من سوريا إلى السودان ومن فلسطين حتى إثيوبيا: «الزعيم» ما زال باقياً

كتب: شيماء عادل

من سوريا إلى السودان ومن فلسطين حتى إثيوبيا: «الزعيم» ما زال باقياً

من سوريا إلى السودان ومن فلسطين حتى إثيوبيا: «الزعيم» ما زال باقياً

يحفظون خطبه عن ظهر قلب، وسيلتهم لسماعها أجهزة راديو صغيرة لم يكن يخلو منها أى منزل عربى فى سوريا واليمن وفلسطين ولبنان والأردن والمغرب العربى، حكايات الآباء عنه كثيرة، نقلوها للأبناء الذين حفظوها عنهم، من مظاهرات المطالبة بالعدول عن قرار التنحى، إلى فتح البيوت لاستقبال العزاء 3 أيام متواصلة بعد وفاته، يتوارث الأبناء حب الزعيم من الآباء الذين كنوا يعشقونه، تماماً كما يتوارثون الثروات.

{long_qoute_1}

بسام الرومى، صحفى فلسطينى، يقول إنه تربى على عشق عبدالناصر وخطاباته الداعمة للقضية الفلسطينية، ما زال «الرومى» يتذكر حكايات والده له عن عبدالناصر «الرسول المنقذ والمهدى المنتظر»، وكيفية دعمه للقضية والمقاومة الفلسطينية.

يقول بسام: «احنا عرفنا عبدالناصر من حكاوى أهالينا لدرجة إننا حبيناه قبل ما نكبر ونقرأ عنه، أمى بتحكى لى إنهم كانوا بيسمعوا خطاباته فى إذاعة صوت العرب، وكان وقت خطابه يُمنع التجوال فى فلسطين بدون مبالغة، وحكت لى أمى أيضاً أن يوم وفاته شكّل صدمة كبيرة وفقدان الأمل لأنه كان أكثر من زعيم بل كان بمثابة الأب، خاصة أنه ما كان فى قرانا تليفزيون فكانوا مرتبطين به سماعياً لكنهم راسمين صورة عظيمة له فى مخيلتهم».

عشْق عبدالناصر واعتبار وفاته صدمة بالنسبة لبسام وأهل فلسطين لم يأت من فراغ، فعبدالناصر بالنسبة له هو المدافع الأول عن فلسطين: «عبدالناصر أول من قام بتشكيل مجموعات فدائية بقيادة الضابط المصرى البطل مصطفى حافظ، كما شكّل الغطاء العربى للعمل الفدائى الفلسطينى، وقدم الدعم السياسى والمادى والإعلامى للحركة الوطنية الفلسطينية، وهو من أدخل ياسر عرفات إلى الكرملين، وفتح أمام العمل الفلسطينى المسلح أبواب المعسكر الشرقى، لهذا لن تجد فلسطينياً واحداً لا يحترم هذا الزعيم».

عشْق الفلسطينيين لعبدالناصر يراه بسام جلياً فى تسمية أعداد كبيرة من أبناء فلسطين باسمه، فضلاً عن الحزن الذى ساد البيوت الفلسطينية عقب سماع نبأ وفاته لدرجة جعلتهم يفتحون بيوتهم 3 أيام لاستقبال العزاء فى الزعيم الراحل.

تربية الأبناء على حب ناصر كانت بمثابة العدوى التى انتقلت من بلد عربى إلى آخر، ففى سوريا ما زالت «مريم»، السيدة الأربعينية، تتذكر التفافها وإخوتها حول الراديو ليستمعوا إلى خطبة عبدالناصر، فيما تجلس والدتها إلى جوارهم ممسكة بيدها عصاً خشبية صغيرة حتى إذا أصدر أحدهم صوتاً وقطع خطبة ناصر يتلقى نصيبه من العقاب، وهو ما جعلها ترتبط به ارتباطاً وثيقاً انعكس على اهتمامها بالقضية الفلسطينية وانضمامها لحركة فتح: «كانت تجربة عبدالناصر تدرس لنا بالحركة على أنها تجربة رائدة استطاعت إحياء الفكر القومى والعمل على تكريسه».

وعن خبر وفاة عبدالناصر تقول: «كنت طفلة ولم أدخل المدرسة بعد لما سمعت صراخاً بالحارة وصوت جارنا وهو يبكى بصوت عال ويصرخ: عبدالناصر مات، وشفنا أهالينا بتبكى واحنا مذهولين وبنبكى معاهم ومش فاهمين حجم الخسارة اللى حسوا بيها وصابتهم إلا لما كبرنا».

عشْق عبدالناصر لم يتوقف عند «مريم» التى تزوجت من رجل تقول عنه إنه تمكن من مصافحة عبدالناصر أثناء زيارته إلى سوريا، ولكنه امتد إلى طفليها: «نوارة» التى تحفظ أغانى الشيخ إمام ونجم وحليم مارسيل، و«وائل» الذى يحتفظ بصورة عبدالناصر فى محفظته الجلدية.

ورغم أنه شاب فى العقد الثانى من عمره ولم يرَ «ناصر» إلا بين سطور تاريخ بلاده «اليمن»، فإن قلب «أصيل» سارية، الشاب اليمنى، يتعلق بالزعيم الذى ساند بلاده ودعم ثورتها ضد المحتل البريطانى، فما زال «أصيل» يتذكر حكايات أجداده الذين شهدوا زيارة «ناصر» إلى اليمن، وجملته الشهيرة التى وجّهها للمحتل البريطانى بـ«أن أرض العرب للعرب».

يقول «سارية»: «لا يمكن لأى يمنى أن ينسى تضحيات الجيش المصرى وجنوده، ولا يمكن أن ننسى زيارة عبدالناصر لصنعاء عندما خرج اليمنيون لاستقباله، كبارهم وصغارهم، والنساء قبل الرجال، لدرجة جعلتهم يطلقون اسمه على المدارس والجامعات والشوارع»، مشيراً إلى أن هذه اللحظة التى تمر بها اليمن تحتاج إلى زعيم مثل عبدالناصر.

ومن اليمن للسودان، حيث يقول عبدالناصر على، أستاذ جامعى: «ارتباطنا بناصر كان عاطفياً، فرغم أننا لم نعاصره، فإننا وُلدنا لنجد صورة مرسومة له بألوان الزيت تتوسط مدخل المنزل، وهو ما أثار فينا فضول القراءة عن كل ما يتعلق به، لنصل إلى نتيجة واحدة وهى أنه شخصية كاريزمية ملهمة، دعم هذا الشعور مواقفه السياسية والاجتماعية الداعمة للأمة العربية، خاصة عندما احترم الخيار السودانى ولم يفرض عليهم الوحدة مع مصر، وهو ما زاد من حب وإعجاب السودانيين به».

دعْم حركات التحرر فى أفريقيا كان سبباً أساسياً من أسباب عشق الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما أكده أنور إبراهيم، صحفى إثيوبى، قائلاً: «عبدالناصر من الرعيل الأول من الرؤساء الأفارقة الذين كانوا يؤمنون بفكر التحرر الأفريقى أمثال الإمبراطور هيلاسلاسى ومانديلا»، مشيراً إلى علاقة ناصر بالإمبراطور الإثيوبى الذى قام بطرد السفير الإسرائيلى من إثيوبيا إبان العدوان الثلاثى على مصر، ما رده عبدالناصر فى صورة استقبال ضخم لسلاسى فى القاهرة».

حركات التحرر والوقوف ضد الإمبريالية والرأسمالية الأمريكية والاستعمار الغربى ودعْم حركات التحرر كانت من ضمن الأسباب التى دفعت «لينا مياسى»، الفتاة اللبنانية، لاعتناق الفكر الناصرى، قائلة: «ساهم عبدالناصر فى إيقاظ الروح القومية العربية، وفى إعطائها أبعاداً إنسانية منفتحة قادرة على استيعاب كل التنوع الدينى والمذهبى والعرقى القائم فى الوطن العربى، وأثبت أن الهوية العربية لا تتعارض بتاتاً مع الهوية الوطنية لأى قطر من الأقطار العربية، بل هما متكاملتان، وهو ما جعله ناجحاً فى توحيد جماهير الأمة العربية حول أهداف التحرر، والوحدة، والتقدم، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية».

أما طارق خورى، برلمانى أردنى، فما زال يحفظ عبارات عبدالناصر الرافضة للفكر الاستعمارى الغربى، وهو ما عبّر عنه بمقولة ناصر الشهيرة: «إذا رأيتم أمريكا راضية عنى فاعلموا أننى أسير بالاتجاه الخطأ»، بالإضافة إلى خطابه الذى أعلن فيه انفصال مصر عن سوريا: «ليس المهم أن تبقى الجمهورية العربية المتحدة، بل المهم أن تبقى سوريا»، مشيراً إلى أن «ناصر» كان يفضل القومية العربية على أطماعه الشخصية، على عكس رؤساء الدول الحاليين، وغيابه أفقد الأمة العربية وحدتها وتكاتفها، مستشهداً بما يحدث الآن فى مصر وسوريا واليمن وليبيا وتقسيم السودان قائلاً: «اليوم نتمنى أن يأتى رجل شبيه له».

 


مواضيع متعلقة