«صفر» مريم.. و«فيهم خواجات؟»..!

على الرغم من قسوة التجربة التى مرت بها «مريم»، تلك الفتاة التى شكّل «إحساسها بالظلم»، واقعاً مجسداً أمام عينيها يلف عنقها بكل قسوة ليخنق أحلامها بمستقبل واعد، فإن قضية «الصفر» التى جثمت على صدرها وأهلها لم أتوقف عندها كثيراً..!!

ما لفت نظرى فى هذه القضية هو ذلك «الصفر» الذى حصل عليه بعض من رأى فى هذه القضية فرصة لإعادة فرز وتقسيم المجتمع على أساس طائفى بغيض، وأقصد هنا تحديداً «المتحدث الرسمى باسم مصلحة الطب الشرعى»!!

الدكتور هشام عبدالحميد، وهو اسم من يشغل ذلك المنصب المشار إليه، خرج على الملايين من مشاهدى التليفزيون فى أحد برامجه المسائية، بمداخلة هاتفية، ليؤكد نصاً وبراحة ضمير غير مسبوقة، ولا أقول بدم بارد، «أن قضية مريم قد أخذت أبعاداً أكثر من حجمها لأنها مسيحية»!!

ما قاله المتحدث لا يمكن اعتباره «زلة لسان»، لكنه يكشف عن عقلية طائفية سيطرت على المجتمع منذ السبعينات، وكانت أنهتها -مؤقتا- «18 يوماً» أمضاها الملايين فى ميدان التحرير فى يناير 2011، وقت أن كان كل من فى الميدان لا يهتم بمن يجاوره، سواء فتاة منتقبة أو سافرة.. «كاترين» أو «فاطمة».. من يمسك فى يده «مسبحة» أو من نقش على باطن ساعده «صليباً» أخضر اللون، إلا أنها عادت لتطل علينا بوجهها القبيح مرة أخرى.

مداخلة المتحدث ذكّرتنى بالعقلية «الانتقائية العنصرية» التى كانت تسيطر على «شرطة النجدة» -ولا أعلم إذا كانت هذه الشرطة قد تخلصت منها أم لا تزال محتفظة بها- إذ كان كل من يجرى اتصالاً بها للإبلاغ عن حريق أو حادث تصادم أو غرق أو غيره من الحالات التى تستدعى سرعة النجدة يُصدم بسؤال يطرحه المسئول عن «تلقى البلاغ» بلهفة واضحة «هُمّا فيهم خواجات؟!».. فى رسالة إلى المتصل بأنه إذا كانت الإجابة بنعم، فإن النجدة ستسارع إليهم، أما إذا كان المصابون مصريين «فيتحرقوا بجاز»!!

والسؤال للدكتور هشام: ماذا لو كانت «مريم» مسلمة؟!.. هل كانت القضية سيتم وأدها دون أن يعلم بها أحد؟!.. القضية هنا ليست «مسيحية أو مسلمة»، بل تتعلق بظلم وقع على مواطن بصرف النظر عن «ديانته»..!

لا أعلم إلى متى سنظل على ما أصبحنا عليه.. تتحكم فينا عقلية «الطائفية».. أصبحنا نسعى إلى معرفة الاسم الثانى لمن نلقاه لأول مرة، لنتأكد مما إذا كان مسلماً أم مسيحياً.. نفتش فى صدور من يقابلنا إذا ما كان يلف حول عنقه صليباً أو تلتف دبلة ذهبية حول «بنصره».. نُصر على أن تطول «لحانا» إلى منتصف صدورنا لنعلن إسلامنا.. أو أن ينطق أحدنا بنوع من التحدى أو التنمُّر اسم ابنه أو ابنته «مايكل».. أو «إيفون»، ليظهر لمن أمامه أنه مسيحى الديانة.. ولكى ننفى ذلك، نلجأ دوماً إلى «اسكتش حمص وحلاوة» أمام كاميرات التليفزيون عندما يقف الشيخ ليحتضن القسيس الذى يجاوره فى أى مناسبة عامة، عندما يشعر أحدهما بالإضاءة التليفزيونية..!! لنغمض أعيننا بعد ذلك عن تلك النيران التى تهددنا بـ«حريق» الفتنة الطائفية.. ونوهم أنفسنا بأننا قد أدينا كل ما علينا..!!