لماذا غيّر أردوغان موقفه من سوريا؟!

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

من حق أردوغان أن يغيّر مواقفه، وأن يتقلب ذات اليمين وذات اليسار، فهذا شأنه، ولكن من المؤكد أن موقفه الجديد من الرئيس السورى بشار الأسد له أسبابه ومسبباته..

لقد خرج علينا «الخليفة العثمانلى» الجديد بتصريح هام يوم الخميس الماضى قال فيه «إن الرئيس بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءاً من مرحلة انتقالية فى إطار حل للأزمة السورية»!!

وبالقطع أثار هذا الموقف ردود فعل عديدة ومتناقضة، وأحدث دوياً كبيراً داخل أوساط التنظيمات الإرهابية والمتمردة التى تقاتل الشرعية فى سوريا واستطاعت أن تحتل أكثر من نصف مساحة سوريا بفعل الدعم التركى السياسى والعسكرى على السواء.

وقد تساءل الكثيرون عن أسباب الانقلاب الدراماتيكى فى الموقف التركى تجاه نظام الرئيس بشار الأسد وحكومته، وهنا يمكن إيجاز الموقف فى نقاط أساسية:

أولاً: صمود الشعب والجيش السورى وقيادته طيلة أكثر من أربع سنوات مضت فى مواجهة المؤامرة واختراق حدود الأمن القومى.

ثانياً: صلابة الموقف الروسى الذى عبّر عنه الرئيس بوتين فى العديد من المحافل الإقليمية والدولية وآخرها حديثه إلى محطة «سى بى إس» الأمريكية والذى قال فيه حرفياً: «إن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحرب فى سوريا هى دعم الرئيس بشار الأسد فى معركته ضد الإرهاب»، وقوله «إن الذين يهدفون إلى تدمير الحكومة الشرعية السورية سوف يخلقون وضعاً رأيناه فى دول أخرى فى المنطقة أو فى مناطق أخرى مثل ليبيا والعراق، وإنه لا حل للأزمة السورية سوى تعزيز المؤسسات الحكومية ومساعدتها فى المعركة ضد الإرهاب، وكذلك أيضاً الموقف الإيرانى بغضّ النظر عن أسبابه ومسبباته»!!

ثالثاً: تراجع الموقف الأمريكى والأوروبى إلى حد كبير عن اشتراطاته للحل فى سوريا والتى كانت توجب رحيل الرئيس بشار أولاً قبل الحل والجلوس إلى مائدة المفاوضات النهائية، وهو ما عبّر عن تصريح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى مؤخراً والذى قال فيه: «إن الرئيس السورى يجب أن يتنحى عن السلطة، ولكن ليس بالضرورة فور التوصل إلى تسوية لإنهاء النزاع الدائر فى سوريا»، وكذلك تصريح المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركيل» الذى قالت فيه: «إن الرئيس السورى بشار الأسد يجب أن يشارك فى أى مفاوضات تهدف إلى إنهاء النزاع المستمر فى بلاده منذ أربع سنوات»، وغيرها.

رابعاً: التعامل الإيجابى لدول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، مع المبادرة الروسية، والزيارات المتبادلة التى جرت بين رئيس مكتب الأمن القومى فى سوريا ومدير المخابرات السعودية والمباحثات المثمرة التى جرت فى الرياض ودمشق بينهما.

لكل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب، خاصة أن المشاكل الداخلية التركية تشهد تفاقماً واضحاً خلال الآونة الأخيرة، كما أن حدة المعارضة المسلحة التى تقودها الأحزاب والقوى الكردية فى تزايد مستمر، خاصة بعد تواطؤ الموقف التركى مع داعش فى عين العرب «كوبانى» والهجوم على المظاهرات الداعمة للأكراد ومقتل وإصابة العشرات فى المدن التركية.

لقد أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدى بالتبعية إلى حدوث قلاقل كبرى داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا والذين يزيد عددهم على عشرين مليوناً.

وتنظر سوريا بحذر تجاه تصريحات أردوغان، ذلك أن مواقفه السابقة تكشف عن سلسلة من الأكاذيب والمؤامرات التى كانت أهم أسباب الحالة السورية الراهنة، وبالقطع لن يكون مخلصاً أو صادقاً هذه المرة. ويعتقد كثير من المحللين أن التطورات والتغيرات الراهنة فى مواقف العديد من الأنظمة الغربية تحديداً سوف تمكّن روسيا من تفعيل مبادرتها، خاصة بعد أن أعلن الرئيس بوتين استعداد موسكو للعمل مع الرئيس بشار من أجل تمهيد الطرق إلى الإصلاح السياسى فى سوريا، كاشفاً استعداد الرئيس بشار لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإقامة اتصالات مع ما يطلق عليه «المعارضة البنّاءة»، وإشراك ممثليها فى إدارة شئون البلاد. وهكذا فإن كافة المؤشرات تؤكد أن سوريا ماضية نحو «الحل»، وأن الواقع على الأرض يمضى لمصلحة استعادة الدولة لسيطرتها على الأرض التى سقطت تحت سيطرة الإرهابيين، وهى كلها أمور حتماً ستصب لمصلحة وقف الانهيارات فى المنطقة وحماية الأمن القومى العربى من خطر السقوط الكبير.