في ذكرى «مجزرة بحر البقر».. أحلام طفولة تحولت إلى رماد

في ذكرى «مجزرة بحر البقر».. أحلام طفولة تحولت إلى رماد
يحل يوم 8 إبريل من كل عام، ليفتح جراحًا لم تلتئم منذ زمن تخطى الـ50 عامًا، ويعيد مشاهد تدمي القلوب، كان أبطالها رجال هرعوا من حقولهم ونساء من بيوتهن نحو مدرسة بحر البقر، فلم يكن أحد يعلم أن لحظات توديع أبنائهم لبدء يومهم الدراسي، والتي امتلأت بالأحلام البريئة ستتحول إلى ذكرى مؤلمة، بعدما أصبحت الأحلام التي احتفظ بها الأباء في دفاتر أبنائهم الصغار جزء من محرقة دموية، دونها التاريخ باسم «مجزرة بحر البقر».
«مجزرة بحر البقر» جريمة إسرائيلية لا تنسى
المكان مدرسة بحر البقر، الزمان 8 أبريل 1970، في تلك اللحظات، كانت مدينة بحر البقر الصغيرة، التي كانت تعرف بهدوئها، تتحول إلى بؤرة صاخبة تكتظ بالمراسلين الصحفيين ووكالات الأنباء العالمية والفنانين والسياسيين وأعضاء المنظمات الحقوقية الدولية، لتغطية الجريمة الأبشع في حق الإنسانية، وفقًا لموقع « egyptianchronicles»، الذي ينشر وثائق من السجلات المصرية في الحروب.
كانت المجزرة جزء من سلسلة جرائم إسرائيلية لم تتوقف، ففي الساعة التاسعة والثلث من صباح ذلك اليوم، أغارت طائرات الفانتوم الإسرائيلية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة، التي كانت تضم 150 طفلاً من أبناء الفلاحين في مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، وهي مدرسة صغيرة تتكون من طابق واحد يضم ثلاثة فصول دراسية، حيث كان الأطفال يدرسون في هدوء بحثًا عن مستقبل مشرق، وهو ما محته الطائرات الإسرائيلية، بضغطة زر، بإلقاء خمس قنابل وصاروخين على المدرسة، ما أسفر عن استشهاد ثلاثين طفلاً، فيما أصيب أكثر من خمسين آخرين بجروح بالغة.
مجزرة بحر البقر تزامنت مع تصعيد إسرائيلي خلال حرب الاستنزاف، إذ كان القصف ضمن مساعي إسرائيل لإجبار مصر على قبول مبادرة «روجرز» ووقف الحرب، ورغم ما حدث، استمرت إسرائيل في تبرير هذه الجريمة بأنها استهدفت ما سمته «أهدافًا عسكرية» متجاهلة حقيقة أن الضحايا كانوا أطفالاً أبرياء لم يعرفوا عن الحرب سوى أصوات القنابل التي سلبت منهم حياتهم.
عيون العالم اجتمعت على فاجعة لم يكن من الممكن تصورها، بينما توافد كل هؤلاء لتوثيق حدث لن ينساه التاريخ، حيث كان من بين الحضور الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، إلى جانب العديد من نجوم الفن والمشاهير أمثال أم كلثوم، ونجاة الصغيرة، وفؤاد محيي الدين، والعديد من الشخصيات العامة الذين حضروا ليشاهدوا بأعينهم تلك الجريمة التي هزت أركان الإنسانية.
بحر البقر أصبحت بعد تلك المجزرة رمزًا للطهارة المفقودة، وأضحت واحدة من أكثر حوادث الحرب فتكًا بالإنسانية، قصة الأطفال الذين كانوا في المدرسة تلك اللحظة أصبحت أصداء ترددها الأجيال، وتحكي عن حرب لا تميز بين الطفولة والدمار.
رد فعل المجتمع الدولي على مجزرة بحر البقر
الأمر لم يمر مرور الكرام على المستوى الدولي، إذ استقبل المجتمع الدولي الحادث المأساوي الذي وقع في مدرسة بحر البقر الابتدائية في 8 إبريل 1970 باستنكار شديد، إذ اعتبره جريمة إنسانية لا يمكن تبريرها، ما القى بظلاله بشكل مباشر على السياسة الدولية، حيث أجبرت الفاجعة الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها آنذاك ريتشارد نيكسون على اتخاذ قرار بتأجيل صفقة تزويد إسرائيل بطائرات حديثة، وهو ما كان يشير إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل في هذا التوقيت، بحسب «نيويورك تايمز».
في أعقاب المجزرة، شهدت الساحة العسكرية أيضًا تغييرًا ملحوظًا، فقد أدى الحادث إلى تخفيف الغارات الإسرائيلية على المواقع المصرية، ما منح القوات المصرية فرصة لتعزيز دفاعاتها، وفي نفس العام، تحديدًا في يونيو 1970، جرى تدشين حائط الصواريخ المصري، الذي كان له دور محوري في تغيير مجريات الحرب، إذ أسقط العديد من الطائرات الإسرائيلية، ما شكل نقطة تحول في حرب الاستنزاف.
وفي نهاية المطاف، انتهت العمليات العسكرية بين مصر وإسرائيل بعد قبول مبادرة روجرز، والتي كانت تهدف إلى وقف الحرب ووقف التصعيد العسكري بين الطرفين، وكان هذا الاتفاق بداية لمرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث سعى الطرفان إلى البحث عن حلول دبلوماسية بدلاً من التصعيد العسكري المستمر.