ومن يحمى القضاء من «أمل»؟

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

«فى جلسة 29 أغسطس المقبلة سيظهر ما إذا كانت هيئة القضاة الجديدة مستقلة ونزيهة أم لا»، هكذا استبقت المحامية «الدولية» السيدة أمل كلونى حكم قضية «خلية الماريوت» بتصريح أقل ما يوصف به أنه «ابتزاز» ومحاولة «تأثير على قضاة» لاستصدار حكم لصالح من تدافع عنه.

والحقيقة أن البشرية فى مسيرتها الطويلة حرصت على توفير ضمانات تحقق استقلال القضاء وتحميه من تغول السلطة التنفيذية وفرض واقع ينتج أحكاماً تهدر العدالة وتصون الاستبداد والدكتاتورية.

لكن، وفى وسط حالة الحماس لحماية السلطة القضائية من السلطة التنفيذية، أغفل الجميع، أو لم ينتبهوا، لضغوط من نوع مختلف تستهدف التغول على سلطة القضاء وتسعى لابتزاز القضاة وإجبارهم على النطق بأحكام لصالح أنصارهم أو موكليهم.

ومن هذه النماذج من يطلقون عليها المحامية الدولية «أمل كلونى».. والحقيقة فأنا لست معنياً بكلمة «محامى دولى» لأنها غير ذات معنى، لكن المهم أن يخرج من فم من يتسمى بهذه الصفة جملة من الألفاظ والكلمات المتناقضة مع ادعاءات استقلال القضاء وحماية الحريات وصونها، والمسألة الرئيسية ليست فى القضية المثارة والاختلافات الثقافية أو حتى المرجعية فى التعامل معها، قدر ما هى مرتبطة بمرجعية ثابتة فى التعامل مع سلطات القضاء.

«الحكم العادل الوحيد هو البراءة الكاملة»، «المحاكمة غير عادلة بالوثائق»، و«القاضى المسئول عن القضية معروف باسم الجلاد».. وهى «محاكمة صورية تهدف لتصفية الحسابات السياسية بين مصر وقطر»، هكذا نطقت كلونى فى بيان رسمى أصدرته قبل أسابيع من النطق بالحكم، وهى تصريحات يُحاسب صاحبها فى أى مكان كونه يسعى للتأثير على القضاء ويتدخل فى شئونه، بل ويحاول أن يفرض على القضاة حكماً محدداً أو أن تتلوث سمعتهم ويُتهم تاريخهم المهنى.

أتفهّم أن تدافع عن مبادئك وتقاتل من أجلها، لكنى لا أفهم أن تتحدث عن مبادئ أنت أول من ينتهكها لتحقيق أهدافك، ولا أعرف أبداً، أو لم أسمع من قبل، أن تتصور نتيجة محددة لنزاع أمام القضاء وتعتبر أن نتيجة مغايرة تمثل اعتداء على الحريات، وإلا فمعيار الحريات نفسه سيختل ويتعدد ويتنوع وفقاً لمصلحة كل شخص على حدة، والأصعب أن تختفى مرجعية القانون ويتحول كل فرد إلى مرجعية وفقاً لمصالحه ورؤاه. بعيداً عن مجريات القضية ونتائجها، وبعيداً عن تبرئة أفراد القضية أو إدانتهم، وبعيداً عن المواقف السياسية والانحيازات هنا أو هناك، وبعيداً عن تباين الثقافات واختلافاتها بين الشعوب، فإن ما جرى من تصريحات سابقة أو تعليقات لاحقة على حكم «خلية الماريوت» يمثل محاولات صارخة لانتهاك استقلال سلطة القضاء، وتدخلاً غير مشروع فى أعمالها يستوجب إدانته وتوبيخه وتجريس صاحبه.

لا أعتقد أن كائناً من كان يتجاسر على الحديث عن القضاء فى بلاده كما تحدث هؤلاء عن القضاء فى بلادنا، ولا أن يقبل انتهاكات وتجاوزات للقانون فى بلاده كما حدث فى بلادنا، وقررنا أن نحاسب من خرق القانون ولم يحترم سلطة دولتنا.

يبدو أننا سنحتاج قريباً للدعوة إلى حماية القضاء من محاولات سلطة بعض منظمات المجتمع المدنى الدولية للتغول على سلطة القضاء وانتهاك سيادته واستقلاله لحسابات وانتماءات سياسية.