابل سعى الغرب إلى إضعافه وتقليص سيطرته على الأرض من أجل تمرير أجندته عندما تتم صياغة سوريا الجديدة، فالدب الروسى غير مستعد بإرادة تامة وباتة أن يفرط فى آخر موطئ قدم له فى مياه البحر الأبيض المتوسط فى حال وصول سلطة سياسية جديدة يمكن أن تهدد استمرار قاعدته البحرية فى بانياس لأنه فى هذه الحالة يصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة مغلقة على حلف الناتو مما يشكل للروس تهديداً جيواستراتيجياً بالغ الخطورة وهم تعلموا الدرس جيداً بعد أن تخلوا عن دورهم عندما تولى الناتو إدارة الأزمة الليبية وقيامه بإسقاط «القذافى»، لهذا تحرص روسيا على أن تكون لها اليد العليا فى إدارة الملف السورى ولأن الواقع على الأرض يلعب دوراً رئيسياً باعتباره ورقة الضغط الأهم فى أى مفاوضات أو ترتيبات دولية مقبلة بين أطراف الصراع لهذا طرأ تحول جذرى بالغ القوة فى تأييد روسيا للنظام السورى تتويجاً لإرادة سياسية غير قابلة للتفريط أو التعديل، فطوال فترة الحرب الأهلية لم تأبه موسكو للمناورات والتهديدات التى واجهتها بشأن موقفها من سوريا فلم تفلح المناورات السعودية بالتلويح بصفقات سلاح كبرى مغرية مقابل التراجع عن تأييد النظام السورى، كما فشلت أمريكا ودول أوروبا فى زحزحة التوجه الروسى من خلال الغمز بإمكانية تقديم تنازلات فى ملفات أخرى فى القضايا الدولية العالقة ونتيجة لأن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ماطلت مع تطور الأحداث وادعت عدم جدوى إقصاء النظام الحالى فى دمشق وأنه ليس من الضرورى أن يغادر «بشار» فوراً لكن هذا الطعم للتسويف لم يبتلعه الدب الروسى الذى فاجأ العالم بدبيب أقدامه الصاخب فى موانئ وقواعد سوريا الجوية لتعويض الجيش السورى بأسلحة جديدة بعضها ذو قدرات نوعية فائقة فى خطوة محسوبة بدهاء سياسى وعسكرى تبعها قصف جوى مدوٍّ ترددت أصداؤه بقوة لأنه على عكس غارات التحالف الأمريكى الوهمية تحقق الضربات الروسية خسائر فعلية ضد عناصر تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة ويقطع هذا التوجه الجديد من موسكو الطريق على الرافضين للحل السياسى والمتواطئين ضد سوريا، وتعد هذه الخطوات الفارقة القادرة على قلب الموازين وإعادة صياغة المشهد المضطرب فى الداخل السورى وإقليمياً ودولياً استغلالاً ذكياً فى التوقيت بالاستفادة من الأحداث المشابهة فى الإقليم للاعتبارات التالية:
تقوم روسيا بتوجيه ضرباتها الجوية استناداً إلى قواعد الشرعية الدولية بناء على طلب من الحكومة الشرعية فى دمشق وتلمح أنها بذلك أكثر مصداقية وشرعية بأداء هذا الدور ولهذا تعمد السكرتير الصحفى للرئيس الروسى الإشارة إلى أن تحديد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التى يستهدفها سلاح الطيران الحربى الروسى يتم اختيار مواقعها وقصفها بالتنسيق مع القوات المسلحة السورية وأن الجانب الروسى يتحمل تكاليف تمويل هذه العمليات فى تعريض لقيام دول أخرى بتمويل الطلعات الأمريكية وتأكيداً لنفس السياق لفت المتحدث باسم وزارة الدفاع إلى أن جميع الضربات وجهت بعد إجراء مهمة استطلاع جوى والتحقق من معلومات تلقاها الطيران الروسى من هيئة الأركان العامة السورية، مضيفاً أن الغارات لم تنفذ على منشآت للبنية التحتية المدنية والمناطق المحيطة بها.
دبلوماسياً فإن الموقف الروسى أكثر قوة فى تأييد شرعية نظام استطاع أن يتشبث بموقعه على عكس النظام اليمنى الذى هربت أركانه إلى خارج البلاد.
أى رفض سياسى من أى قوى دولية أو عربية لقيام روسيا بتلبية مطلب النظام الشرعى فى سوريا فى مواجهة الإرهاب يضع من يفعل هذا فى خانة التناقض والانتهازية لأن التحالف العربى بقيادة السعودية تدخل فى اليمن بناء على طلب حكومة شرعية وإن كانت هربت من بلادها فكيف يقبل بهذا ولا ويقبل بذاك؟
فى المفاوضات برعاية دولية لأطراف النزاع فى ليبيا يعول أساساً على الحكومة الشرعية بينما يواجه أى مسعى محايد تعنتاً من الغرب وأمريكا والسعودية بإشراك الحكومة الشرعية الحالية فى سوريا، وتأكيداً لموضوعية الطرح الروسى صرح الرئيس فلاديمر بوتين قائلاً: «إنه لا يمكن إيجاد حل نهائى طويل الأجل فى سوريا إلا على أساس إصلاح سياسى وعلى أساس حوار بين القوى المعتدلة فى هذا البلد». واستطرد فى تأكيد مقصود: «أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وهو مستعد لمثل هذه العملية ونحن نعول على موقف نشط ومرن وعلى استعداده لحل وسط».
وبصفة عامة يعرف الأمريكيون وحلفاؤهم أنه من العبث محاولة الحصول على إدانة للموقف الروسى مغلفة بغطاء من الشرعية الدولية عن طريق الأمم المتحدة حتى ولو بصورة رمزية عن طريق فيتو منفرد من الروس فى مجلس الأمن فعالم اليوم أصبح متعدد الأقطاب وانتهت واقعياً أسطورة القطب الأوحد والدليل على هذا الخبر الذى تواكب مع القصف الروسى وطيرته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) من أن «وانج بى»، وزير الخارجية، اجتمع أيضاً مع وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، وأبلغه أن الصين تؤكد أنه يجب على العالم أن يحترم سيادة واستقلال ووحدة أراضى سوريا، ووجه الأهمية هنا أن هذا الخبر صادر عن وكالة الأنباء الصينية وليست السورية ولا جدال أن روسيا المتهالكة المنهكة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ليست روسيا اليوم وأن الصين اليوم التى كانت تتحاشى من قبل الإسهام فى السياسة الدولية لعدم تعطيل مشروعها الاقتصادى هى اليوم قادرة على الأقل على إبداء آراء ومواقف صريحة لا ترضى أمريكا أو أى دول أخرى وهنا يجب الأخذ فى الاعتبار أن منظمة شنغهاى للتعاون، التى تضم روسيا والصين والهند وكازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان وباكستان، أعربت عن قلقها أخيراً إزاء تكثيف «داعش» نشاطها فى أفغانستان ومحاولة مد نشاطها إلى دول المنظمة فى أعقاب إعلان قائد القوات الخاصة فى الشرطة الطاجيكية المنوط بها مقاومة الإرهاب الكولونيل «جول مراد حليموف»، الذى تلقى تدريبه فى الولايات المتحدة، انضمامه لتنظيم «داعش» وتهديد هذه الدول فى شريط فيديو بثه على موقع «يوتيوب»، ولا يغيب عن الأذهان كيفية نشأة تنظيم «القاعدة» بتأسيس ورعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية تحت إشراف أجهزة المخابرات فى البلدين والتمويل من خارج الخزينة الأمريكية وذلك بتجميع قطعان الشباب المسلم المغرر بهم من جميع أنحاء العالم وهو الشباب الذى كان يظن أنه يقوم بحرب مقدسة ضد الاتحاد السوفيتى الكافر الملحد الذى غزا دولة أفغانستان المسلمة، علماً بأنه تورط فى هذا الغزو نتيجة أعمال إرهابية كانت تتم فى الخفاء ضد جمهورياته فى آسيا الوسطى كانت تنطلق من الحدود الأفغانية بتدبير من المخابرات الأمريكية التى واصلت بتطوير العملية ليصبح الشباب المغرر به تنظيم القاعدة ولتصبح عناصره رأس الحربة فى الصراع الإمبراطورى مع الاتحاد السوفيتى دون أن تتكبد واشنطن المشاركة بالأفراد أو المال، إذ اقتصر دورها على أعمال الاستخبارات والتدريب وبمراجعة أدوار «داعش» وكيفية انتشارها المفاجئ على نطاق واسع وهذا لا يتاح لميليشيا مهما بلغت قوتها دون دعم استخباراتى ومعلوماتى لا تتوافر إمكانياته إلا لدولة عظمى تمتلك أقماراً صناعية ووسائل استطلاع واستشعار متقدمة تكنولوحياً للغاية، ومن اللافت المثير للتساؤل أن ضربات التحالف الذى تقوده أمريكا والذى بدأ منذ أكثر من عام على «داعش» فى سوريا لم تؤت أى ثمار، فقد تجاهلت طائرات التحالف مراكز القيادة والسيطرة وأماكن تمركز الاحتياطيات ومراكز الاتصالات والطوابير المتحركة للآليات التى تعتبر أهدافاً نموذجية للقصف، كما أن مساعدة واشنطن للحكومة العراقية منذ مدة أطول لم تترك أثراً على الأرض هناك يضر بـ«داعش».
معوقات رد الفعل الأمريكى:
تواجه الولايات المتحدة بعد التدخل الروسى عسكريا موقفاً صعباً لا يساعدها على إدارة الأزمة من موقع القوة لعدة أسباب:
لا تمتك واشنطن الحجة على اعتبار وجود وتزايد قوات روسية على الأرض غزواً من دولة أجنبية لأن روسيا تمتلك مسوغاً شرعياً وقانونياً بناء على اتفاق مبرم مع الدولة السورية بإقامة قاعدة بحرية لقواتها فى بانياس قبل انزلاق سوريا فى حرب أهلية.
يعقد وجود الطائرات الروسية الموقف على الأرض فى توازنات القوة فى الداخل السورى لأنها يمكن أن تتدخل لصالح النظام الذى ترفضه واشنطن بالمساندة النيرانية من الجو أو تقوم بقصفات تمهيد نيرانى قبل الهجمات البرية للجيش السورى ولا تستطيع واشنطن أن تبدى اعتراضها على وجود الطائرات الروسية فى قاعدة اللاذقية الجوية لسببين؛ الأول: أن الطائرات حطت فى هذه القاعدة بناء على طلب من الحكومة الشرعية، والثانى: أن قاعدة اللاذقية الجوية تحت السيطرة الكاملة للنظام.
عسكرياً لن تجد أمريكا المبرر لرفض وجود قوات برية روسية بعد أن تم إنزال كتيبة كاملة بأسلحة الدعم فى منطقة قاعدة اللاذقية الجوية فمن أبجديات استخدام القوات فى العلم العسكرى وجود قوات برية متفرغة لحماية القواعد الجوية من أى هجوم أرضى يمكن أن تتعرض له سلماً من عناصر إرهابية أو مناوئة وحرباً من قوات معادية.
أصاب الارتباك موقف الإدارة الأمريكية إزاء الوضع الذى استجد مما اضطرها إلى التبكير بحملتها الإعلامية، وهذا ما لفت إليه الرئيس الروسى فى اجتماعه بمجلس حقوق الإنسان، منوهاً بأن موسكو مستعدة للحرب الإعلامية بشأن عمليتها فى سوريا، قائلاً: «المعلومات الأولى عن سقوط ضحايا مدنيين توافرت حتى قبل إقلاع طائراتنا»، ودأبت وسائل الإعلام على الادعاء بأن الغارات الجوية الروسية لم تكن موجهة لإرهابيى «داعش» وأن القصف طال المعارضة المعتدلة، وفى أجواء الارتباك قال نائب رئيس أركان القوات الأمريكية لشئون الاستخبارات، الجنرال «روبيرت أوتو»، فى تصريح للصحفيين، إن القوات الجوية الروسية لم تقصف مثل هذه المجموعات من المعارضة السورية.
تحرص الولايات المتحدة ومثلها روسيا الفيدرالية والقوى الكبرى منذ الحرب الباردة وما بعدها على ألا تتحول إدارتها فى مناطق الأزمات حول العالم إلى نزاع مباشر عسكرياً تحسباً لنتائج كارثية تنعكس على الجميع، لذلك كان رد نائب رئيس أركان القوات الأمريكية لشئون الاستخبارات عن سؤال حول رد الفعل الأمريكى فى حال تدخل روسيا ضد المعارضة المعتدلة بأن هذا السؤال يحمل صفة افتراضية، وبالمثل حرصت وزارة الدفاع الروسية من خلال بيان أعلنه فى اليوم الأول للعمليات اللواء «إيجور كوناشينكوف» جاء فيه أن الضربات الجوية أسفرت عن إصابة مخازن للأسلحة والذخائر وآليات عسكرية تابعة لـ«داعش»، وكذلك مراكز قيادته فى منطقة جبلية، ما أدى إلى تدميرها بالكامل، ولذلك أيضاً أعلن مصدر عسكرى أمريكى الأربعاء 30 سبتمبر نفس يوم الغارات الروسية الأولى أن البنتاجون يقترح على روسيا بدء مباحثات عاجلة بشأن استخدام قواتها الجوية فى سوريا للحيلولة دون وقوع نزاعات.
التوقعات المستقبلية بناء على المعطيات الموضوعية للوضع الراهن تشير إلى أن رد الفعل الأمريكى فى حال توسع الوجود العسكرى الروسى فى سوريا إلى أنها لن تتورط فى إنزال قوات فى سوريا أو تخومها الإقليمية مع إمكانية القيام ببعض المناورات لأسطولها فى البحر الأبيض المتوسط.
يبدد مصداقية الولايات المتحدة تشكيل تحالف معادٍ لروسيا فى الشرق الأوسط لذا فإنها لن تقوم بمثل هذه الخطوة حتى لا تبدو أمام المجتمع الدولى أنها مصطفة إلى جانب الإرهابيين الذين يقطعون رؤوس الناس ويحرقونهم أحياء لذلك أدلى الرئيس أوباما بتصريح يتصف بالحيطة والذكاء قال فيه إنه لن يحول الحرب الأهلية السورية إلى حرب بالوكالة بين أمريكا وروسيا.
الاستراتيجية الروسية بين الدواعى والآفاق:
جاءت مباغتة روسيا للعالم بالانخراط المباشر فى الأزمة السورية المشتعلة منذ سنوات نتيجة أسباب جيواستراتيجية وسياسية تنبع من تحولات الدولة الروسية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتتمثل فى الآتى:
عانى الدب الروسى طوال مرحلة «بوريس يلتسين» ولفترة بعده من التفسخ والفوضى إلى أن نشطت الدولة الروسية تدريجياً بعد أن تلقت لطمات مهينة من الولايات المتحدة القطب الأوحد التى انفردت بإجراءات فى المسرح الدولى مثل غزو العراق والانفراد بأفغانستان ومن قبل ضرب الصرب السلافيين المرتبطين بروابط عرقية وعاطفية مع الروس وانتزاع كسوفو منهم وقد استقبلت موسكو كل هذا صاغرة.
2
بعد أن نجح الدب الروسى فى إعادة ترتيب البيت قام بإعادة ضبط الأوضاع فى المناطق المتاخمة له، حيث ساهم دبلوماسياً فى احتواء الأزمة العنيفة بين أرمينيا وأذربيجان ثم بدأ بالتحول إلى القوة العسكرية عندما تدخل فى مشكلة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية انتهاء باستعادة القرم بالقوة إلى الدولة الروسية.
3
بمنطق التراكم وتسلسل تنامى مؤشر القوة العسكرية كان على الدب الروسى أن يخرج إلى فضاء المسرح الدولى حتى ينهى أسطورة القطب الأوحد ويبدأ فى استعادة مساحة فى النظام الدولى تليق به وكانت كل المعطيات تصب فى خانة أن يتم ذلك باقتحام الأزمة السورية لسببين؛ أولاً: إن عناصر القوة سياسياً وعسكرياً توفر الوسائل الأمثل لتحقيق هذه الغاية، فالحكومة السورية الشرعية طلبت رسمياً المساعدة الروسية والقاعدة البحرية الروسية الموجودة فى بانياس سوف توفر القدرات اللوجيستية والوقت للقوات والإمداد الإدارى اللازم، ثانياً: تدعو الضرورة الجيوستراتيجية الروس الذين خاض أسلافهم طوال قرون عديدة حروباً طاحنة ضد الإمبراطورية العثمانية كان من أسبابها الوصول إلى المياه الدافئة، والدب الروسى لن يزحزح أقدامه منها بعد أن تقلص وجوده فيها مع انهيار الاتحاد السوفيتى وقد أصبحت سوريا هى ملاذه الأخير فى هذه المياه.
4
عندما فرضت الولايات المتحدة ودول الغرب عقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية لتحجيم دور ومكانة روسيا كان على الروس أن يبحثوا عن رد يحفظ لهم الهيبة يتصف بالقوة ويؤكد تصميم موسكو على تأكيد أنها تستعيد قطبية مفتقدة لا تراجع عنها لهذا أقدمت على عمليتها فى سوريا دون تردد.
5
تكشف خريطة مناطق السيطرة والنفوذ فى الصراع الدائر على الأرض داخل سوريا، التى تم تحديثها فى الثانى من أكتوبر 2015 الصادرة عن معهد دراسات الحرب فى أمريكا، وهى خريطة لا تدخل من الروس أو السوريين فيها، عن وجود ثلاث قوى مسيطرة:
القوة الأولى:
الأولى والأكثر تأثيراً هى قوات النظام التى تسيطر على أغلب مناطق الغرب السورى الذى يمثل أهمية استراتيجية وحيوية فى البلاد.
القوة الثانية:
تنظيم «داعش» الإرهابى فى الشرق والشمال الشرقى ويحوز مناطق بها آبار بترول.
القوة الثالثة:
الأكراد ويسيطرون على المناطق الشمالية من البلاد.
أما باقى القوى الموجودة على الأرض لا تزيد عن كونها جيوباً متناثرة فى أماكن متباعدة ومنعزلة أحياناً وعند الأخذ فى الاعتبار تراجع العداء بين النظام والأكراد فى تفاهمات غير معلنة يمنح بها الأكراد حكماً ذاتياً وهذا يعنى أن تدخل الروس فى سوريا يمكن أن يكون قابلاً للاتساع دون إفراط فى أعداد القوات حيث تختلف الأوضاع فيها طبوغرافياً وعسكرياً وسياسياً عن تجربة الاتحاد السوفيتى الفاشلة فى أفغانستان.
يأمل الروس أن يحققوا نجاحاً فى سوريا يتوج مهمتهم العسكرية بإنجاز اتفاق بين القوى المتناحرة ينهى الحرب الأهلية وبناء دولة ديمقراطية تتعايش فيها كافة الأطياف ولا تعادى روسيا كما يريد الغرب ولو تحقق هذا يكون الروس قد ضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد.
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول
- آسيا الوسطى
- آليات عسكرية
- أزمة المهاجرين
- أسلحة جديدة
- أطراف الصراع
- أطراف النزاع
- أعمال إرهابية
- أنحاء العالم
- إدارة الأزمة
- آبار بترول