رسالة إلى المهندس شريف إسماعيل.. العبرة بالنتائج

09/14/2015

على السلمى

كاتب صحفي

مع التقدير لإخلاص المهندس محلب ووطنيته وحماسه فى محاولة التصدى للتخلف والفساد والتردى فى أوضاع الوطن، الذى تراكم طوال عهد مبارك وعبر الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة 25 يناير والسنة الكئيبة التى شهدت حكم الجماعة الإرهابية، فإن مجمل أداء حكومة محلب لم يرق إلى المستوى المرضى للمصريين، ولم يكن فى استطاعة الرئيس المزيد من الصبر حتى يتخذ قراره بطلب استقالة الحكومة، بصفته المسئول فى المقام الأول عن اختيارها وعن أدائها!

إن العبرة فى عمل الحكومات تكون بالنتائج الملموسة على أرض الواقع ومقارنتها بأهداف محددة معلنة ومتوافق عليها مجتمعياً، تحقق للناس منافع ومستويات أفضل لجودة الحياة، إن النوايا الطيبة والشعارات والتصريحات الإعلامية والحوارات الصحفية لا تصنع واقعاً يحقق للمواطنين ما يأملون فيه من عدالة اجتماعية وخدمات متطورة وإمكانيات للحياة الكريمة، ولا يتحقق ذلك سوى بالتعامل الحاسم والثورى مع قضايا الفساد والإرهاب ومشكلات العشوائيات، وتضخم وترهل الجهاز الإدارى للدولة، وتغوّل المركزية على وحدات الإدارة المحلية، وقضايا البطالة وتبديد موارد الوطن فى قطاع الأعمال العام، الذى لم يلق أى عناية من الحكومة السابقة طوال مدة بقائها فى الحكم وحتى إقالتها يوم السبت الماضى 12 سبتمبر 2015.

والكلام الآن يوجه إلى المهندس شريف إسماعيل، المكلف بتشكيل حكومة جديدة، لقد كنت عضواً فى حكومة المهندس محلب وشريكاً فى تحمل مسئوليات إخفاقها، وكنت شاهداً على أمور أدى غيابها فى عمل تلك الحكومة إلى نتائج خطيرة أثرت سلباً على الأداء الحكومى، فقد فشلت تلك الحكومة فى وضع برنامج واضح أو خطة معلنة تحدد مجالات العمل التى تحظى بالأولوية فى اهتمامها، وذلك منذ تشكيلها الأول فى شهر مارس 2014 أو عند إعادة تشكيلها فى يونيو الماضى، وبالتالى كان أداؤها من غير رؤية أو أهداف محددة يمكن متابعة مدى تحققها وتقييم آثارها. إن ما كان يعاب على توجهات الحكومة السابقة هو النظرة الجزئية وغياب الاستراتيجية العامة والرؤية الكلية لدور الدولة ومؤسساتها، وبنفس المنطق فقد اكتفت الحكومة السابقة بإطلاق استراتيجية لمكافحة الفساد، ولم تكن هناك أى جهود ملموسة على الأرض تبين ماذا فعلت الحكومة فى تعقب أسباب ومصادر تفشى الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة ووحدات الإدارة المحلية، ويكفى أن الرئيس السيسى قد خص موضوع الفساد باهتمامه فى حديث بما يعنى عدم رضاه عما يتحقق فى مجال مكافحته.

وبالمثل فقد اكتفت الحكومة السابقة بالاعتماد الكلى فى محاربة الإرهاب على القوات المسلحة والشرطة، من دون أن تقدم دعماً سياسياً أو ثقافياً أو حتى إعلامياً لجهود مكافحة الفكر الإرهابى وجماعاته، وظلت الأحزاب الدينية متمتعة بالصمت الحكومى عنها، حتى اقتربت من اختراق مجلس النواب المقبل!

السيد رئيس مجلس الوزراء المكلف، يا ليتك تبدأ بتوضيح رؤيتك السياسية والاقتصادية، ومفهومك عن العدالة الاجتماعية، وخطتك لمكافحة الفساد وإعادة تأسيس الجهاز الإدارى للدولة.

ومن المفيد والمحتم أن تعلن للشعب ملامح برنامج حكومتك الجديدة، ومعايير اختيارك للوزراء، سواء المستمرين منهم من الحكومة السابقة أو الجدد، ويا ليتك تؤسس آلية منتظمة لإطلاع المواطنين على حقائق الموقف العام من النواحى الاقتصادية والسياسية والأمنية، ومؤشرات تحقيق خطة الحكومة!

إن تجربة حكومة المهندس محلب التى شاركت فى عضويتها لا بد أن تكون ماثلة أمامك حتى تتجنب ما كان بها من سلبيات وتستمر على ما كان بها من إيجابيات، وهنا يجب التأكيد على حقيقة أن الحكومة الجديدة هى مؤقتة لحين تشكيل مجلس النواب، وعلى هذا لا يستحب إجراء ما كان يتم عادة فى كل مرة يكلف فيها رئيس مجلس للوزراء بتشكيل حكومة جديدة من إنشاء وزارات لم تكن موجودة، أو أن تلغى وزارات قائمة، كما كان من المعتاد ضم وزارات لبعضها أو فصل وزارات كانت منضمة فى وزارة واحدة، وقد تتم تجزئة الوزارة الواحدة لتخليق أكثر من وزارة.

وثمة أمر ثان، وهو تجنب الإسراف فى استصدار قرارات بقوانين من رئيس الجمهورية، فقد أسرفت الحكومة السابقة فى استصدار القوانين دون حاجة عاجلة، واستمرأت تفعيلها دون إجراء حوارات مجتمعية جادة مثل قانونى الكيانات الإرهابية ومكافحة الإرهاب، اللذين لم يتم تفعيلهما، وقانون الخدمة المدنية، وكانت الحكومة السابقة على وشك الانتهاء من قوانين تنظيم الإعلام والهيئات الوطنية للصحافة والإعلام، وكانت النتائج فى أغلب الأحيان غير مرضية، من الواجب علينا التأكيد أنه ليس بالقوانين فقط ولا بتغيير مسمياتها تنصلح الأمور، وإلا لكان مناخ الاستثمار قد تطور وتدفقت الاستثمارات على مصر بإصدار تعديلات قانون الاستثمار، ولكان نظاما التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات قد تطورت بإصدار قوانين جديدة وكفى!

إن الملفات العاجلة أمام الحكومة المقبلة كثيرة وصعبة، الأمر الذى يقتضى منها التركيز وعدم التفرع إلى قضايا وملفات تتطلب مدى بعيداً، فتلك أمور يجب تركها للحكومة التى ستأتى بعد تشكيل مجلس النواب!

إن حكومة المهندس شريف إسماعيل مطالبة بالتركيز على محاربة الفساد فى قضايا التصرفات غير القانونية فى أراضى الدولة، وضرورة تكليف جهة واحدة بتملك تلك الأراضى وتكون قواعد التصرف فى تلك الأراضى معلنة وشفافة.

ثم قضية تشغيل الطاقات الوطنية المتاحة إلى الحد الأقصى باللجوء إلى الخبرات الوطنية فى جميع المجالات، وتشغيل الطاقات الإنتاجية المعطلة نتيجة ظروف عدم الاستقرار منذ 25 يناير، ومن القضايا التى طال انتظار حسمها ولم تلتفت إليها الحكومة السابقة، إعادة هيكلة قطاع الأعمال العام وتوفير قدر مناسب من التمويل اللازم لتشغيل الطاقات الإنتاجية به، وتجديد وتطوير تقنيات ومعدات الإنتاج بشركاته.

وعلى الرغم من اهتمام الرئيس السيسى بالمشاريع الكبرى، فإنه يكفى الحكومة المقبلة استكمال ما بدأ من تلك المشاريع، وتجهيز دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية لأى مشاريع جديدة وتسليمها للحكومة الدائمة بعد الانتخابات.

وأخيراً شكراً للمهندس محلب، ودعاء بالتوفيق للمهندس إسماعيل.