تداعيات «عملية جنين» مستمرة.. السلطة الفلسطينية أمام «اختبار صعب»

تداعيات «عملية جنين» مستمرة.. السلطة الفلسطينية أمام «اختبار صعب»
تساؤلات عديدة أثيرت حول قدرة السلطة الفلسطينية على تولى الحكم فى الضفة الغربية وغيرها من المناطق الفلسطينية، فى الوقت الذى تتسابق فيه دول المنطقة على تقديم اقتراح مضاد لمشروع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتهجير سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وعلى ضوء تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها أنه يجب ألا يكون هناك أى دور للسلطة الفلسطينية فى غزة، بعد إنهاء سيطرة حركة «حماس» على القطاع.
تقرير لـ«واشنطن بوست»: إسرائيل تحظر تزويد «أمن السلطة» بالأسلحة اللازمة
ووفق تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»، فإنه من المؤكد أن الخطة العربية البديلة ستمنح السلطة الفلسطينية دوراً مركزياً فى إدارة المناطق المخطط قيام دولة فلسطينية عليها، على الرغم من المخاوف العميقة بشأن قدراتها، إلا أن الصحيفة الأمريكية اعتبرت أن عملية «حماية الوطن»، التى أطلقتها السلطة الفلسطينية فى مخيم جنين، خلال شهر ديسمبر الماضى، وأسفرت عن وقوع اشتباكات بين قوات الأمن الفلسطينية وعناصر من «كتيبة جنين»، التابعة لـ«سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، زادت من الشكوك فى قدرة السلطة الفلسطينية على تولى مقاليد الحكم.
حدود قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية
ونقلت الصحيفة عن غيث العمرى، الباحث فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله إن «عملية جنين»، التى أسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين، بينهم قيادي فى الحركة الإسلامية، أظهرت حدود قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وأضاف: «إذا كنت لا تستطيع أن تنجح فى عملية مثل عملية جنين، فكيف يمكنك أن تأمل فى معالجة الوضع الأكثر تعقيداً فى غزة؟».
وأضاف أن «عملية جنين» تمثل أكبر اختبار، حتى الآن، لقوات السلطة الفلسطينية، المسئولة عن السيطرة الأمنية فى المراكز السكانية الرئيسية بالضفة الغربية، بموجب شروط اتفاق السلام، الذى جرى التوصل إليه مع إسرائيل فى تسعينات القرن الماضى، وتضم هذه القوات نحو 35 ألف عنصر، وتعمل على تنسيق الأمن، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، التى لا تزال تحتل الضفة الغربية.
ومنذ عام 2007، خصصت الحكومة الأمريكية نحو 11 مليار دولار، لدعم قدرات قوات الأمن الفلسطينية، حسبما قال مسئولون في وزارة الخارجية الأمريكية، فى وقت سابق من العام الماضي، كما أشرف الجيش الأمريكي على تدريب قوات الأمن، التابعة للسلطة الفلسطينية، فى مواقع بالأردن، إلا أن مسئولين أمريكيين وفلسطينيين أكدوا مؤخراً أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت إيقاف جميع التمويلات المخصصة لقوات الأمن الفلسطينية، كجزء من التجميد العالمي للمساعدات الخارجية.
وفى مؤتمر صحفي عُقد الشهر الماضي، استعرض العميد أنور رجب، المتحدث باسم قوى الأمن الفلسطينية، ما وصفها بـ«إنجازات عملية جنين»، مشيراً إلى أنه «تم إلقاء القبض على مئات المسلحين والمتواطئين معهم، وضبط أموال ومتفجرات وأسلحة غير مشروعة، وتفكيك قنابل بدائية الصنع مزروعة في عدد من الأحياء»، وأكد أن تلك القنابل البدائية كانت تهدف فى الأساس إلى استهداف الجنود الإسرائيليين، ورداً على الشكوك حول قدرة قوات الأمن الفلسطينية فى بسط سيطرتها على باقي المناطق الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، أكد «رجب»، فى تصريح للصحيفة الأمريكية، أن الأجهزة الأمنية لديها القدرة والجاهزية للتعامل مع الوضع فى غزة.
ورغم تصريحات المسئول الأمنى الفلسطيني التى استعرض فيها «إنجازات عملية جنين»، فإن سكان المخيم، ومسئولين ومحللين إسرائيليين انتقدوا العملية، وقال ميراف زونسزين، كبير المحللين الإسرائيليين فى مجموعة الأزمات الدولية، إنه «إذا كانت نتيجتها النهائية أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع السيطرة على 100 مقاتل فى جنين، فكيف يمكنها تأمين غزة؟»، أشار المتحدث الإسرائيلي إلى أنه بعد فرض الحصار لمدة 6 أسابيع على مخيم جنين للاجئين، لم تتمكن قوات الأمن الفلسطينية من اختراق «متاهة الأزقة الضيقة» فى المخيم، على حد وصفه، كما أشارت «واشنطن بوست» إلى أن فريقاً من صحفييها زار مخيم جنين في مناسبتين متتاليتين، منتصف يناير الماضي، شاهدوا المسلحين يتجولون فى الشوارع، بينما وقف «الكشافة»، الذين يحملون أجهزة اتصال لاسلكية، يراقبون الوضع على أسطح المنازل، دون أن تزعجهم الرشقات النارية من قبَل قوات الأمن.
«كتيبة جنين» أفضل تسليحاً من قوات الأمن
ووصف عضو بارز فى «كتيبة جنين»، يُدعى «جهاد»، العملية بأنها كانت «مرهقة» لسكان المخيم، لكنها مقارنةً مع غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، كانت بالنسبة للمسلحين «مجرد استراحة وعطلة»، ووفقاً لتهاني مصطفى، كبير محللي مجموعة الأزمات الدولية فى الأراضي الفلسطينية، فإن «كتيبة جنين» أفضل تسليحاً من قوات الأمن، مشيرةً إلى أن العديد من أفرادها كانوا يحملون بنادق من طراز «M-16»، جرى تهريبها أو شراؤها من تجار الأسلحة في إسرائيل، بينما كان عناصر قوات الأمن الفلسطينية يحملون بنادق قديمة من طراز «كلاشينكوف»، بعد أن فرضت إسرائيل قيوداً على تزويدها بأسلحة أفضل وذخائر ومدرعات خفيفة.
وأظهر مسلحو «الجهاد» قدراتهم المستمرة من خلال إطلاق النار على مجموعة من الجنود الإسرائيليين، كانوا يقودون سيارتهم فى قرية «فدق»، وهى قرية خارج المدينة، مما أسفر عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، وأعلنت «كتيبة جنين» مسئوليتها عن مهاجمة جنود الاحتلال، قبل أن يتمكن المسلحون من العودة إلى المخيم مجدداً، دون أن يكتشفهم أحد، وقال «جهاد» للصحيفة الأمريكية: «لقد كان الهجوم، أولاً رسالة إلى السلطة الفلسطينية لأنهم يحاصروننا، ولكن هذا لن ينهى مقاومتنا ضد الاحتلال».
وبعد أسبوع من «عملية جنين»، استأنف الجيش الإسرائيلي غاراته الجوية على المدينة، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على مدار ليلتين، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية، وجاءت تلك الغارات ضمن عملية كبيرة تشنها قوات الاحتلال في عدة مناطق بالضفة الغربية، استمرت أكثر من 3 أسابيع، أسفرت عن تشريد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وفقاً لتأكيدات مشتركة من جانب كل من السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال والأمم المتحدة.