حلم سوريا الموحدة

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

الماراثون الدبلوماسى والرحلات المكوكية التى دارت حول المحطات العربية الفاعلة أو المطلوب منها أن تكون فاعلة خلال الشهر الماضى، من الممكن أن يوضع لها عنوان فصل التعاطى الجديد مع الملف السورى فيما بعد توقيع إيران للاتفاق النووى، حاول اللاعبون الرئيسيون أن يتخذوا من إتمام التوقيع الإيرانى وما بعده مدخلاً للفصل الجديد وهو كذلك بالفعل، فوسط التعهدات الإيرانية غير المكتوبة التى كانت تقدمها لواشنطن للتسريع بإتمام الاتفاق، أن طهران بوجهها الجديد الخالى من العقوبات والنبذ الدولى ستتعاون مع الجميع فى كافة الملفات المطلوبة منها، وستكون طرفاً فى الحل وليست عنواناً للأزمة وهو ما لم يتم بالطبع ولن يتم فى المستقبل المنظور على الأقل. روسيا طورت من موقع تمركزها الضيق داخل تحالف الأزمة بجوار النظام السورى إلى فضاء أرحب كثيراً وجدته جاهزاً أمامها، لن يكلفها سوى بضع خطوات للخلف بعيداً عن «بشار» وجهد دبلوماسى محترف يديره بثبات المخضرم سيرجى لافروف، فالمعلوم تماماً لدى موسكو التى شهدت المحطة الأخيرة لهذا الزخم الباحث عن حل، أنها دخلت على الملف بداية برضا أمريكى تام لشغل فراغ تتراجع واشنطن عن الدخول فيه الآن، هذا الفراغ تمثل فى عدم الرغبة الأمريكية على تقديم إجابات محددة لدول الخليج حول ضمانات الدور الإيرانى وآفاق نزع القلق العربى العام، وهى الرسالة التى تمت صياغتها أمام الزعماء الخليجيين جميعهم فى كامب ديفيد قبل توقيع الاتفاق لكنهم رفضوا أن يقرأوها ولم يقروا حتى اللحظة بتغير المعادلات، الفراغ الأمريكى الآخر تحفظها المعلن على استدعاء الدور المصرى للدخول على خط الأزمة السورية، وقد اختبرت واشنطن المدى الذى وصل إليه الفراغ المشار إليه الأسبوع الماضى مع الأشقاء بالخليج وعبر الجزائر والعراق، عندما أوصلت إليهم رسالة تحمل رفضاً أمريكياً قاطعاً لإتمام بروتوكول القوة العربية المشتركة فى الوقت الراهن على الأقل، وجاءت نتيجة الاختبار إيجابية بالقياس الأمريكى أن ما تركته وراءها قادر حتى الآن على محاصرة الدور المصرى ومنع تمدده، وأن التحركات الروسية لم تخرج عن السيطرة ولم تحدث انقلاباً ما فى التوازنات المحسوبة، رغم ما قد يحققه المحور المصرى الروسى مستقبلاً.لم يكن الخروج الأمريكى كاملاً بالنسبة لسوريا، فهى قد حددت نقطة ارتكازها بعيداً عن الخليج ومصر فى قاعدة إنجرليك التركية، تدير عملياتها من هناك وتحاول على هامش الحرب على الإرهاب أن تحقق هدفاً موازياً هو تعويم النظام التركى ولجم شططه الفاضح الذى كشف كثيراً من العناوين المخفية، فهى اختارت أن تكون بالقرب من أنقرة لمنعها من سحق الأكراد عسكرياً ولإجهاض خطط المنطقة العازلة بشمال سوريا، فوفق القياسات الأمريكية إن أفلتت أنقرة بهاتين الخطوتين يصبح تقسيم سوريا على مسافة مرمى حجر، خاصة وهذا الخط أصبح يتماس بقوة مع التحركات التى تتم على الأرض من نظام بشار وإيران وحزب الله، فتحركات هذا الثلاثى فى الزبدانى وغيرها يكاد يترجم رؤية وخيار التقسيم كخياره المتاح والوحيد الآن للخروج بأقل الخسائر الممكنة، وتحقيق ما يمكن أن يطلق عليه مكاسب البقاء فى مربع النفوذ، وباختصار أمريكا إن لم تكن تعارض هذه المعادلة مباشرة لكنها يقيناً غير جاهزة لها الآن ولديها رغبة حقيقية لاستهلاك الوقت بمحاربة وإضعاف داعش وإحالة هذا الجزء الرئيسى من الملف للإدارة المقبلة.التقدير المصرى الروسى يرى ما سبق رؤيته أمريكياً صحيحاً ففضلاً أن كل من بشار وطهران وأنقرة يلعبون لصالح التقسيم، فهناك لاعب آخر يعزز هذا الاتجاه وهو داعش بتمدداته المحسوبة بدقة، لذلك كان حديثهما الأخير عن حل سياسى من نوع إعادة تدوير النظام لإجباره على إنقاذ وحدة الدولة، فيما اتفق الجميع بمن فيهم النظام نفسه أن التقسيم والإفلات بقطعة ما هو نوع من الخروج الذى قد يسمى انتصاراً.