الفضاء الإلكترونى واستراتيجية الجيش الإسرائيلى

09/13/2015

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

ستظل إسرائيل هى العدو الأول لنا رغم نجاحها على مدار السنوات الماضية فى خلق أعداء آخرين لنا بمنطق «منا فينا». ستظل إسرائيل هى منبع المؤامرات والمكر السيئ الذى لا يحيق إلا بأهله مهما حاولت أن تُبعد عن نفسها شبهة العداء. ولذا كان اهتمامى بتقرير نشره موقع واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حول «استراتيجية قوات الدفاع الإسرائيلية» المعلنة من جيش الدفاع الإسرائيلى يوم 13 أغسطس الماضى وتضمنت مفاهيم الخطة الخمسية الجديدة للجيش الإسرائيلى والمعروفة، كما يقول التقرير، باسم «جدعون». وذكر التقرير أن أهمية تلك الاستراتيجية لا تقتصر على كونها تحدد عناصر عقيدة الأمن القومى الإسرائيلى وحسب، ولكن لإذاعتها وإعلانها على الملأ. وهو ما أفسره برغبة إسرائيل فى إعلان رؤيتها الدفاعية الحديثة فى ظل الموقف الراهن بالمنطقة التى باتت تسيطر عليها ميليشيات عسكرية مسلحة -صناعة صهيونية بالطبع- تسعى إسرائيل لإبراز موقفها منها.

تقر الاستراتيجية الإسرائيلية بوجود جهات فاعلة وصفتها بأنها «على مستوى أصغر من الدول» وأنها مسلحة بشكل جيد وتتسم بالتطرف والعنف، وأنها حلت محل جيوش الدول المجاورة. وهو ما يشكل تهديداً عسكرياً رئيسياً لإسرائيل، كما هو الحال على سبيل المثال فى حزب الله فى لبنان، وحماس فى غزة، وعناصر جهادية أخرى على حدود إسرائيل مع دول تحيط بها. ويقول التقرير إن هذه الجهات الفاعلة قادت إسرائيل فى السنوات العشر الماضية لأكثر من حرب فى لبنان وغزة، واستهدفت فيه المراكز السكانية والمنشآت الاستراتيجية الحيوية الإسرائيلية. إسرائيل تعلن هنا عن حربها المستقبلية مع تلك الميليشيات المسلحة التى وصفتها بجهات فاعلة.

ما قرأته بين سطور تلك الاستراتيجية هو خشية إسرائيل على وجودها، حيث ذكرت مخاوفها من تأثير تلك الميليشيات على صمود المجتمع الإسرائيلى من الداخل أمام استنزاف عسكرى لقدراتها من قبَل تلك الميليشيات ذات الصناعة الصهيونية والتى كان الهدف منها تشتيت المنطقة أمام المزيد من الأعداء بعيداً عن إسرائيل. وما قرأته بين السطور بعيداً عن حزب الله وحماس، تلك العبارة التى تتحدث فيها رؤية جيش الدفاع عن «عناصر جهادية أخرى على حدود إسرائيل مع دول تحيط بها». فمنها، بل فى مقدمتها بالطبع، مصر التى تقود حرباً شرسة منذ عامين فى سيناء للقضاء على ميليشيات التكفير بها، وقد تصاعدت حدة تلك المواجهة منذ نحو أسبوع مع بدء عملية «حق الشهيد» التى اعتمدت فكر الردع والحسم عبر مواجهة بدأتها القوات المسلحة المصرية دون انتظار الفعل من جانب تلك الميليشيات الواردة لنا عبر الأنفاق تارة وعبر التهريب تارة أخرى.

ما يلفت نظرك عند قراءة تلك الاستراتيجية الدفاعية للجيش الإسرائيلى هو عدم ورود اسم إيران، لا من قريب ولا من بعيد، كعدو لا تمل إسرائيل من ابتزاز الغرب بسببه، ولا تكف عن استخدامه كفزاعة لشعبها بما يمتلك من سلاح نووى تدّعى تهديده لها هى والغرب، وهو ما يؤكد إيمانى بأن إيران وما تمتلكه من أفكار واتجاهات وسيلة فى يد الغرب لتحقيق مصالحه فى منطقة الشرق الأوسط تحركها أمريكا بالترهيب والاتفاق على حد سواء.

وينهى التقرير الأمريكى الهام شرحه لتلك الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بالقول إن إسرائيل ستعتمد على مبدأ الردع التراكمى للجهات الفاعلة على فترات طويلة، باتباع سياسة الإنذار المبكر والحسم العسكرى، مع التركيز على حماية بنيتها التحتية. ويستخلص تركيزها على «الفضاء الإلكترونى» كأحد أذرع تلك العسكرية. وهو ما جاء نصه: «يُعتبر الفضاء الإلكترونى جبهة أخرى يجرى حالياً إعداد (ذراع إلكترونية) للاهتمام بها، كما تسلط الضوء على الحاجة إلى الاستعداد لحرب التصورات ومعالجة الأبعاد القانونية والإنسانية والمعلوماتية بدقة».

أعلم وعى الجيش المصرى بتلك الأمور، وأدرك عمق عقيدته فيما يتعلق بتعريف العدو، وأؤمن بأن ما نقوم به فى سيناء له أبعاد أكبر من المعلن عنها. ولكن نحن بحاجة حقيقية لحماية الوعى والتفكير المصرى فى ظل حرب شرسة لا تحركها الآلية العسكرية ولكن الشائعات والفضاء الإلكترونى. فهل نحن مستعدون؟