ليلة القبض على «زعيم داعش» بالأقصر

على مدى أيام الأسبوع الماضى ظل -وأعتقد أنه سيظل حتى وقت ليس بالقصير- رئيس مباحث بندر الأقصر يتلقى تهنئة رؤسائه من قيادات «الداخلية» ومن مرءوسيه وزملائه الضباط بنجاح خطته فى القبض على «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابى قبل أن يتمكن من الهروب من الأقصر..!!

هو مجرد خبر لا يزيد عدد أسطره على 11 سطراً ضمته الصفحة الثانية من جريدة «الوطن» يوم الأربعاء 30 سبتمبر، ومع ذلك فهو يفجر قضية خطيرة تتعلق بحتمية إعادة ترتيب أولويات وزارة الداخلية والأمن بصفة خاصة، إلى جانب أولويات «القضاء» الذى يعانى من بطء شديد بسبب تزاحم آلاف القضايا.

الخبر يكشف عن أن نيابة بندر الأقصر حددت جلسة عاجلة «الأربعاء الماضى» لمحاكمة «س. أ. م» وتبلغ من العمر 24 سنة بتهمة التسول بعدما ضبطها رئيس مباحث البندر فى أحد الشوارع وبحوزتها 2 جنيه، وأكرر 2 جنيه، يعنى «جنيهان»..!! وقد سارع الضابط بتحرير محضر بالواقعة تحت رقم 6846 لسنة 2015 وتحريز المبلغ المضبوط، فى حين أثبت تقرير مفتش الصحة الذى عُرضت عليه «الإرهابية» أنها غير قادرة على الكسب وأنها حامل بالشهر السادس!

أعتقد أنه بينما يسرد رئيس مباحث بندر الأقصر لمهنئيه بكل زهو كيف خطط لتنفيذ عملية حصار واعتقال «زعيمة مافيا الاستيلاء على المال العام» قبل هروبها للخارج لإيداع ثروتها (الجنيهان) فى بنوك سويسرا كانت ضحكات عشرات من أباطرة الفساد والرشوة ومافيا الاستيلاء على المال العام تتقاطع مع سعال بعضهم نتيجة تدخينهم سيجاراً يكفى ثمن علبة واحدة منه لتُغنى تلك البائسة طوال عمرها‏‏ لتغطى على تلك الموسيقى الصاخبة التى تنطلق فى جوانب أفخم الفنادق وهم يتبادلون النوادر حول عملياتهم‏!!‏

بداية نحن مع الالتزام وعدم التسيب.. ولسنا من الداعين للتدخل فى عمل الغير، ولكن هذا لا يُغنى عن السؤال: أى ضمير سمح لرئيس المباحث بالقبض على «المتهمة»؟ ولا أدرى أى سبب دفع وكيل النيابة إلى إحالتها للمحاكمة التى لم تشر أى صحيفة أو وسيلة إعلام إلى نتيجتها؟!!

الغريب أن هذه الواقعة جاءت لاحقة بفضيحة فساد طاردت ولا تزال وزيراً فى حكومة المهندس محلب السابقة وهو وزير الزراعة التى قُدر الفساد فيها بالملايين!

واقعة «متسولة الأقصر» ذكّرتنى بواقعة مماثلة كان بطلها موظف تجرأ وأهان ذات يوم فى عام 2004 منصبه الميرى بسعيه عبر عمل شريف ببيع الفول فى أحد شوارع منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة فى غير أوقات العمل الرسمية، إذ كان الرجل قد اختار وهو يعمل مديراً بإدارة وسط القاهرة الاجتماعية عملاً شريفاً لتوفير نفقات معيشته وأسرته بدلاً من أن يفتح درج مكتبه أمام أوراق مالية يدسها أصحاب المصالح من المواطنين الذين ينتظرون إنهاءها فى مشهد يتكرر يومياً فى مواقع عدة للعمل!!‏

وجاء حكم المحكمة التأديبية العليا ليبرئ الموظف ويؤكد فى منطوق يتسم بالواقعية والمصداقية أن مزاولة العامل لعمل آخر فى غير أوقات العمل الرسمية بعيداً عن مواطن الشبهات والريبة وما يمس النزاهة والأمانة خير من حصوله على رشوة أو ارتكابه جريمة الاختلاس!‏

سيادة رئيس المباحث، إنك لم تُلق القبض على زعيم تنظيم داعش أو «بن لادن».. وحضرة وكيل النيابة، إنك لم تُحل زعيم مافيا إلى المحاكمة.. فهى مجرد «متسولة بائسة» غير قادرة على العمل، وكل ما كان لديها وقتها.. «جنيهان.. جنيهان.. 2 جنيه يا عالم»..!!