حملات الأحزاب الدينية

قبل الانتخابات البرلمانية (التشريعية)، طالعتنا بعض وسائل الإعلام فى مصر بحملات ومقالات تدعو إلى حظر الأحزاب الدينية. سألنى بعض الإعلاميين عن الرأى فى الحملة أيضاً. وأجد هنا من الضرورى أن أقرر موقفى من هذا الموضوع.أولئك الذين يقفون وراء هذه الحملات قد لا يعرفون أن الدستور قد حظر تلك الأحزاب فى المادة (74) التى تنص على: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس، أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرىّ، أو ذى طابع عسكرى، أو شبه عسكرى. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى».وبذلك فإن هذه الأحزاب محظور قيامها بالدستور أصلاً، وما كان منها قائماً يعتبر ملغى ومحظوراً.وهذه الحملات والأقلام تطالب بحظر ما هو محظور دستورياً. بعضهم للأسف الشديد لا يعرف الفرق بين الحزب الدينى وخطورته، وبين قيام حزب سياسى ذى مرجعية إسلامية. الحملات طالت حزب النور، على سبيل المثال لا الحصر. وأريد هنا أن أقرر -رغم بعض خلافات فقهية مع حزب النور- أن حزب النور حزب سياسى شارك فى كتابة الدستور الجديد. وشارك فى الانتخابات التشريعية، وفى تشكيل برلمان 2012، الذى ألغته المحكمة الإدارية العليا لعدم دستورية القانون الذى أجريت فى ظله الانتخابات. ولم يشترك فى العنف الذى دار بسبب الإلغاء. ولم يشترك فى تحالف دعم الشرعية ولا اعتصام رابعة.كما شارك الحزب فى الانتخابات الرئاسية، ويستعد للمشاركة فى الانتخابات التشريعية (البرلمانية) المقبلة بمشيئة الله تعالى. ما يعنى أن هذا الحزب وافق على خارطة الطريق، وشارك بعض أعضائه فى ثورة 30 يونيو، ولذلك خاصمه الإخوان وتحالف دعم الشرعية، وتعرض الحزب لانشقاق تحت ضغط الإخوان والرئاسة فى عهد الرئيس المعزول مرسى.الذى لا يعرفه معظم الشعب، وقد كان سراً لفترات طويلة، أننا عند مناقشة وصياغة الدستور الجديد قابلتنا مشكلة المادة (219) فى الدستور السابق التى كانت تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة».وقد بذلنا جهداً كبيراً فى عدة لقاءات خاصة بعيداً عن لجنة الخمسين مع قيادات حزب النور حتى اقتنعوا بحذف هذه المادة، وإثبات الفحوى فى المقدمة والرجوع إلى أحكام «الدستورية العليا» فى التفسير.صحيح هناك بعض قيادات قليلة من حزب النور قد لا تؤمن بالعمل السياسى وتفكيرها تفكير دينى لا يتفق مع العمل السياسى ولا وسطية الإسلام، ولكن هذا لا ينفى أن حزب النور حزب سياسى ذو مرجعية إسلامية، وهذه المرجعية نابعة من البيئة العربية على عكس بعض الأحزاب ذات المرجعية المستوردة. وبهذه المناسبة تساءلت كثيراً لماذا لا يكون عندنا أحزاب وفق التيارات والمرجعيات القائمة فى مصر؟ عندنا تيار إسلامى، وتيار اشتراكى، وتيار شيوعى، وتيار قومى، وناصرى، وتيار ليبرالى، وتيار علمانى، ولا يخفى أن مرجعية التيار الاشتراكى والشيوعى غير نابعة من البيئة، وهى نابعة من بيئة أخرى خارجية، ورغم ذلك لها الحق الدستورى فى تكوين الأحزاب التى يرونها، وعلى الشعب أن يختار «واللى يشيل قربة مخرومة تخر على رأسه». لا ينبغى أن نضيع جهدنا فى الصراع بل التنافس السلمى الشريف. الحزب الدينى مرة أخرى يرى أعضاؤه أن رأيهم هو الصواب بل الحق، لأنهم ظل الله تعالى فى الأرض، ورؤيتهم حتى السياسية تكون بالضرورة هى الحق والصواب، فمثلاً لو أن «داعش» الإرهابى شكلت حزباً سياسياً، فهذا بكل تأكيد حزب دينى، لأنهم يكفرون غيرهم ولن يسمحوا أصلاً بقيام أحزاب أخرى. الحزب الدينى لا يسمح أن يكون بين أعضائه من لا يؤمن بهذا الدين أو ذاك، أو يقصرون العضوية مثلاً على الرجال أو يمارسون التفرقة بين المواطنين على أساس دينى أو طائفى.الاسم لا يدل على أنه حزب دينى، فمثلاً الحزب الديمقراطى المسيحى فى ألمانيا، لا يمكن أن نسميه حزباً دينياً حتى مع هذا الاسم، لأننى شخصياً أعرف أن بعض قياداته من المسلمين، وكذلك حزب النور إذا فتح باب العضوية أمام الجميع دون تفرقه ضاعت عنه شبهة الحزب الدينى، وإذا قبل التنافس مع أحزاب أخرى ورضى بحكم تلك الأحزاب إذا اختارها الشعب، فهذا توجه أو عمل سياسى أصيل ينفى عن الحزب تهمة الحزب الدينى أو الطائفى. أقول هذا ولى بعض الملاحظات على أداء بعض مشايخ الدعوة السلفية لأن منهم من قد يكون أقرب إلى توجه الجبهة السلفية فى الإفتاء والتوجه الفقهى. جميل أن يكون الحوار وسيلة للتفاهم بدلاً من الاتهامات والتهم. ونتمنى لجميع الأحزاب النجاح فى الانتخابات والتشريع والرقابة حتى تطهر مصر مما هى فيه من فساد وتخلف وما نتعرض له من إرهاب.ومما يؤكد جهل بعضهم أو تحامله على الإسلام نفسه، الرغبة فى إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.والله الموفق.