مقابر الأحياء: 10 آلاف معتقل فلسطيني بينهم 400 طفل.. و3498 محتجزاً إدارياً دون تهمة أو محاكمة لفترات قابلة للتجديد في انتهاك صارخ للقانون

مقابر الأحياء: 10 آلاف معتقل فلسطيني بينهم 400 طفل.. و3498 محتجزاً إدارياً دون تهمة أو محاكمة لفترات قابلة للتجديد في انتهاك صارخ للقانون
رغم تعاقب السنوات وتغير الحكومات الإسرائيلية، لم تتغير سياسة القمع والتنكيل تجاه الأسرى الفلسطينيين، بل تفاقمت حدتها بشكل ملحوظ بعد تصاعد العدوان على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إذ سجلت أرقام الأسرى فى سجون الاحتلال مستويات غير مسبوقة، وسط تصعيد ممنهج لانتهاك حقوقهم وظروف اعتقالهم، وتفاقمت الانتهاكات بحق الأسرى بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، بحسب شهادات من أُفرج عنهم من داخل «مقابر الأحياء» كما يفضل الأسرى وصفها، لا سيما أنها أصبحت مغلقة فى وجه منظمات حقوق الإنسان الدولية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولى، التى أوقفت إسرائيل زيارة مندوبيها للسجون منذ السابع من أكتوبر.
وفى يوم الأسير هذا العام أفاد نادى الأسير الفلسطينى، فى أحدث الإحصاءات الرسمية، أن عدد الأسرى والمعتقلين فى سجون الاحتلال بلغت حتى بداية أبريل 2025 أكثر من 9900 أسير ومعتقل، وهى واحدة من أعلى النسب منذ عقود، إذ يشمل هذا الرقم أنماطاً مختلفة من الاعتقال والاحتجاز التعسفى، بدءاً من الاعتقالات الإدارية، مروراً بالاعتقالات الجماعية، وصولاً إلى استهداف الأطفال والنساء بشكل ممنهج.
ووفقاً لنادى الأسير الفلسطينى، يُحتجز ما لا يقل عن 400 طفل فلسطينى خلف القضبان، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، ويخضع هؤلاء الأطفال لاستجوابات قاسية واحتجاز غير قانونى، فى انتهاك واضح لاتفاقيات حقوق الطفل الدولية، وفيما يخص الأسيرات الفلسطينيات، بلغ عددهن 27 أسيرة حتى مطلع أبريل، بعد أن كان العدد 40 أسيرة قبل العدوان على غزة، فيما الأسيرات يعانين من ظروف احتجاز قاسية، أبرزها الإهمال الطبى والعزل الانفرادى، وحرمانهن من التواصل مع الأهل أو تلقى الزيارات المنتظمة، كما تستمر سلطات الاحتلال فى استخدام سياسة الاعتقال الإدارى بشكل موسع، حيث وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى 3498 معتقلاً، وكل هؤلاء يُحتجزون دون تهمة أو محاكمة، لفترات قابلة للتجديد، فى انتهاك صارخ للقانون الدولى الإنسانى، إذ تعتبر هذه السياسة بمثابة خرق واضح لاتفاقيات جنيف التى تضمن حقوق الأسرى والمعتقلين.
وفى تطور خطير، صنّفت سلطات الاحتلال 1747 معتقلاً من قطاع غزة كمقاتلين غير شرعيين، وفق وصف قانونى استثنائى، يهدف إلى حرمانهم من الحماية القانونية التى يتمتع بها الأسرى بموجب اتفاقيات جنيف، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم لا يشمل المعتقلين فى معسكرات الجيش، الذين لا يزال مصيرهم فى طى المجهول، فيما يعانى الغالبية العظمى من الأسرى من الإهمال الطبى المتعمّد، وحرمانهم من العلاج والرعاية اللازمة، خصوصاً لأولئك المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، كما تنتهج إدارة السجون سياسات العقاب الجماعى، من بينها العزل الانفرادى، ونقل الأسرى بشكل متكرر، وقطع الكهرباء والمياه عن أقسام كاملة، فضلاً عن منع الزيارات، واقتطاع حقوقهم فى الكنتين والتعليم.
وقال رائد عامر، مدير دائرة العلاقات الدولية بنادى الأسير الفلسطينى، لـ«الوطن»: «بعد السابع من أكتوبر، أصبحت رحلة الأسير أكثر قسوة، وتحولت إلى رحلة قتل وتعذيب يومى، ظروفهم داخل السجون باتت كارثية، حيث يتم حرمانهم من الطعام والعلاج، ووضعهم فى زنازين غير إنسانية، والتنكيل بهم جسدياً ونفسياً، كما أن الأسرى الفلسطينيين يواجهون مرحلة هى الأسوأ فى تاريخ الاعتقال، وسط مهازل إنسانية تخالف كل القوانين والأعراف الدولية».
وأوضح «عامر» أن هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين، منهم نساء، أطفال، وكبار سن، يتعرضون لأبشع أنواع الانتهاكات، والاحتلال يتعامل معهم بعقلية انتقامية، حيث يتم احتجازهم فى زنازين قذرة، وحرمانهم من الطعام والعلاج، وإجبارهم على العيش فى ظروف غير إنسانية، فضلاً عن حفلات التعذيب الجماعية، مضيفاً أن «العديد من الأسرى يعانون من التعذيب الجسدى والنفسى، وقد أصيب العديد منهم بأمراض جلدية بسبب قلة النظافة وانعدام الرعاية الصحية».
أما فيما يخص قضية الشهداء بين الأسرى، فقال «عامر» إن الاحتلال اعترف رسمياً بإعدام العشرات منهم، ولكن التقديرات تشير إلى أن العدد أكبر بكثير، خاصة من أسرى قطاع غزة، كما أن هذه الإعدامات تُنفذ بحق الأسرى إما تحت التعذيب أو بشكل متعمد داخل السجون، وفى هذا السياق يبرز خطر استمرار هذا التصعيد بحق الأسرى من دون محاسبة، مشيراً إلى أوضاع الأطفال المعتقلين، إذ يواجهون أسوأ أنواع الانتهاكات، وأنه يتم اعتقالهم بتهم ملفقة، مثل رشق الحجارة، ثم يُحتجزون فى ظروف قاسية ويخضعون لتعذيب نفسى وجسدى، مؤكداً أن جميع الأطفال المعتقلين حالياً بحاجة إلى علاج نفسى نتيجة الصدمات التى تعرضوا لها، لافتاً إلى أنه لم يسلم أهالى المعتقلين من القمع والتنكيل، إذ يعد ذلك جزءاً من سياسة العقاب الجماعى، حيث يقوم الاحتلال باعتقال أقارب الأسرى لمنعهم من الاحتفال بإطلاق سراحهم، وفى القدس المحتلة تحديداً، هناك ملاحقات مستمرة واعتقالات لمنع أى شكل من أشكال الفرح أو التضامن مع الأسرى المحررين.
بدوره، دعا رائد أبوالحمص، رئيس هيئة شئون الأسرى والمحررين، الوسطاء الذين يعملون على إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتبادل الأسرى، بتكثيف الجهود وممارسة كل أشكال الضغط للوصول إلى صيغة نهائية، توقف القتل والدمار الذى تضاعف بشكل خطير منذ عودة الحرب، والبدء بالمرحلة الثانية من عملية التبادل، معرباً عن ثقته بالأشقاء المصريين والقطريين، الذين يواصلون الليل والنهار فى إنجاز الاتفاق، بجلسات الحوار اليومية فى القاهرة، وإننا بحاجة لمزيد من الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار إسرائيل على وقف حرب الإبادة، والتدخل المباشر فى ضبط سياساتها المتطرفة، وعدم السماح لها بالتمادى أكثر بهذا العنف المميت.
وقال «أبوالحمص»: على العالم أن يتحرك باتجاه قضية أسرانا وحقوقهم فى ظل سياسة إجرامية ما زالت تمارس ضدهم والتى تزيد من ظلم الضحية وتصفق للجلاد، فمع عودة الحرب واستمرارها وضم المتطرف «بن غفير» مجدداً فى الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وصلت السجون والمعتقلات إلى أخطر مرحلة، حيث تفاقم الضرب والتعذيب والتجويع والإهانة والجرائم الطبية والقتل، كما عادت الاستهدافات لقادة وممثلى الحركة الأسيرة، ممن كان لهم دور فى العمل التنظيمى والإشراف على الأسرى قبل اندلاع الحرب، مشدداً على أنهم بحاجة ماسة لعودة عملية تبادل الأسرى بأسرع ما يمكن، حيث إن الأوضاع الحياتية والمعيشية والصحية للأسرى والأسيرات دخلت دائرة الخطر الحقيقى، والمعاناة اليومية أصبحت لا تطاق، موجهاً شكره وتقديره لكل الوسطاء.
وأكد رئيس هيئة شئون الأسرى والمحررين الثقة الحقيقية والكاملة بالأشقاء المصريين والقطريين، الذين عودونا دوماً على دعم الشعب الفلسطينى وحقوقه، ومساندته فى أصعب الظروف، آملاً أن يعود شىء من الحياة للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، ووقف استهداف المخيمات واجتياح المدن والقرى فى الضفة الغربية، وأن تعود مشاهد فرحة الإفراج التى لمسناها على مدار المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والتى كان ثمنها كبيراً جداً بما قُدم من شهداء وجرحى وتدمير لقطاع غزة وتشريد وتهجير الأسر والعائلات.