رفعت رشاد يكتب: الأحزاب السياسية كقوة ناعمة

يشهد شهر رمضان العديد من التجمعات على مائدة الإفطار أو مائدة السحور، جزء كبير منها تنظمه النقابات أو الجمعيات الأهلية وكذلك جزء تنظمه الأحزاب السياسية التي تنتهز فرصة الشهر الكريم لتجمع أعضاءها من كل المستويات التنظيمية ومن كل المناطق الجغرافية سواء محافظات أو أحياء.

هذه التجمعات وغيرها من الأنشطة الاجتماعية التي تمارسها الأحزاب تعد قوة ناعمة تمارس بها الأحزاب دورا تأثيريا على المجتمع وعلى أعضائها، في عالم السياسة، لا تقتصر قوة الأحزاب على الهيمنة السياسية المباشرة أو السيطرة على مقاليد الحكم، بل تمتد إلى القوة الناعمة، وهي القدرة على التأثير والإقناع دون اللجوء إلى القوة أو الإكراه، فالأحزاب تمتلك أدوات متنوعة تجعلها قوة ناعمة فعالة في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، بما في ذلك الإعلام، الثقافة، البرامج التعليمية، والعلاقات الاجتماعية.

ويكمن نجاح الأحزاب في هذا المجال في مدى قدرتها على بناء صورة إيجابية تجذب الناس إلى أفكارها ورؤاها. تستخدم الأحزاب أدوات مختلفة مثل الإعلام، التعليم، العلاقات الاجتماعية، والخطاب السياسي لنشر أفكارها والتأثير على المجتمع. فمن خلال الترويج لأيديولوجياتها، تستطيع الأحزاب خلق تيارات فكرية تمتد عبر الأجيال، وتسهم في توجيه القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة. علاوة على ذلك، فإن الأحزاب التي تستثمر في القوة الناعمة غالبًا ما تحقق قبولًا واسعًا حتى بين من لا يشاركونها أيديولوجيتها.

تعتمد الأحزاب على وسائل الإعلام لنشر أفكارها وترسيخ نفوذها. وقد أثبت الإعلام الحديث، خاصةً منصات التواصل الاجتماعي أنه أداة مؤثرة في التأثير على الرأي العام. كما تنظم الأحزاب البرامج التدريبية والتثقيفية لنشر رؤاها، وكذلك محاضرات تهدف إلى توعية الجماهير بمبادئها وبرامجها السياسية. بجانب تنظيم فعاليات مجتمعية لتعزيز ارتباط الناس بها، مثل حملات التوعية الصحية، المساعدات الإنسانية، والمبادرات البيئية، مما يعزز صورتها كفاعل إيجابي في المجتمع. وتلعب الشخصيات المؤثرة دورًا رئيسيًا في ترسيخ صورة الحزب، حيث يمكن أن يصبح القادة الملهمون رموزًا للقيم والمبادئ التي يمثلها الحزب. وكذلك الخطاب السياسي والتواصل الجماهيري المقنع والمحفز لاستقطاب الجماهير وتوجيهها.

عندما تتمكن الأحزاب من استخدام القوة الناعمة بفعالية، فإنها تؤثر على قناعات الناس وتوجهاتهم، ما يؤدي إلى تغييرات اجتماعية وسياسية عميقة، سواء في دعم قضايا معينة أو تبني سياسات محددة. كما أن الأحزاب التي تعتمد على القوة الناعمة تتمكن من بناء قاعدة شعبية أكثر استقرارًا، حيث يرتبط الناس بها بناءً على القناعة بدلاً من المصالح الآنية. تعد الأحزاب السياسية من أهم الفاعلين في تشكيل الرأي العام من خلال أدوات القوة الناعمة، حيث تعتمد على الإعلام، الخطاب السياسي، والثقافة لخلق تأثير مستدام. ومع تطور العصر الرقمي، أصبح لزامًا على الأحزاب تطوير أساليبها لضمان استمرارية نفوذها في المجتمع. وبفضل القوة الناعمة، تستطيع الأحزاب بناء علاقات متينة مع الجماهير، مما يمنحها فرصة للاستمرار والتأثير حتى في أصعب الظروف السياسية.