مصطفى عمار يكتب: القمة العربية في مصر.. لحظة فارقة في التاريخ السياسي للمنطقة
في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة، تأتي القمة العربية التي تستضيفها القاهرة كحدث استثنائي في توقيت بالغ الحساسية. فهذه القمة ليست مجرد لقاء تقليدي بين القادة العرب، بل منصة حاسمة لصياغة موقف عربي موحد تجاه الحرب في غزة، وإعادة تحديد الأولويات الاستراتيجية لمواجهة التداعيات الأمنية والسياسية التي تهدد الأمن القومي العربي.
مصر، التي طالما كانت قلب العروبة النابض، تدرك أن اللحظة تتطلب قرارات حاسمة، لا تقتصر على المواقف الخطابية، بل تمتد إلى بلورة استراتيجية عربية فاعلة تدعم الحقوق الفلسطينية، وتفرض مسارات دبلوماسية جادة لإنهاء الحرب، ومنع تهجير الفلسطينيين، وضمان عدم فرض حلول أحادية تكرس الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس السيسي شدد في عدة مناسبات على أهمية «إعادة إحياء القضية الفلسطينية كقضية مركزية للعالم العربي»، مؤكداً أن «حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار، ليس فقط للفلسطينيين، بل للمنطقة بأكملها». وهذا التوجه سيكون محوراً رئيسياً للنقاش في القمة العربية، حيث تسعى القاهرة إلى دفع العواصم العربية نحو موقف أكثر تأثيراً في المحافل الدولية.
منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر 2023، برزت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي كقوة إقليمية ضامنة للاستقرار، ومفتاح للحلول السياسية وسط صراع يهدد المنطقة بأكملها. فبينما اشتعلت المواجهات واتسع نطاق التداعيات السياسية والإنسانية، لعبت القاهرة دوراً محورياً في احتواء الأزمة، والحفاظ على التوازن الاستراتيجي، وإعادة إحياء ملف القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
منذ اللحظة الأولى للأحداث، تحركت مصر بشكل مدروس، فرفضت التصعيد، وركزت على المسارات الدبلوماسية والإنسانية لمنع خروج الأوضاع عن السيطرة. أطلقت القاهرة مبادرات عاجلة للتهدئة، وأجرت اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف الفاعلة، من واشنطن إلى تل أبيب، ومن رام الله إلى العواصم العربية والدولية، لإيجاد مخرج سياسي يوقف نزيف الدم الفلسطيني.
الرئيس عبدالفتاح السيسي أكد منذ البداية موقف مصر الواضح: «نرفض استهداف المدنيين أياً كان الطرف الذي يقوم بذلك، والحل الجذري لهذه الأزمة هو حل الدولتين، بما يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة». هذا التصريح، الذي جاء في مؤتمر صحفي عقب اندلاع الحرب، يعكس التزام مصر الثابت بالقضية الفلسطينية، وحرصها على استعادة التوازن في معادلة الصراع.
منذ توليه الرئاسة، رسم الرئيس السيسي سياسة خارجية قائمة على ثلاث ركائز أساسية: التفاهم، والاحترام المتبادل، والتقدير لحجم مصر ومكانتها الإقليمية. هذه السياسة جعلت القاهرة مركز ثقل دبلوماسي في الشرق الأوسط، حيث باتت وسيطاً رئيسياً في الأزمات الإقليمية، من القضية الفلسطينية إلى الملفات الليبية والسودانية والسورية.
ما يميز النهج المصري أنه يعتمد على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والالتزامات الإقليمية، في ظل رؤية تدرك أن «القوة الحقيقية ليست في إشعال الصراعات، بل في القدرة على حلها»، كما قال الرئيس السيسي في قمة المناخ بشرم الشيخ. وهذا ما جعل القاهرة تحظى باحترام القوى الدولية، حيث ترى واشنطن في مصر شريكاً استراتيجياً لا يمكن تجاوزه، بينما تدرك إسرائيل أنها لا تستطيع تحقيق أمنها دون تنسيق وثيق مع القاهرة، فيما تنظر الدول الأوروبية إلى مصر باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الفوضى والتطرف فى المنطقة.
كيف يرى العالم دور مصر؟
على المستوى الدولي، اكتسبت مصر إشادات واسعة لدورها في محاولة تهدئة الأوضاع في غزة. الولايات المتحدة تدرك أن القاهرة هي الوسيط الوحيد القادر على التحدث مع جميع الأطراف، ولذلك كانت زيارات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى مصر متكررة منذ بداية الأزمة، حيث وصف القاهرة بأنها «شريك لا غنى عنه في جهود تحقيق الاستقرار الإقليمي». ورغم تأجيل الرئيس السيسي لزيارته للبيت الأبيض مؤخراً نتيجة رفض مصر لمشروع تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، فإن الإدارة الجديدة في «البيت الأبيض» تعرف جيداً رغم عدم رضاها عن الموقف المصري أنه لا هدوء أو استقرار في الشرق الأوسط بدون شراكة مع مصر وبدون تفاهمات كبيرة مع الدولة المصرية.
أما إسرائيل، فعلى الرغم من وجود اتفاقية سلام مع مصر تحاول إسرائيل الحفاظ عليها، فإنها تجد نفسها أمام معادلة صعبة؛ فهي تدرك أن القاهرة ترفض أي حل لا يضمن حقوق الفلسطينيين، وأنها تقف بوضوح ضد أي تهجير لسكان غزة إلى سيناء. ولهذا، فإن تل أبيب، رغم اختلافاتها مع الموقف المصري، لا تستطيع تجاهل دور القاهرة، نظراً لأهمية التنسيق الأمني والسياسي معها. وأنها تدرك جيداً دور مصر المحوري في ضمان الاستقرار بالشرق الأوسط.
في أوروبا، تنظر العواصم الكبرى إلى مصر كقوة استقرار رئيسية في الشرق الأوسط. وقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ذلك خلال زيارته للقاهرة، مؤكداً أن «دور مصر في حل الأزمة الفلسطينية - الإسرائيلية أساسي وحيوي».
«مصر.. صانعة السلام في زمن الفوضى»
في ظل التصعيد المستمر، تبقى مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي صمام أمان للمنطقة، تحارب من أجل السلام بنفس القوة التي تحمي بها أمنها القومي. وبينما تتشابك المصالح الدولية، تظل القاهرة الصوت العقلاني في معادلة الشرق الأوسط، مؤمنة بأن «التاريخ سيتذكر من وقف إلى جانب الحق، ومن سعى لإطفاء النيران بدلاً من إذكائها»، كما قال الرئيس السيسي في خطابه أمام الأمم المتحدة.
في النهاية، لا يمكن الحديث عن أمن واستقرار المنطقة دون الحديث عن دور مصر.. فالقاهرة ليست مجرد وسيط، بل هي حجر الزاوية في أي حل مستقبلي، والضامن الحقيقي لحقوق الفلسطينيين، والحائط الأخير ضد الفوضى التي تهدد الشرق الأوسط.