معالى محافظ القاهرة.. مدينة نصر مفتاح التنوير

كمال زاخر

كمال زاخر

كاتب صحفي

على الرغم من وقوع عبء مواجهة الإرهاب وملاحقته، فى هذه اللحظة، على الأمن، يدعمه وعى الشارع وتكاتفه، فإن اجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابعه يحتاجان إلى تحركات مجتمعية ومؤسسية وحكومية جادة تستوعب أن الإرهاب يبدأ فكراً، وسيظل يتوالد ويتكاثر كخلايا سرطانية مدمرة ما بقيت أساساته الفكرية بمأمن من المواجهة والمكاشفة والدحض، بعيداً عن الجدل التقليدى والمناظرات التى تتحول إلى ملاسنات تعجز عن اختراق الجدار الذى أقيم بليل أنظمة فاشية رخوة وربما متآمرة تحالفت مع عناصره فى غير إدراك لمغبة هذا، وقد دفعت الثمن غالياً طال حتى وجودها واستقر بها المقام خلف الأسوار. وخبرات كل الدول، من الغرب الأوروبى إلى الشرق الآسيوى عبر التاريخ الوسيط والحديث، تقول إن مدخلها فى مواجهاتها لعصورها المظلمة كان عبر «التنوير»، فكان أن التفتت إلى منظومات التعليم والثقافة بتجلياتها وفروعها، فلم تخرج فقط من أنفاقها الممتدة بل قفزت إلى صفوف الدول المتقدمة، ونحن نملك أن نؤسس لكتيبة النمور الأفريقية بعد أن ننتهى من صداع الإرهاب المؤسس على التطرف الذى يغازل ويتصيد العقول التى تم أسرها فى دوائر ضيقة لم تصلها إضاءات التنوير.

وتظل المعرفة هى أساس منظومة التنوير، فالإنسان عدو ما يجهل، ويظل الكتاب بأشكاله المختلفة، ورقية وإلكترونية، هو القاعدة التى تصل بالمعرفة إلى أجيالنا المتعاقبة، فى المدينة والقرية، وفى الأحياء العشوائية والمتوسطة والمتميزة.. وهنا يأتى طرحنا، الذى ننطلق به من مدينة نصر، ذلك الحى القاهرى مترامى الأطراف ومتعدد المستويات، وقد ابتعد قليلاً عن الأحياء العشوائية ولم يتماهَ مع المدن النخبوية الجديدة المغلقة؛ إذ يتميز بتخطيط عمرانى يقسمه إلى مربعات سكنية وإدارية يتوافر فيها قطع مخصصة للحدائق وأخرى للمدارس، موزعة بشكل منتظم، يمكن بشىء من الترتيب والاتفاق تقوم به محافظة القاهرة مع وزارات التربية والتعليم والثقافة والإسكان، إقامة منافذ صغيرة، كمكتبات عامة ومكتبات بيع إصدارات الهيئة المصرية للكتاب، وقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومى للترجمة، توفر فيها إصداراتها، وبخاصة كتب مكتبة الأسرة.

على أن تسند إقامة هذه المنافذ الثقافية إلى جهة مسئولة تطرح المشروع على شباب المصممين وتختار من بين مشاريعهم ما يعبر عن الفكرة ويتسق مع الوجدان المصرى، بشكل جاذب وعملى، ويتم تمويل الإنشاء من إسهامات الشركات الكبرى ورجال الأعمال، ويوضع اسم الممول وأنشطته على جدار المكتبة الخارجى بشكل راق وبمعايير فنية، فيكون بمثابة إعلان فى مقابل التمويل، يتأكد معها الدور الاجتماعى للرأسمالية الوطنية.

وفى الحدائق يمكن إلحاق قاعة صغيرة بكل مكتبة تشهد فعاليات ثقافية مكملة «ندوات، مناقشة كتاب وعرضه، معارض فنية، وعروض مسرحية تحفز شباب الحى على الإبداع واكتشاف مواهبهم، تستضيف فرق الشباب وتنشر التذوق الفنى الذى يرقى بالذوق العام وينعكس إيجاباً على الحياة اليومية ويقاوم القبح والكراهية ويعيد للاندماج المجتمعى الحياة».

أما المدارس فتكون هذه المكتبات والمنافذ فى المنطقة الملاصقة لسور المدرسة من الداخل للطلبة فى أوقات الدراسة، وتفتح باباً إضافياً على الشارع يفتح للجمهور فى غير أوقات اليوم الدراسى.

وبعد نجاح التجربة ننتقل بها إلى إحياء أخرى حتى تعمم على كل أحياء المحافظة، وقد تقودنا إلى حملة قومية للتنوير فى بقية المحافظات، نحاصر بها الفكر المتطرف، ونخرج من نفق التعتيم والتجريف الذى طال، وعندما تستنير العقول نفتح الطريق إلى التنمية وإعادة الاعتبار لقيم العمل والإنتاج، وننتقل من دوائر الانتماءات الضيقة إلى رحاب الانتماء للوطن، فينحسر التطرف ويسقط الإرهاب وتحيا مصر.

الكرة فى ملعب الدكتور جلال مصطفى السعيد محافظ القاهرة الجَسور والمستنير.