فلسطينيون يرصدون حجم دمار غزة.. ويضعون خططاً للتعمير

فلسطينيون يرصدون حجم دمار غزة.. ويضعون خططاً للتعمير

فلسطينيون يرصدون حجم دمار غزة.. ويضعون خططاً للتعمير

«250 ألف مبنى سكنى وإدارى مدمر بالكامل، و50 مليون طن من الركام، وشلل كامل فى القطاعات الحيوية» حصيلة عدوان قوات الاحتلال على قطاع غزة، بعد نحو 15 شهراً من القصف المتواصل. ولم يكد يتنفس قطاع غزة الصعداء مع دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فى 19 يناير الماضى، حتى ظهر جلياً المخطط الأمريكى - الإسرائيلى لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهو المخطط الذى قوبل بالرفض الشديد فلسطينياً وعربياً ودولياً، وإطلاق جهود مكثفة لبلورة خطط وتصورات عملية لإعادة الإعمار فى أسرع وقت، انطلاقاً من رصد حجم الدمار الواقع فى غزة.

حصر مبدئى للأضرار

وعن خريطة وحجم الدمار فى قطاع غزة، تحدث الدكتور إسماعيل إبراهيم الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامى الحكومى فى قطاع غزة، لـ«الوطن»، مشيراً إلى أن نسبة الدمار الناجم عن الحرب على غزة حتى الآن بلغت 88% من إجمالى المبانى، حيث شمل ذلك تدمير أكثر من 250 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، ما أدى لتشريد نحو ربع مليون أسرة أصبحت بلا مأوى، أى ما يقارب مليوناً ونصف المليون إنسان يعيشون حالياً فى الشوارع وعلى الأرصفة دون أى استقرار، وقد أسفر هذا الدمار الهائل عن تراكم أكثر من 50 مليون طن من الركام. وقد تكبد قطاع غزة، حسبما يضيف «الثوابتة»: «خسائر فادحة فى 15 قطاعاً حيوياً، تتضمن القطاع التعليمى الذى تعرض لدمار شامل، مع تدمير أكثر من 500 مؤسسة تعليمية، بما فى ذلك جامعات، ومدارس، ورياض أطفال، كما طال الدمار القطاع الصحى أيضاً، حيث دُمرت أو أُخرجت 34 مستشفى عن الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلى».

المناطق المتضررة

وتُعد محافظات شمال قطاع غزة الأكثر تضرراً، وفقاً للتقديرات الحكومية فى غزة، حيث تعرضت مناطق مثل بلدة بيت حانون، وبلدة بيت لاهيا، ومخيم جباليا، ومنطقة جباليا النزلة لدمار شبه كامل، ما أدى إلى تحويل أحياء سكنية بأكملها إلى أنقاض وركام. وشهدت محافظة رفح جنوب القطاع دماراً واسعاً، كما تعرضت مناطق جنوبية أخرى، مثل خان يونس وأجزاء من المحافظة الوسطى، لأضرار كبيرة لكنها أقل نسبياً مقارنةً بالمناطق الشمالية.

تحديات أمام إعمار غزة

وتواجه عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وفقاً لـ«الثوابتة»، سلسلة من التحديات الكبرى: ولعل أول هذه التحديات «إزالة الركام» الذى يحتاج أكثر من خمس سنوات لإزالته بالكامل، بتكلفة تتجاوز 1.5 مليار دولار، وفقاً لتوقعات المكتب الإعلامى بغزة. ويتمثل التحدى الثانى فى «الحصار والقيود» حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلى فرض حصاره، بداية من إعاقة دخول مواد البناء والمساعدات الإنسانية، حيث لم يلتزم ببنود اتفاقية وقف إطلاق النار، التى تنص على إدخال الآليات الثقيلة، والمستشفيات الميدانية، والمأوى المؤقت للفلسطينيين، ما يعكس مماطلته وعرقلته لجهود إعادة الإعمار. وفى هذا السياق، تبقى جهود إزالة الركام محدودة جداً، مع فتح بعض الشوارع بشكل جزئى لتمكين المواطنين من التنقل بصعوبة وبطء. ويبرز التحدى الثالث فى «التمويل»، حيث يُقدر المكتب الإعلامى بقطاع غزة تكلفة إعادة الإعمار بنحو 100 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يستدعى دعماً دولياً كبيراً. وإلى جانب ما سبق تبرز التحديات السياسية كعائق آخر، حيث يؤدى غياب التوافق السياسى الداخلى والانقسام الفلسطينى إلى تعقيد إدارة وتنفيذ عملية الإعمار، وهو ما يدفع «الثوابتة» للتأكيد أن «الحكومة الفلسطينية فى القطاع تمد أيديها للجميع، لتوحيد الجهود ووضع الخلافات جانباً لمواجهة هذه التحديات والعمل المشترك لإعادة الإعمار بشكل كامل، من خلال توافق وطنى شامل».

إعمار بدون تهجير

ورغم تلك التحديات، يؤكد «الثوابتة» أن خطة إعادة إعمار غزة لا تتطلب تهجير أبناء الشعب الفلسطينى، بل تستدعى تركيز الجهود على إعادة بناء القطاعات الحيوية والمنازل المدمرة التى استهدفها الاحتلال الإسرائيلى، لضمان عودة المواطنين إلى مناطقهم وأحيائهم السكنية.

ويرى «الثوابتة» أن أهالى القطاع يواجهون تحديات كبيرة فى تأمين المأوى خلال الفترة المقبلة، حيث تتطلب الأوضاع توفير أكثر من 200 ألف خيمة و60 ألف كرفان وبيوت متنقلة كحلول مؤقتة لحين استكمال عملية إعادة الإعمار، خاصة بعد الدمار الكبير الذى طال القطاع السكنى.

أولويات لإعادة الإعمار

ووفق الرؤية الحكومية فى غزة فإن «أولويات خطة إعادة الإعمار ستكون فى القطاع السكنى، من خلال بناء المنازل والأحياء السكنية لتوفير مأوى آمن ومستقر للأسر المشردة».

ويلى ذلك «إعادة تأهيل البنية التحتية التى تشمل شبكات المياه، والشوارع، والأرصفة، والطرق، وشبكات الكهرباء لضمان استعادة الحياة اليومية والخدمات الأساسية. كما تشمل الأولويات أيضاً إعادة بناء المرافق الصحية، بما فى ذلك المستشفيات والمراكز الصحية، لضمان توفير رعاية طبية مناسبة للمواطنين.

إضافة إلى ذلك يمثل القطاع التعليمى أولوية قصوى، حيث يجب إعادة بناء المدارس والجامعات لضمان استمرار العملية التعليمية، خصوصاً أن حوالى 800 ألف طالب حُرموا من التعليم فى المراحل الأساسية، الثانوية، والجامعية بسبب العدوان الإسرائيلى.

خطط شاملة مع الوزارات

وقد عقدت الوزارات الحكومية، وفقاً لـ«الثوابتة»، عدة اجتماعات لمناقشة وضع خطط شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، وتم بالفعل إعداد خطط مبدئية يمكن البناء عليها، وتتضمن تقديم تصاميم مستدامة لإقامة الأحياء السكنية، وتطوير الشوارع والبنية التحتية بمختلف مكوناتها، إلى جانب العمل على إصلاح جميع القطاعات المتضررة.

المدة المتوقعة للإعمار

ووفق تقديرات المكتب الحكومى فإنه نظراً للتحديات التى يواجهها القطاع، فقد تستمر عملية إعادة بناء المساكن التى دمرها الاحتلال حتى عام 2040، حسبما أكد «الثوابتة»، معتبراً أنها «مدة طويلة تعكس حجم التحديات الجسيمة التى يواجهها القطاع، سواء على الصعيد السياسى، أو بسبب التأثيرات المرتبطة بالقرار الأمريكى والأوروبى، إلى جانب موقف الاحتلال، إضافة للتحديات المتعلقة بالموازنات الداخلية للشعب الفلسطينى والمخططات التى تستهدف اقتلاعه».

ورغم كل هذه الصعوبات، يؤكد أن «صمود أهالى غزة يبقى العامل الأهم، ونأمل فى النهاية أن نتمكن من إعادة إعمار القطاع بالشكل الذى يليق بتضحياته»، مشيراً إلى أملهم أن «تبدأ عجلة إعادة الإعمار فى أسرع وقت، لأن استمرار هذه الكارثة الإنسانية ستكون له تداعيات خطيرة على جميع المستويات».

الشركاء فى إعمار غزة

ويرى «الثوابتة» أن الشركاء الأساسيين والرئيسيين فى جهود إعادة إعمار قطاع غزة يشملون عدة جهات دولية وإقليمية، هم: الدول العربية، وعلى رأسها مصر، التى تلعب دوراً محورياً فى الوساطة وتقديم الدعم اللوجيستى، حيث تمر معظم المواد المتعلقة بإعادة الإعمار عبر مصر إلى قطاع غزة. ولذلك يبقى دورها أساسياً فى تسهيل إدخال هذه المواد وضمان وصولها إلى مستحقيها.

وإلى جانب ذلك تأتى «الأمم المتحدة»، من خلال وكالاتها المختلفة، والتى تؤدى دوراً رئيسياً فى تقديم الدعم الإنسانى والفنى، إضافة للإشراف على مشاريع إعادة الإعمار فى مختلف القطاعات الحيوية. ولكونها تعمل بقرارات دولية مدعومة سياسياً، فإن العديد من الدول والجهات تصطف خلفها لدعم جهود إعادة الإعمار.

وهناك أيضاً دول الخليج، مثل قطر والإمارات والسعودية والكويت، التى لها مساهمات كبيرة فى تقديم المساعدات المالية أو تبنى مشاريع إعادة الإعمار بشكل جزئى أو كامل، ما يساعد فى إعادة الحياة إلى قطاع غزة.

والاتحاد الأوروبى يقع على عاتقه أيضاً مسئولية تقديم الدعم المالى والتقنى، إلى جانب العديد من الدول الأخرى التى قد تساهم فى إعادة الإعمار.

خطة السلطة لإعادة الإعمار

وزير الأشغال بالسلطة الفلسطينية: خطتنا لإزالة آثار العدوان الإسرائيلى تتكون من 3 مراحل وتتكلف 60 مليار دولار وسنعرضها فى «قمة القاهرة»

فى المقابل كشف وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطينى، المهندس عاهد بسيسو، عن وجود خطة فلسطينية رسمية لإعادة إعمار غزة سيتم عرضها فى القمة العربية المقررة فى الرابع من مارس، مشيراً إلى أن هذه الخطة تتكون من 3 مراحل، بتكلفة 60 مليار دولار.

وتتضمن المرحلة الأولى من هذه الخطة، وفقاً لبسيسو: «الإغاثة والتعافى»، وتستمر لمدة 6 أشهر وتكلفتها 3.5 مليار دولار، يتم خلالها توفير الإيواء المؤقت، والغذاء، والرعاية الصحية للمواطنين، وإعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، وحصر الأضرار بشكل دقيق بالتعاون مع المؤسسات الدولية.

«بسيسو»: إسرائيل دمرت 90% من المرافق الحيوية و330 ألف وحدة سكنية.. وعطلت 3130 كيلومتراً من شبكات الكهرباء و330 ألف متر من شبكات المياه

أما المرحلة الثانية من إعادة إعمار غزة، وفقاً لهذه الخطة، فيُطلق عليها الإنعاش المبكر وتستمر لمدة 3 سنوات، بتكلفة 7.8 مليار دولار، ويتم خلالها إصلاح المساكن المتضررة وتوسيع قطاع الخدمات، وإزالة الركام وإعادة تدويره، وفتح الطرق المغلقة، وإنشاء تجمعات سكنية متكاملة تضم مدارس وعيادات ومرافق حكومية، وتحفيز القطاعين الزراعى والصناعى لدعم الاقتصاد المحلى.

أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فستتم خلالها إعادة بناء المساكن والبنية التحتية، بما فى ذلك المستشفيات والمدارس والمبانى العامة، وتطوير شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، وتنفيذ مشاريع تنموية بدعم الجهات الدولية والعربية، وتكلفتها 20 مليار دولار. وبحسب تقديرات وزارة الأشغال الفلسطينية فإن عدوان الاحتلال تسبب فى دمار شامل للبنية التحتية، حيث تم تدمير 90% من المرافق الحيوية، بما فى ذلك 170 ألف مبنى يضم 330 ألف وحدة سكنية، وخلف ما يقارب 50 مليون طن من الركام. وأدى القصف إلى تعطل 3130 كيلومتراً من شبكات الكهرباء، و330 ألف متر من شبكات المياه، و655 ألف متر من شبكات الصرف الصحى، إلى جانب تضرر 34 مستشفى، و230 مركزاً صحياً، و485 مدرسة، و7 جامعات، و210 مبانٍ حكومية.

ووصلت الخسائر التى عانت منها غزة أيضاً إلى القطاعين الصناعى والزراعى، اللذين تكبدا خسائر تجاوزت 75%، فضلاً عن تدمير محطات تحلية المياه وآبار الشرب وتعطل شبكات الاتصالات والإنترنت، مما أثر سلباً على عمليات الإغاثة والإسعاف، وأدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة تعطل مرافق الصرف الصحى.

خطة المجلس الفلسطينى لإعادة الإعمار

وتتنوع الاجتهادات والرؤى المتعلقة بإعادة إعمار غزة وإن كانت تتقاطع فى بعض ملامحها ومراحلها، كما هو الحال مع رؤية «المجلس الفلسطينى لإعادة الإعمار»، وهو جهة أهلية فلسطينية، بلورت خطة أخرى من أربعة محاور يفترض أن تتم بالتوازى مع بعضها البعض، أشار إليها الدكتور زهير كحيل، رئيس المجلس الفلسطينى، ورئيس جامعة فلسطين الأسبق، خلال حديثه قبل أيام فى مؤتمر بنقابة المهندسين المصريين عن إعادة إعمار غزة.

ويتمثل المحور الأول، حسبما يوضح «زهير» فى: الإغاثة العاجلة، ويستغرق تنفيذه 6 أشهر، وخلاله سيتم العمل على توفير المأوى المؤقت، والخدمات الصحية، والغذاء للنازحين.

وسيتم تنفيذ ذلك المحور من خلال إدخال 60 ألف مسكن متنقل على الأقل، فى ظل طموحات أن يصل العدد إلى 120 ألفاً، وسيتم وضع هذه المساكن فى منطقة «المحررات»، وهى أراضٍ غير مأهولة منذ انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005، وتبلغ مساحتها 50 كم2، حيث سيتم إيواء السكان مؤقتاً لحين إعادة بناء منازلهم. ويتضمن المحور الأول أيضاً إزالة الركام الذى يقدر بـ60 مليون طن، وهى عملية مُعقدة تتطلب معدات ثقيلة.

وبعد 6 أشهر، يبدأ المحور الثانى، وفق «زهير»، الذى سيتم فيه عملية إعادة التأهيل المؤقت، وتتراوح مدتها ما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات، سيتم خلالها ترميم المنازل التى يمكن إصلاحها والتى تقدر بحوالى 20% من المبانى، وتوفير مساكن مؤقتة بالقرب من المناطق الأصلية للمتضررين، لحين إعادة بناء المنازل أو تشييد مجمعات سكنية جديدة.

أما عن المحور الثالث من خطة الإعمار التى وضعها المجلس الفلسطينى، فستكون موجهة لـ«البناء السريع» فى مدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات، ويتم خلالها إنشاء وحدات سكنية سابقة التجهيز مكونة من 4 إلى 5 طوابق، من خلال مصانع فى رفح المصرية، والاعتماد على بناء مبانٍ حديدية بتقنيات سريعة تعتمد على الخبرة الفلسطينية والمصرية.

أما المحور الأخير والذى تمتد مدة تنفيذه إلى 5 سنوات، فيركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال إعادة تشغيل المصانع، وتنفيذ مشاريع تنموية لضمان الاستقرار الاقتصادى، لضمان حياة كريمة للسكان.

وتبقى أزمة إدارة عملية إزالة الركام وإعادة التدوير، حيث أكد «زهير» أن إزالة الركام ليست مجرد عملية تنظيف، حيث سيتم استغلاله بطرق مدروسة، ونقله إلى ثلاثة مواقع رئيسية، هى: رفح، وجباليا، ووسط القطاع، لتتم إعادة تدويره لاستخراج مواد البناء الأساسية مثل الحصى، والرمل، والحديد، واستغلال بعض الركام لزيادة مساحة الأراضى الساحلية عبر ردم أجزاء من البحر تقدر مساحتها بـ35 كم مربعاً.

وأكد «زهير» أن مصر هى الشريك الأساسى فى خطة إعادة إعمار غزة، مشيداً بدورها التاريخى فى دعم القضية الفلسطينية، لكنه شدد فى الوقت نفسه على ضرورة دعم الجهات العربية والدولية الأخرى لهذه الخطة، لضمان تنفيذها بشكل متكامل ومستدام.


مواضيع متعلقة