فى الوقت الذى تسعى فيه المملكة العربية السعودية لاستكمال خطة «التحول الاقتصادى»، التى أطلقها ولى العهد، الأمير محمد بن سلمان، من خلال تنفيذ مجموعة من المشروعات العملاقة، باعتمادات مالية ضخمة تبلغ مئات المليارات من الدولارات، شهدت أسعار النفط موجة جديدة من التراجعات، لتشكل مزيداً من الضغوط إلى يواجهها برنامج الإنفاق الحكومى فى المملكة، ورغم أن الرياض تسعى لتعويض التراجع فى أسعار النفط عبر التخلى عن خططها السابقة لتخفيض الإنتاج، اعتباراً من هذا الأسبوع، فإن لجوء السعودية إلى زيادة إنتاجها من النفط قد يدفع الأسعار إلى مزيد من الهبوط. وأوردت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، نقلاً عن خبراء اقتصاديين، أنه من المحتمل أن تحتاج المملكة إلى خفض الإنفاق بأكثر من الانخفاض السنوى بنسبة 3.7% المخطط له لعام 2025، فى ظل استمرار بقاء أسعار النفط بالقرب من 70 دولاراً للبرميل، وهو أقل بكثير من المستوى الذى يساعد البلاد فى تحقيق التوازن المالى، مع قيام شركة «أرامكو» المملوكة للدولة بتقليص توزيعات الأرباح، وأشارت إلى أن هذه الضغوط تأتى فى وقت تسعى فيه المملكة لتنفيذ مجموعة من المشروعات الطموحة، اعتمدت لها مئات المليارات من الدولارات، بما فى ذلك مشروع «مدينة نيوم»، كجزء من خطة التحول الاقتصادى.
طموحات «التحول الاقتصادي» في السعودية تصطدم بـ«عقبة» تراجع أسعار النفط

طموحات «التحول الاقتصادي» في السعودية تصطدم بـ«عقبة» تراجع أسعار النفط
ونقلت الصحيفة البريطانية عن «مونيكا مالك»، كبيرة الاقتصاديين فى «بنك أبوظبى التجارى» أنه «إذا استمر انخفاض أسعار النفط بهذا الشكل الحاد، فسيكون من الضرورى إجراء تقليص أعمق فى الإنفاق الحكومى، للحد من حجم العجز، وارتفاع الديْن الداخلى»، وأضافت أنه «من المرجح أن يكون هناك مزيد من التعديل، وإعادة التقييم لخطط الاستثمار خارج الميزانية».
وأعلنت الحكومة السعودية، أواخر العام الماضى، عن خططها لإنفاق 342 مليار دولار، مقابل إيرادات متوقعة تصل إلى 315 مليار دولار فى عام 2025، مع توقع عجز فى الميزانية بنحو 26 مليار دولار، وأشارت الصحيفة إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر أكبر مُصدر لديون الأسواق الناشئة هذا العام، خاصةً أن بعض المشروعات، التى تندرج ضمن «رؤية السعودية 2030»، التى تم الإعلان عنها فى عام 2016، مثل المنتجعات السياحية على ساحل البحر الأحمر، قد بدأ العمل فيها بالفعل، إلا أن العديد من المشروعات الأخرى، التى ما زالت قيد الإنشاء، بما فى ذلك مشروع «نيوم»، واجهت تخفيضات وتأخيرات، وتقوم المملكة بتنفيذ العديد من هذه المشروعات عبر صندوق الاستثمارات العامة، الذى يتم تمويله عادةً من إيرادات النفط.
وبعد نحو 10 سنوات من إعلان خطة التحول الاقتصادى، أعادت الرياض تقييم الإنفاق، حيث تم تأجيل بعض المشروعات، وتقليص البعض الآخر، بسبب تراجع أسعار النفط، والمخاوف من التعرض لأزمات اقتصادية، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، سعت المملكة، تحت إشراف وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، إلى زيادة إيرادات النفط، من خلال تقليص الإنتاج، لدفع الأسعار إلى الأعلى، ونجحت هذه السياسة فى البداية، حيث ساعدت التخفيضات من قِبل السعودية وأعضاء «أوبك+» الآخرين، فى تمويل الإنفاق الحكومى، من خلال الحفاظ على أسعار النفط فوق 90 دولاراً للبرميل لمعظم عام 2022.
«فاينانشيال تايمز»: المملكة قد تضطر إلى تقليص الإنفاق الحكومى للحد من حجم العجز وارتفاع الديْن الداخلى
وبحسب «فاينانشيال تايمز» تبدأ المملكة العربية السعودية، اعتباراً من شهر أبريل الجارى، فى التخفيف من بعض تخفيضات الإنتاج، إلى جانب سبع دول أخرى من أعضاء «أوبك+»، وأكدت مصادر مطلعة على خطط التحول الاقتصادى فى المملكة، أن الرياض لم تعد مستعدة لتحمل أكبر حصة من التخفيضات، بينما يلجأ أعضاء آخرون إلى «الغش»، وكانوا مستعدين لتحمل أسعار النفط المنخفضة كنتيجة لذلك. وتشير التغيرات فى سياسة المملكة إلى أن فترة طويلة من أسعار النفط المنخفضة أصبحت أكثر احتمالاً، مع توقع معظم التجار أن يتداول النفط عند المستويات الحالية أو أقل طوال بقية العام، وأعلنت شركة «أرامكو»، التى تملكها الحكومة السعودية وصندوق الاستثمارات السيادى، هذا الشهر، أنها تتوقع الإعلان عن توزيعات أرباح إجمالية تبلغ 85.4 مليار دولار فى 2025، وهو انخفاض بنحو الثلث، مقارنةً بالرقم الذى تحقق العام الماضى، والذى تجاوز 124 مليار دولار. وقال خبراء اقتصاديون إنه من المحتمل أن تحافظ الحكومة السعودية على «سياسة مالية مشددة» مع زيادة الاقتراض، مشيرين إلى نسبة الديْن إلى الناتج المحلى الإجمالى فى المملكة تبلغ 29.7%، وهى نسبة منخفضة بالنسبة لاقتصاد بحجمها، واحتياطياتها الأجنبية، التى تتجاوز 430 مليار دولار حتى فبراير الماضى.