رؤية «المهندسين المصريين»: إنشاء بنية تحتية مستقلة للتحرر من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي

رؤية «المهندسين المصريين»: إنشاء بنية تحتية مستقلة للتحرر من سيطرة الاحتلال الإسرائيلي
منذ وقف إطلاق النار فى غزة، نادت مصر بضرورة إعادة إعمار غزة، كخطة بديلة للتهجير، ولم تكتفِ بالتصريحات أو البيانات الصحفية، بل بدأت بتشكيل اللجنة الاستشارية لوضع خطة، بالتعاون مع الجانب الفلسطينى، لعودة الحياة إلى طبيعتها داخل القطاع فى فترة لا تتعدى الـ5 سنوات، وذلك فى مواجهة المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتهجير الفلسطينيين.
دكتور مهندس مصطفى أبوزيد، عضو اللجنة الاستشارية لإعادة إعمار غزة بنقابة المهندسين، تحدّث لـ«الوطن» عن تفاصيل الخطة المصرية التى ستبدأ بإعادة إعمار البنية التحتية، بالتعاون مع نقابة المهندسين الفلسطينية، بما يتيح لقطاع غزة أن يفلت من براثن سيطرة الاحتلال الإسرائيلى، خاصة فى قطاعى الكهرباء والمياه، وبعدهما تأتى إعادة الإعمار السكنى. لكن عضو اللجنة الاستشارية لإعادة إعمار غزة بنقابة المهندسين يلفت النظر إلى وجود تحدٍّ أمام مهندسى التخطيط العمرانى يتمثل فى أنه حتى اللحظة لا يوجد حصر دقيق للأضرار فى القطاع، فالبعض يقدّر عدد المبانى التى تهدّمت بما بين 170 و250 ألف مبنى، فيما يشير البعض الآخر إلى أن الركام يتراوح بين 50 و300 مليون طن.
«أبوزيد»: الاهتمام بقطاعات الكهرباء والمياه والصرف أولوية.. ويجب زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة لاستخدامها فى الرى
وحسب «أبوزيد»، فإن اللجنة الاستشارية التابعة لنقابة المهندسين لديها رؤية شاملة لإعادة إعمار القطاع: تتمثل أولوية خطة «المهندسين المصريين» لإعادة الإعمار، حسبما يضيف «أبوزيد» فى: التركيز على البنية التحتية للقطاع، وفى مقدمتها إدارة ملف الطاقة والكهرباء، خاصة أن غزة تعتمد بنسبة تتراوح من 85 إلى 90% على الكهرباء القادمة من الأراضى المحتلة «إسرائيل»، مما يجعلها «تحت رحمة» الاحتلال الذى يمكنه قطع الكهرباء عنها فى أى وقت، كما أن القطاع بأكمله يعمل من خلال محطة كهرباء وحيدة تعرّضت للتدمير فى بداية العدوان، مما زاد من أزمة الطاقة.
واختيار الكهرباء كأولوية «يأتى من خلال دراسة الأزمات التى مر بها القطاع خلال الـ15 شهراً الماضية، وحقيقة أنه بمجرد انقطاع الكهرباء عن القطاع، باتت المستشفيات والآبار والمرافق الأساسية والحيوية بالقطاع تعتمد على مولدات الديزل، التى تُستخدم فى حالات الطوارئ، لكنها أصبحت مصدر الطاقة الأساسى بسبب الانقطاع المستمر».
وتطرح الخطة، حسبما يضيف «أبوزيد»، عدة حلول تجعل القطاع يخرج من تحت براثن الاحتلال الإسرائيلى، «بداية من إعادة تأهيل محطة الكهرباء، لتوفير مصدر طاقة مستقل، بالإضافة إلى التوسّع فى مشروعات الطاقة المتجدّدة، عبر توفير محطات الطاقة الشمسية التى يمكن إنشاؤها فى مناطق واسعة من القطاع».
أما الأولوية الثانية، حسب عضو اللجنة الاستشارية لإعادة إعمار غزة بنقابة المهندسين، فهى: «إدارة ملف المياه، خاصة أن غزة تعتمد على 90% من مصادر المياه على الآبار، حيث إن الكمية المفترض أن يتم استخراجها من الآبار يجب ألا تتجاوز 55 مليون متر مكعب، بينما يتم سحب أكثر من 200 مليون متر مكعب سنوياً، مما يؤدى إلى تدهور جودة المياه وزيادة نسبة الملوحة، والتحدى الذى يواجه أهالى القطاع هو احتياجهم الدائم إلى تصاريح من الاحتلال الإسرائيلى لحفر الآبار، التى غالباً ما يتم رفضها، مما يزيد من أزمة المياه».
وفى المقابل، حسبما يضيف «أبوزيد»، فإن خطة «المهندسين المصريين» تعتمد على إنشاء محطات تحلية مياه جديدة لضمان توفير مياه شرب نظيفة، وتقليل الاعتماد على المياه الجوفية وتطوير شبكات توزيع أكثر كفاءة، وتحسين شبكات الصرف الصحى ومعالجة المياه المستعملة لاستخدامها فى الرى الزراعى.
خلّفت الحرب الأخيرة على القطاع ملايين الأطنان من الركام، والتخلص من هذه الكميات الضخمة يمثل تحدّياً بيئياً ولوجيستياً، ومن ثم فإن استراتيجية «المهندسين المصريين»، حسبما يضيف «أبوزيد»، ستعتمد على إعادة تدوير الركام لإنتاج الطوب ومواد البناء، مما يُقلل الحاجة إلى استيراد مواد جديدة، واستخدام الركام فى مشروعات تحسين التربة والبنية التحتية، مثل ردم المناطق الضعيفة أو استخدامها كطبقة أساس للطرق، والاعتماد على تقنيات حديثة للكشف عن سلامة المبانى المتضرّرة وإعادة تأهيلها، بدلاً من هدمها بالكامل.
وعن التكلفة المتوقعة لإعادة إعمار غزة، حسبما يقول، فإن إجمالى التكلفة المتوقعة التى تقدّرها الدولة بـ27 مليار دولار، موزّعة على 20 مليار دولار للإسكان (إعادة بناء المنازل والبنية السكنية)، و4 مليارات دولار للبنية التحتية (الكهرباء، والمياه، والاتصالات، والطرق)، و3 مليارات دولار للقطاع الصحى (إعادة بناء المستشفيات والمرافق الصحية)، و4 مليارات تمويل إضافى لمشروعات الخدمات العامة، مثل الحدائق والمرافق الاجتماعية.
تتوقع التقديرات الأولية لخطة «المهندسين المصريين» لإعادة الإعمار «أنها قد تستغرق مدة 5 سنوات، يتم خلالها إعادة تأهيل البنية التحتية، وتنفيذ مشروعات متكاملة تشمل شبكات الكهرباء والمياه قبل بناء المدن الجديدة، أما عن التحديات التى تواجه الخطة، فهى توافر السيولة والتكلفة، حيث يمكن مضاعفة عدد الشركات المنفّذة إذا تم تأمين التمويل اللازم». ولأن مصر كانت من أوائل الدول فى العالم التى أعلنت بشكل قاطع رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، فإن خطة إعادة الإعمار التى تقترحها نقابة المهندسين المصرية، تتضمن بعض الحلول المؤقتة لتوفير مساكن لأهالى القطاع، لحين الانتهاء من عملية البناء، لأن الهدف الأساسى هو تعزيز بقاء الفلسطينيين فى أرضهم، وليس إنشاء مخيمات دائمة، لأن المخيمات ليست حلاً مستداماً، حيث تؤدى غالباً إلى تفاقم المشكلات الأمنية والاجتماعية. وتتمثل الخطوة الأولى لتوفير مساكن مؤقتة للفلسطينيين، حسب أبوزيد، فى: استخدام الكرفانات والمبانى الجاهزة التى يمكن تركيبها بسرعة، أما الطريقة الثانية فهى تقنيات البناء السريع، مثل الطوب المتشابك الذى يُجمّع دون الحاجة إلى أسمنت، وهناك عدد من الشركات المصرية التى عرضت أن تقوم ببناء 200 وحدة سكنية كل 72 ساعة، بعدد يصل إلى 6000 وحدة شهرياً، لتوفير ملجأ لأهالى القطاع.