شباب يبيعون مياه الشرب بـ«جنيه ونصف» لـ«الجركن».. «السقا» رجع تانى

كتب: محمد أبوضيف

شباب يبيعون مياه الشرب بـ«جنيه ونصف» لـ«الجركن».. «السقا» رجع تانى

شباب يبيعون مياه الشرب بـ«جنيه ونصف» لـ«الجركن».. «السقا» رجع تانى

ينطلقون بدراجاتهم البخارية، حاملين المياه إلى المنازل، وكأنهم تطوير طبيعى لوظيفة «السقا» التى كانت مهنة البعض قديماً فى زمن ندرت فيه المياه، وكانت تباع وتشترى، ولكن فى مدينة القصير عاد زمن «السقايين»، لكن فى حلة جديدة، شباب أسمر فى مقتبل العمر يقود دراجة بخارية، وعلى متنها عدد لا بأس به من «جراكن» المياه الصالحة للشرب، يبيع الواحد منها بـ«جنيه ونصف»، والأكبر حجماً يصل سعره إلى 3 جنيهات.

{long_qoute_1}

عودة السقا لم تكن وليدة الصدفة، ولكن مشكلة المياه المالحة التى تصل للمنازل فى المحافظة والتى لم تحل منذ عدة سنوات دفعت بعض شباب القرية من العاطلين إلى البحث عن فرصة عمل على غرار الأزمة، ويقول محمد يونس، أحد الشباب: «منها بنساعد الناس ومنها بناكل عيش وده مش عيب»، ويقف «محمد» ممسكاً بطرف جلبابه وباليد الأخرى يمد خرطوم المياه نحو «الجراكن» ليملأها من ذلك الصنبور الذى لا يفصله عن محطة تحلية المياه سوى أمتار.

يعمل «يونس» فى مهنة نقل المياه عبر الدراجة البخارية لأهل المدينة منذ عامين، كعمل إضافى ليزيد من دخله، ويقول إن أزمة مياه الشرب فى أن الحصة الرئيسية التى تأتى للمدينة لا تكفى، بسبب استخدام القرى السياحية التى تنتشر على الطريق من «سفاجا» إلى «مرسى علم» لها: «ناس بتملا حمام السباحة مرتين فى اليوم وشوف فيه كام قرية»، مشيراً إلى أن محافظ البحر الأحمر فى عهد مبارك قلل من النسبة لصالح سفاجا لدعم الميناء هناك: «كل ده مبقاش لينا حاجة خالص من المياه العذبة»، وهو ما دفعه لخلط المياه العذبة بمياه البحر بعد تحليتها: «بس طبعاً المحطة مش بتحلى الميّه زى الناس فالناس بتروحلها ميّه مالحة على البيوت».

يشير الرجل إلى محطة التحلية التى لا تبعد عن صنبور المياه سوى أمتار، ويقول إن المحافظة خصصت محطة التحلية، التى اشتراها أحد رجال الأعمال، وتطور من طريقة عملها من التحلية عن طريق التبخير إلى فلاتر مياه: «وطبعاً التطوير ده جه على دماغنا إحنا»، فالفلاتر، حسب روايته، لا تعمل بكفاءة: «والميّه بتخرج منها مالحة زى ما هى»، وهو ما يدفعهم لنقل المياه من صنبور المياه العذبة الذى يسبق عملية خلط المياه العذبة بمياه محطة التحلية «المالحة»، ونقلها للبيوت وبيعها فى جراكن.

وليست الملوحة وحدها التى تصيب مياه الشرب فى القرية ولكن أيضاً لونها الأصفر الناتج عن فساد شبكة مواسير المياه، ويقول «يونس»: «عمرك شفت ميّه بطعم ولون أصفر ومالحة دى بقا حالة ميّه ترضى ربنا ويعيش منها بنى آدم»، مشيراً إلى أنه فى بداية المشكلة كان الأهالى يتجهون نحو 40 كيلو قبل المدينة لنقل المياه العذبة من الصنابير الخاصة بكمائن الجيش، ولكن حدثت أزمة دفعت المحافظة لعمل تلك الصنابير فى وسط المدينة لنقل مياه الشرب من المنازل من خلالها بدلاً من الدخول فى مشاكل مع القوات المسلحة: «يعنى هما مش خايفين ع الناس أكتر ما خايفين من المشاكل مع الجيش عشان الميّه».

يرفض «يونس» استغلال أزمة المياه، ويرفض رفع سعرها: «البيت الواحد ممكن ياخد خمسة جراكن فى اليوم ويعنى بتاع 7 جنيه ميّه فى اليوم شوف بقا فى الشهر بكام والبلد مفيهاش شغل ولا فيها حاجة كلهم معاشات وصيادين»، ويقول إنهم عادوا فى المدينة لزمن السقايين ولكن بشكل متطور من خلال الدراجة البخارية: «لما حد بيتكلم ولا يعترض بيقفلوا حنفيات المياه النضيفة».

على بعد كيلو من صنبور المياه المتاخم لمحطة التحلية يستقر حائط مملوء بصنابير المياه، وحوله بركة من المياه العفنة، يتوافد عليها المئات من الأهالى والدراجات البخارية الخاصة بالسقايين، رغم الرائحة التى تعبئ المكان، وفى الصندوق الملحق بإحدى الدراجات البخارية وبجوار «جراكن» المياه يجلس محمود عبدالشافى بلحيته الكثة البيضاء والذى جاء بصحبة جاره الذى يعمل «سقا»، ويقول إن أكثر من 500 شاب من أهل القرية يعملون فى مهنة السقايين على الدراجات البخارية، معتبراً أن تلك المهنة تنقذ أهل القرية من العطش.

الرجل الخمسينى، الذى يعمل بالضرائب العقارية، يتجه نحو منزله ويملأ زجاجة مياه ويشير إلى لونها الأصفر وما يسبح بها من ديدان، ويقول إن الأزمة تكمن فى المواسير الملوثة التى تنقل المياه للمنازل، وعلى المحافظة تغيير الشبكة، ويضيف أن نسبة كبيرة من أهالى مدينة القصير مصابون بالالتهاب الكبدى الوبائى وفيروس سى لاستخدام تلك المياه التى لا تصلح للعيش الآدمى.

لا تستعمل أسرة «عبدالشافى» المياه التى لا تصل للمنازل سوى فى الاستحمام، وتنظيف الأوانى: «لكن الطبخ والشرب بيكون من جراكن الميّه اللى بنشتريها»، مشيراً إلى أن القصير أزمتها مع المياه مزمنة: «مرت ثورتين ولا ستين حكومة ومفيش حل لمشكلتنا»، ويملأ الرجل خمسة جراكن فى اليوم ويدفع من أجلها عشرة جنيهات: «تخيل بقا بدفع 300 جينه كل شهر عشان أشرب ميّه نضيفة».

صف من مجندى القوات المسلحة يصطف فى انتظار ملء المياه من صنبور المياه العذبة والذى يسمونه فى القصير بـ«غراب المياه»، وإلى جواره يقف علاء حامد، 30 عاماً، بجلبابه الأبيض يملأ جراكن المياه، ويرفض شراء «الجراكن» من السقايين: «والله صعب الواحد يصرف الفلوس دى كلها عشان يشرب ميّه نضيفة» ولذلك يخصص الرجل وقتاً مستقطعاً كل يوم لملء المياه من الصنبور، واشترى خصيصاً دراجة بخارية لنقل المياه لاستعماله الشخصى، ويرفض الرجل، الذى يعمل مديراً لمركز الخدمات الاجتماعية، أن يستغل تلك الدراجة للعمل بالسقاية كغيره من الكثير من شباب البلد: «أنا جايبه عشان أجيب ميّه لاستعمالى الشخصى».

إلى جانب «الغراب»، صنبور المياه كما يسمونه، الذى يتوسط المدينة، يقف «سيد أحمد» جاء من محافظة قنا بصعيد مصر للعمل فى القصير منذ 12 عاماً، ولكن فقد عمله منذ عامين ولم يجد شيئاً آخر يعوضه سوى العمل «سقا» ويقول إن سعر «الجركن» يختلف من صنبور لآخر، فالصنبور الذى يجاور محطة التحلية يختلف عن الصنبور الذى يتوسط المدينة: «وكل صنبور وسعر ميته يختلف عن التانى.. حسب نضافتها وبعدها عن منطقة خلط الميّه المالحة بالعذبة»، مشيراً إلى وجود ثلاثة صنابير تنقل منها المياه.

ويقول «سيد» إن الأزمة الحقيقية للسقايين فى البلد هى قطع المياه عن الصنابير التى ننقل منها: «اليوم اللى بنشتعله بنام عليه عشرة فى البيت»، مشيراً إلى أنهم أصبحوا جزءاً من البلد، ولا يمكن الاستغناء عنهم: «هو فيه حد ممكن يعيش من غير ميّه».

 


مواضيع متعلقة