"الوطن" تكشف: تهريب ألعاب نارية بمساعدة مستخلصين وموظفى جمارك

كتب: أسامة الديب

"الوطن" تكشف: تهريب ألعاب نارية بمساعدة مستخلصين وموظفى جمارك

"الوطن" تكشف: تهريب ألعاب نارية بمساعدة مستخلصين وموظفى جمارك

 

ترن ضحكات الصغار فى الفضاء كلما انفجر صاروخ لعبة يشعلونه بأعواد الكبريت، تتناغم ضحكاتهم مع الموسيقى الصاخبة المنبعثة من سرادق الفرح المقام فى قريتهم سنهور مركز سنورس التابع لمحافظة الفيوم، أجسادهم النحيلة تهتز طرباً مع صوت الانفجارات التى تحدثها الألعاب النارية التى اشتروها بجنيهاتهم القليلة، البهجة تسرى فى كل شىء داخل المكان، على بعد خطوات يقف «محمود» ابن التسع سنوات يراقب أقرانه، رغبته فى تقليدهم تدفعه لأن يتوجه إلى أحد المحلات القريبة فيشترى صاروخاً لعبة ليشعله مثل الجميع ويحظى بالبهجة التى سبقوه إليها، بالفعل يشترى «محمود» الصاروخ ويشعله بسرعة، وقبل أن يلقى بالصاروخ إذا به ينفجر فى كف يده ويطيح بذراعه اليمنى فى الهواء، ويطرحه هو على الأرض وسط بركة هائلة من الدماء.

أسفل منزله جلس «محمود» يتابع بعينيه زملاءه وهم يلعبون معشوقته الأولى كرة القدم، حبس دموعه وغادر مجلسه إلى غرفته بالمنزل، هناك أخذ يقلب فى بندقية لعبة بيده اليسرى بعد أن راحت يده اليمنى للأبد «كان نفسى أطلع ظابط فى الجيش.. وبعد ما حصل لى كده، حطيت فى دماغى أطلع مهندس، كنت بحب الشماريخ والصواريخ الصغيرة والبمب وكل حاجة، بس دلوقتى ما بحبهمش.. هجيبهم ليه.. هجيبهم ليه بعد ما حصل لى كده».
بأصابع مرتعشة راح عبداللطيف، 38 عاماً، سائق توك توك، يحاول تثبيت ذراع بلاستيكية فى اليد اليمنى لابنه «محمود»، بالكاد منع الدموع من أن تنزل من عينيه، ساعد الصغير فى ارتداء ملابسه، وراقبه وهو يقوم من مكانه معتمداً على ذراعه اليسرى، بعد أن اختفت ذراعه اليمنى للأبد «محمود كان عاوز يطيَّر الصاروخ فى الجو زى العيال زمايله، فضل ماسك الصاروخ فى إيده اليمين، فالصاروخ سخن فى إيده وضرب راح مطير إيده بعيد.. أنا مت يا بيه.. مت»، يروى «عبداللطيف» كيف حمل ابنه إلى المستشفى عقب إصابته جراء انفجار الألعاب النارية فى يده، توجه به فى البداية إلى مستشفى مكة يحمله بيد واليد الأخرى تمسك بالذراع المبتورة، هناك أخبروه أن التقنيات المتوفرة فى المستشفى لن تسعف ولده «كنت شايف إيده وهى بتشلب دم ودراعه فى إيديا، أعصابه وعروقه باينة منه»، لم يكن أمام الأب إلى أن يتوجه بصغيره إلى مستشفى قصر العينى، وهناك تم إيقاف النزيف واستقر الوضع على بتر ذراع «محمود» حتى الرسغ.
محمود ليس وحده، عشرات غيره ممن تصيبهم الألعاب النارية بإصابات مختلفة، وهى الألعاب التى صارت تعد إحدى أهم السلع التجارية المتداولة فى مصر، والتى أنفق عليها المصريون ملايين الجنيهات فى آخر 5 سنوات، بعد أن تحولت إلى بطل رئيسى فى المظاهرات والمصادمات التى اجتاحت البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011، دون أن يشغل أى من المسئولين نفسه بالطريقة التى دخلت بها تلك الألعاب النارية لمصر، وكيف لمنتج تم صنعه خصيصاً لاستخدامه فى أعالى البحار من قبل قائدى السفن لطلب الإنقاذ وقت الغرق أو التعطل المفاجئ لسفنهم، أن ينتقل إلى الأرض، ويصبح مادة للهو وإبداء الاعتراض؟ أسئلة كثيرة حاولنا أن نجيب عنها، وكانت حكاية «محمود» هى بداية الخيط.
أول الخيط
«عاوز تفهمنى إن الحكومة مش عارفة إن فيه صواريخ موجودة، دى الموسكى مليانة صواريخ، خش الموسكى من أولها لآخرها هتلاقى صواريخ» كانت كلمات والد «محمود» هى المحرك لنا للتوجه إلى منطقة الموسكى بقلب القاهرة، التى قال الوالد إن الصواريخ والألعاب النارية تباع فيها بكثرة، كان الرجل محقاً، إذ بمجرد أن تطأ قدمك الشارع التجارى العريق حتى تطالعك سوق كبيرة للبضائع الصينية، فى حين تستقر آلاف العبوات المختلفة من الألعاب النارية على عربات صغيرة معروضة للبيع دون أدنى خوف من بائعيها، ودون مراقبة الأمن، بالرغم من وجود المادة رقم 25 من قانون العقوبات، التى تنص على حبس كل من شارك فى بيع الألعاب النارية، أو استيرادها مدة تتراوح بين 6 أشهر و3 سنوات، وعلى الرغم من وقوع منطقة الموسكى على بعد عدة أمتار من مديرية أمن القاهرة وقسم شرطة الموسكى، فإن أحداً لم يسأل البائعين عن تجارتهم الممنوعة.
«الأصفر عامل 80 جنيه، والهاند بـ120، أما الأخضر بـ140» هكذا أخذ أحد باعة الألعاب النارية داخل شارع الموسكى يعدد أنواع وأسعار الشماريخ النارية التى تستخدم بكثرة من قبل مشجعى كرة القدم داخل المدرجات عندما سألناه عن أنواعها وأسعارها، تابع: «التورتة اللى بتضرب 8 صواريخ تمنها 40 جنيه، ومعاك لغاية اللى بتضرب 64 طلقة ودى بـ250 جنيه»، أخبرناه أننا تجار ونرغب فى التعامل معه والحصول منه على كمية من الألعاب للتجارة فيها، وحين سألناه عن تخفيض فى السعر إذا اشترينا منه كمية كبيرة، طلب منا أن نمر عليه فى المساء، ساعتها سيكون «المعلم الكبير» موجوداً، وهو الذى سيقرر ما إذا كان يمكن أن يعطينا تخفيضاً أم لا، وعندما جاء المساء أغلق البائع هاتفه المحمول دون أن نعلم هل كشف أمرنا، أم أصابه شىء آخر.
البحث عن مستخدمين للألعاب النارية
قررنا أن نتواصل مع مستخدمى «الشماريخ النارية»، كانت المهمة شاقة، خاصة بعد أن كثرت الملاحقات الأمنية لمن يوصفون بروابط مشجعى الأندية «الألتراس»، الذين يستخدمون الشماريخ بكثافة فى المدرجات، وبعد عشرة أيام كاملة من البحث وافق اثنان من مستخدمى الشماريخ على الحديث إلينا شرط إخفاء هوياتهم خوفاً من الملاحقة الأمنية.

{long_qoute_1}


«هدفى من الشمروخ ده مش ضرر لحد، لأ.. عشان أجرب فرحة، مسكة الشمروخ بتدى حماس، لما ولعت الشمروخ لقيتنى مش باضر نفسى، ولا باضر غيرى، بيدينى حماس وبس» يتحدث الفتى عن أول مرة أشعل فيها شمروخاً داخل مدرج الثالثة شمال وهو يشجع فريقه المفضل «الأهلى»: «جيت بعد كدة لقيت إن الشماريخ ممنوعة، ليه تتمنع؟ يعنى لو دورت فى ماتش مثلاً زى زيسكو اللى كان فى 2011 اتعمل حاجة اسمها بايرو شو، بمعنى إن الاستاد كله يولع مرة واحدة، ما جيتش سألت الشماريخ دى ليه دخلت أساساً؟».
أما الفتى الآخر فيبرر استخدامه للألعاب النارية بقوله: «هى أصلاً اسمها ألعاب، حاجات بتدينا روح فى المدرج أو فى الفرح أو فى أى مكان، فى المظاهرة يبقى غرض اللى بيولعه أذى، طب ما هو ممكن واحد ولا ليه دعوة لا بكورة ولا بأى حاجة، جاب فى فرحه شمروخ يولعه فى الفرح، زى ما هتمنعه فى الاستاد، يتمنع برضه فى الأفراح».
يعلق محمد رشوان، أحد محامى جماعات الألتراس، على حديث الشابين فيقول إن عقوبات حمل السلاح التى تندرج تحتها الشماريخ تتدرج حسب طبيعة الاستخدام، بداية من الغرامات والحبس البسيط الذى ورد فى أحكام 25 و28 فى قانون الأسلحة والذخائر إلى المادة 26 التى تنص على أنه إذا استخدمت تلك الأشياء لدعم جماعة من الجماعات الإرهابية تصل العقوبة للمؤبد، وفى بعض الأحيان للإعدام «فيه ازدواجية فى المعايير»، يتحدث رشوان «ممكن تلاقى حفلات يحضر فيها رئيس الجمهورية أو المسئولين وتبص تلاقى فيها إطلاق ألعاب نارية، ما هو موجود، وتيجى تحرم الشباب منها فى مناسبات أخرى قد لا تكون أقل منها فى الأهمية، بالنسبة للشاب أو المشجع، حصول فريقه على بطولة كروية ليس أقل من احتفال زى 6 أكتوبر، هو شايف كده».
غزو المارد الصينى بـCIQ
كان السؤال الأهم لنا عقب مرور شهر على بدء التحقيق: كيف تدخل الألعاب النارية القادمة من الصين للبلاد دون أن تلفت نظر المسئولين؟ خاصة أن القاهرة كانت قد وقعت مذكرة تفاهم فى عهد وزير التجارة والصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد، تقضى بفحص الحاويات الواردة من الصين إلى مصر وإعطائها شهادة جودة عرفت باسم بـCIQ، على أن تسهم تلك الشهادة فى سرعة إتمام الإفراج عن الحاويات. يتحدث المهندس علاء عبدالكريم، رئيس هيئة الصادرات والواردات المصرية عن شهادة الجودة، التى تم اعتمادها منذ نهاية عام 2010، فيقول: «الشهادة دى بيكون لها صورة ومتفق على النموذج بتاعها وفيها الكمية اللى جاية، ونوع الشحنة اللى جاية، والمواصفة التى تم فحص المنتج عليها»، يتابع: «فى بدايات التطبيق بيحصل اختراقات للقواعد المعمولة داخل السوق، فوجدنا بعض الشهادات مزورة لا تصدر عن المكاتب المعترف بها فى الصين اللى هى خاصة بـ«AQ» (وزارة الصناعة والتجارة الصينية)».

{left_qoute_1}


يقول «عبدالكريم» إن الدكتور «رشيد» قام بمنح استثناءين من حمل هذه الشهادة المهمة، الأول لحاوية اللقاحات والأدوية الطبية، والآخر للمبيدات الزراعية، دون أن يراجع تلك الاتفاقية، ما أثار بعض علامات الاستفهام، خاصة أن الحكومة المصرية لم تعترض على نظيراتها الصينية بشأن عدم إبلاغها بالحاويات المحملة بالألعاب النارية، مع علم الجانب الصينى بمنع تلك الألعاب فى مصر.
قررنا أن نعود مرة أخرى لمنطقة العتبة بعد انقطاع الاتصال مع التاجر الأول، قابلنا تاجراً آخر يمتلك «فرشات» تعمل لحسابه الشخصى بمساعدة أشخاص يدفع لهم أجراً يومياً خمسين جنيهاً، قلنا له إننا نمتلك عدة قاعات للأفراح، ونسعى لعقد اتفاق دائم معه لتوريد كميات من الألعاب النارية بشكل شهرى، راح التاجر يشرح لنا الفرق بين الشماريخ المستوردة، والمصنعة محلياً «الهاند الصينى الأصلى منه كان موجود، دلوقت بقى مضروب، مفيش كلام صينى مطبوع عليه من الشركة بتاعته»، يشير التاجر إلى رداءة الشمروخ محلى الصنع الذى لا يفضله تجار الألعاب النارية بالموسكى، لذلك يقومون باستيراد بضاعتهم بمعرفتهم من الصين، غير أنه عاد وعرض علينا أنواعاً أخرى دوّن عليها تاريخ الإنتاج فى عام 1996، وتاريخ انتهاء الصلاحية فى عام 1998.
قنابل موقوتة فى انتظار ضحاياها
«لما الصاروخ فرقع فى إيدى، إيديا نملت، بس ما عيطتش، كنت فاكره هيطير فى الجو، زى ما الشباب بيعملوا، بس فرقع فى إيدى» يتذكر الطفل «محمود» تفاصيل اللحظات التى انفجر فيها الصاروخ فى يده، هو ليس الوحيد الذى يتعرض لإعاقة بسبب ألعاب نارية صنعت وتم استيرادها من خارج البلاد، يقول دكتور عمرو عزت، أستاذ طب العيون بمستشفى قصر العينى، إن كم الحالات التى شاهدها فى خلال الأربع سنوات الماضية التى أصيبت جراء استخدام الألعاب النارية تفوق ما قام بالكشف عليه طيلة 22 عاماً مارس خلالها طب العيون «المشكلة أن الألعاب دى كلها ضرر من أول التراب الناتج عن سخونية إشعال الشمروخ قد يسبب عمى مؤقتاً مع مرور الوقت، ده غير إن فيه حالات كتير بتيجى قصر العينى بتكون واقفة فى البلكونة مثلاً، وبتيجى طلقة من الألعاب دى فى عينيهم تتسبب لهم فى تصفية القرنية وعمى جزئى أو كلى فى بعض الأحوال».

{left_qoute_2}


يعلق والد محمود «فيه صواريخ صغيرة بـ50 جنيه، أنا لو اشتغلت طول الليل والنهار على التوك توك مش هجيب الـ50 جنيه بتاعة الصاروخ ده، أسمع أن فى تورتاية بتتكلف 300 - 400 جنيه يعنى 300 جنيه كده يتضربوا فى الشارع.. فى الهوا»، يبدى الرجل استغرابه من أن يصير الهواء مصدراً لأموال طائرة كما يحب أن يصفها.
أرقام سرية لتجارة علنية
لم نستطع الحصول على أرقام رسمية للتجارة الممنوعة، فلدى الحكومات المتعاقبة هى تجارة غير موجودة، أو على أقل تقدير موجودة على استحياء ولم تتحول لظاهرة لكى تؤرق أحلام تلك الحكومات، لكن تصريحاً صدر من على شكرى، نائب رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة فى 2013، أخبرنا عن أرقام تقريبية لتجارة غزت البلاد فى آخر خمس سنوات بشراسة، وجاء فى تصريح «شكرى» أن حجم مبيعات الألعاب النارية يصل إلى 100 ألف جنيه يومياً، فيما يبلغ حجم استيرادها الشهرى 3 مليارات جنيه، ترتفع إلى 24 مليار جنيه تقريباً سنوياً. قمنا بإجراء بحث بشكل معمق لأكثر الأماكن المختصة ببيع تلك الألعاب استغرق أسبوعاً كاملاً، لنكتشف أن الأماكن التى تنتشر بها عمليات بيع الألعاب النارية تتركز فى العتبة، والمطرية، ودار السلام، وإمبابة، ويخبرنا تقرير آخر صادر من مصلحة الجمارك أنه خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر من عام 2013 تم ضبط ما يقرب من 18 مليون صاروخ، وهو رقم قد يساعدنا على مشاهدة الصورة كاملة لحجم تلك التجارة.
«رغم محاربة الشرطة والجيش لكل أنواع الصواريخ والشماريخ اللى بتيجى من برة، لكن هى فيها طمع كبير جداً للمهربين لأن تكلفته لا تتخطى بأى حال من الأحوال 3 - 4 جنيهات للشمروخ، لما بيتباع بـ50 جنيه أرباحه غير طبيعية أكتر من أرباح المخدرات وما يتم مصادرته ما بيمثلش 10% من حجم الموجود فى السوق»، يعلق أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بغرفة تجار القاهرة على تقرير مصلحة الجمارك، ويقول إن الأرقام الواردة فيه ضعيفة، إذ إن هناك عوامل كثيرة تساعد المهربين فى إدخال تلك الألعاب بعيداً عن أعين الجهات المسئولة ودون دفع جمارك أسوة بزملائهم التجار المثبتين لدى الحكومة المصرية.
بداية تتبع الرحلة السرية
لم يمر وقت طويل حتى جاءنا اتصال هاتفى من تاجر الموسكى الثانى ليطمئن على صفقته الأولى معنا، التقينا به فى محله الذى يدير منه تجارته وأخبرناه أننا نريد مشاركته فى صفقة نقوم باستيرادها حتى يكون ربحنا أكبر، وفى نفس الوقت قلنا له إننا نمتلك أموالاً كافية لشراء كميات كبيرة من الألعاب بمختلف أنواعها، تغيرت ملامح الرجل، ورفض أن نشاركه فى البضاعة الأساسية قائلاً: «عاوز تاخد منى قطاعى ماشى، لكن اللقمة الكبيرة دى بتاعتنا وبس»، غير أن غضبه لم يمنعه من إعطائنا معلومة مهمة «اطلع على السويس.. ده السوق الكبير بتاعنا».
إلى السويس سافرنا على الفور، حيث توجهنا مباشرة إلى جمرك العين السخنة لكى نستمع إلى الرواية الرسمية، وحتى نقف على حال الميناء هناك «الصواريخ والشماريخ اللى عاملة إزعاج فى البلد كلها الحمد لله قدرنا نسيطر عليها، إحنا ماسكين فى خلال 2014 حوالى 52 قضية» رسالة طمأنة حرص عبدالله عامر، مدير عام الجمارك ورئيس ميناء العين السخنة، أن يوصلها لنا، مؤكداً أنه تم إمداد الميناء بأجهزة إكس راى «الكشف بالأشعة فوق البنفسجية»، والتى تستطيع الكشف عن محتويات الحاوية بالكامل دون فتحها مما ساعد الميناء فى السيطرة شبه التامة على التهريب من خلالها.
فى المساء قررنا زيارة أكبر مستخلص جمركى فى السويس والمعروف بسيطرته على الأنشطة المختلفة بأحد أكبر أندية المدينة، والمعروف كذلك بمساعدة المهربين فى إدخال بضاعتهم المحرمة، كنا قد حصلنا على بياناته من أحد التجار الذين يستوردون قطع غيار السيارات المستعملة بأوروبا، قلنا لـ«الحاج» كما يحب أن يناديه الآخرون، بأننا أصحاب شركة لتجهيز مستلزمات الأفراح، ونريد استيراد ألعاب نارية للمساعدة فى عملنا، جاء رد المستخلص أن الظروف الآن غير صالحة بالمرة للتهريب عبر ميناء السخنة نظرً للتضييق الأمنى الذى فرض بعد ثورة 30 يونيو، خاصة مع تركيب أجهزة الإكس راى، لكنه نصحنا «فيه موانى ممكن تعدى منها.. أطلعوا على بورسعيد»، شرح أكثر «فى بورسعيد ناس تخرجها لك.. أنا عن نفسى هوديك لواحد بورسعيدى.. هو اللى باديله شغلى فى بورسعيد، الفلوس هناك ياما، والناس بتخدم، إن شالله ينططوها لك من فوق السور».
عدنا إلى القاهرة، وأنشأنا صفحة على الفيس بوك، وقمنا بطباعة كروت خاصة بشركتنا المهتمة بمجال الأفراح الأرستقراطية داخل البلاد، حتى نكون طعماً ثميناً للموظفين المرتشين.
تواصلنا مع المستخلص الجمركى الموجود فى بورسعيد، والذى حصلنا على رقمه من الحاج، وافق على مقابلتنا بعد مرور أسبوع، ما إن وصلنا إلى بورسعيد حتى اعتذر عن مقابلتنا لظروف شخصية، تجولنا بالمدينة الباسلة التى شهدت حروباً عظيمة كبدت سكانها الكثير من الدماء عبر سنوات مضت، إلى أن قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتحويلها إلى مدينة مفتوحة للعالم أكمل كتعويض عما شهده سكانها على مدار سنوات، لكن مع اندفاع الانفتاح الذى اجتاح البلاد اواخر السبعينات وامتد إلى ثمانينات القرن الماضى ظهرت فئة كبيرة من بعض سكانها يحلمون بالمكسب السريع عبر مساعدة بعض ضعاف الذمم من المهربين فى إدخال بضائعهم المحرمة، توجهنا إلى مقهى مقابل لباب 20 الجمركى الموجود بالميناء والمدخل الأساسى لرؤساء الميناء، للبحث عن مستخلص آخر كنا قد حصلنا على رقمه من مصدر موثوق لنا فى المدينة واخبرناه بنفس رواية شركة تجهيز الافراح، قابلنا بعد مرور نصف ساعة من جلوسنا على المقهى، لم يبد على الرجل أدنى شك فى روايتنا، فاجأنا بقوله «موظفين الجمارك دول من أغنى اغنياء مصر، أقل موظف لو ما بيلعبش هتلاقيه راكب عربية جربانة، كل يوم بيروح ومعاه 10-15 ألف جنيه»، يتابع قائلاً إنه فتح مكتب التخليص الجمركى مع أبناء عمومته فى عام 2009، تحدث معنا عن فترة الرئيس المعزول محمد مرسى وحال الميناء وقتها «أيام شهر 3 اللى فات ده لأ اللى قبله أيام مرسى.. أيام لما كان بورسعيد فيها إضراب وقالك ماحدش هيشتغل.. كان عندنا جوة 2600 حاوية، جات مركب قالت مش هنزل ابعتوا جيبوا الحاويات من مينا جدة على حسابكم، قالك لا افتح الشغل فى 3 أيام الـ 2600 حاوية كانوا برة، اقسم بالله كان معانا شهادتنا اللى هنصرف بيها ومش عارفين مكان الحاوية فين، بنروح بورق الملاحة ونحمل، كنت تشوف المهزلة الكراتين بتخرج من غير تفتيش، اللى يطلع قماش، واللى يطلع فياجرا، واللى يطلع ترامادول». أخبرنا بفخر عن تلك الفترة من تاريخ مصر وكيف تحول بعض موظفى الميناء من خانة الوظيفة إلى خانات الحسابات المكونة من ستة أصفار، طلبنا منه مساعدتنا فى دخول بضاعة سنقوم باستيرادها من الصين تحتوى على ألعاب نارية «هتظبط حالك، أنت عارف إن الحاوية فيها حاجة غلط.. متخليش بتاع المباحث ييجى يقرب منها، عندى مخبر جوى أجدع من عميد بيحرك الظابط، عنده 15 فدان فى الإسماعيلية وزيهم فى القنطرة وبييجى معاه العربية الالنترا». وافق المستخلص على التعاون معنا عبر إرسال البضائع عن طريق المنطقة الحرة، على أن يقوم بالتنسيق مع مساعديه بالداخل لخروج تلك الألعاب وتوصيلها لنا للقاهرة «أنا بدفع للمخبر أسبوعيات، عن نفسى بديله أسبوعى 1000 جنيه، سواء دخلت شغل أو لأ بياخد، هو بيساعد فى شغل كتير، ولو فيه مثلا حاجة مسكها عليا نتقاول».
النظم الجمركية الخاصة:
«بعد الثورات اتجه بعض ضعاف النفوس إلى استغلال النظم الجمركية الخاصة، اهمهم المناطق الحرة، بيستغلوها باعتبارها معفية من الضرائب والرسوم الجمركية، لأنها بتعتبر قطعة خارج الدولة وبالتالى لا تسرى عليها الضوابط الجمركية الخاصة بالاستيراد والتصدير» يتحدث د/ مجدى عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك عن المناطق الجمركية الحرة التى صارت نقمة بدلاً من الغرض الأساسى لإنشائها، سألنا المهندس علاء عبدالكريم رئيس هيئة الصادرات والواردات عن إمكانية حدوث تسريب للأسواق فقال: «كل ما يسرى بالمناطق الجمركية الحرة لا يعرض علينا وطبعاً وارد أن يحصل بعض التسرب للأسواق، بنحاول نحكم، لأن المنطقة الحرة بتعتبر منطقة خارج الحدود».

{long_qoute_2}


يخبرنا العميد عاصم الحجار رئيس مباحث الجمارك المصرية أن مصر مقيدة باتفاقيات تجارة عالمية، لا تستطيع وقفها تحت أى بند «أى كشاف فى أى ميناء، ما بيكشفش اكتر من 10% فى الحاوية عشان يطمئن قلبه إن مفيش جواها أى ممنوعات، فبتيجى إخبارية أن موظف من جوة يقول الحق ده وانا بكشف لقيت الممنوعات أو حاجات مخالفة»، يعترف الحجار أن أجهزة الإكس راى غير منتشرة فى كل أبواب ميناء بورسعيد «فيه ناس نفوسها ضعيفة كانت بتعطل الجهاز عشان ما يشتغلش، طول ما فى بنى آدم فالأخطاء واردة مفيش بشر معصوم، وبعدين انت مش هتجيب ملايكة توقفهم فى الموانى».
فيما يرى د.مجدى عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك أن الإدارة الجديدة تسعى لإرساء قيم جديدة لموظفى الجمارك «أيا كان الكلام اللى حضرتك بتسمعه ففى النهاية هذه قلة ولا نستطيع أن نعمم فكرة الفساد على موظفى مصلحة الجمارك».

{left_qoute_3}


محاولة أخيرة لزيارة المدينة الباسلة:
بعد 3 أسابيع من زيارتنا الأولى لبورسعيد، هاتفنا المستخلص الأول الذى ذهبنا له عبر وسيط السويس، واتفقنا على السفر مجدداً إلى بورسعيد، وصلنا هناك فى التاسعة صباحاً من أحد أيام يناير الماضى، اتصلنا بالمستخلص وذكرناه بميعادنا المسبق معه، ونظراً لانشغاله طلب أن نمهله بعض الوقت، تجولنا لست ساعات كاملة فى المدينة نرصد أماكن بيع الألعاب النارية التى عادة ما تباع داخل الأكشاك المنتشرة بشدة فى المدينة الباسلة، يتحدث عنها الجميع دون خوف، هنا تجد رابطة ألتراس (Green Deviels) المهتمين بتشجيع النادى المصرى، والذين يستخدمون الألعاب النارية بكثافة كعادة زملائهم من روابط الألتراس فى القاهرة، فى تمام الساعة الرابعة عصراً هاتفنا المستخلص ليطلب منا أن نتوجه إلى باب 40 فى الميناء لملاقاته هناك، ذهبنا إلى هناك فى تمام الرابعة والنصف وهاتفته:
- ألو.. أيوة يا أستاذ، أنا واقف قدام باب 40 أهو فى المينا.
- طيب أنا طالعلك أهو..
- هتدخلنى ولا هنقعد برة؟
- هدخلك.. هدخلك يا باشا..
ساعدنا المستخلص فى دخول الميناء دون أى اعتراض من رجال الأمن أو موظفى الميناء، وأخبرناه بحاجة شركتنا الخاصة بمجال الأفراح إلى استيراد حاوية تضم شماريخ وألعاباً نارية، قال لنا بعد أن اطمأن لنا إن طريقة تعامله تكون بالكرتونة «أنا ماليش دعوة بالمحتوى اللى جوة الكرتونة، أهم حاجة إنها كرتونة وبس، صغيرة أو كبيرة، يعنى لو هتجيب 10 شماريخ فى الكرتونة أنا هحاسبك بألف جنيه خليتهم 100 شمروخ فى الكرتونة هاخد برضه الـ1000 جنيه»، يستشهد بزميل له كان مصاحباً لنا ونحن نتجول فى الميناء بمنتهى الحرية وسط أصوات المراكب الزائرة للميناء «إحنا بنشحن حالياً 70 كرتونة صنف معين، واخدين فيهم كام يا بنى؟»، يرد صديقه: «100 ألف جنيه من غير فصال» يشرح لنا المستخلص علاقته ببعض الموظفين فى الميناء الذين يساعدونه فى التهريب «أنا برجع على الكشف بتاع الحركة بشوف مين الكشافين اللى موجودين بيظبطوا، بروح على الكشاف الفلانى، المصلحة الفلانية تعد معاك كام؟، وساعات أخش لمدير التعريفة أقول له عاوز أضرب إمضتك، يقول لى ماشى اضرب مع نفسك عيش حياتك، يصنف المستخلص أنواع الموظفين فى الميناء: موظف لا يغادر مكتبه ويتركه ينهى الأوراق كلها ثم يقوم بالاتفاق معه على حصته بالشحنة، وموظف يقوم بالتفتيش حتى لا يخدعه المستخلص ويدخل كمية أكبر من المتفق عليها «أهم حاجة تظبط معايا وإنت فى الصين على شات الواتس أب، تبعت لى مكان الكراتين فين فى الحاوية، زى ما كل الناس بتعمل معايا»، يقول المستخلص فى محاولة للاتفاق معى، وحين أخبره بأننى أخشى من رجال الداخلية يرد بثقة: «ما فيش داخلية فى بورسعيد.. خدها قاعدة»، يضيف زميله: «أنت جوة مينا ممنوع تدخلها، حد سألك رايح فين ولا جاى منين؟»، أنهينا الزيارة بعد أن أمضينا ساعة ونصف الساعة داخل أرض الميناء على أمل العودة لإعطاء الموظف كافة أوراق الشحنة المزعومة، يشرح د. مجدى عبدالعزيز، رئيس مصلحة الجمارك دور المستخلص، فيقول: «المستخلص هو وسيط بينى وبين المستورد أو المصدر أو المتعامل بشكل عام فى أنه يقوم بإتمام الإجراءات الجمركية بديلاً عن صاحب الشأن، يحصل على دورة 6 أشهر، ثم رخصة ليفتتح مكتباً خاصاً به».
حالات فردية:
أمضينا ليلتنا فى بورسعيد فى أحد الفنادق المتواضعة نتنفس رائحة البحر والبطولة للمدينة الباسلة ونراجع كلام المستخلص الجمركى الذى أدخلنا الجمرك وأطلعنا على أسرار خطيرة، تجيب لنا على سؤالنا فى البداية عن كيفية أدخال تلك الألعاب إلى مصر، كنا قد وصلنا إلى بداية الشهر الرابع من عمر هذا التحقيق الاستقصائى، توجهنا إلى «باب 20» فى ميناء بورسعيد لمقابلة محمد أبواليزيد رئيس الإدارة المركزية لجمرك بورسعيد لنواجهه بما وصل إليه تحقيقنا «ما حدش بيدخل المينا، لازم يبقى حاطط بطاقته والـCV بتاعه لوزارة الداخلية ويدوا له تصريح للدخول للدايرة الجمركية»، بتلك النبرة الواثقة بدأ الحديث معنا حتى قمنا بعرض فيديو مختصر لدخول الميناء لعقد صفقة التهريب، صمت الرجل للحظات معدودة من هول المفاجأة قبل أن يحاول مرة أخرى أن يعطينا تفسيراً واضحاً لما شاهده للتو «والله ممكن دى حالات فردية، حضرتك لو جيت بدرى الساعة 2 الظهر هتلاقى وزارة الداخلية ورئيس المباحث نفسه واقف فى الميناء فى الأرض وبيدور، واى حد معدى حتى لو حضرتك شخصياً هيقولك تصريحك فين؟». استعاد الرجل نبرته الواثقة التى بدأ الحديث بها معنا ولكن إجابات النفى التى قد بدأ بها الحوار مع «الوطن» سرعان ما تحولت إلى شرح مبسط لواقع موجود بالفعل «اللى هيعمل كدة موظف مش ملتزم وموظف وحش، وأنا ما أنكرتش إن إحنا عندنا كدة وكانت كتيرة أوى وكانت المخالفات كتير لكن مفيش حد بيتساب بالشبهة».
حالات التلبس فقط:
غير أن الواقع يبدو مختلفاً كلياً، أمضينا أسبوعين فى محاولة الحصول على بعض المخاطبات الرسمية التى تجرى داخل مصلحة الجمارك، والخاصة بالموظفين المشكوك فى نزاهتهم أو الذين ضبطوا متلبسين، ونجحنا فى الحصول عليها من أحد المصادر، ليتبين لنا قصور فى أوجه القانون المتحكم بالعمل الجمركى، يظهر المستند الخاص بجمرك الإسكندرية قيام بعض الموظفين بتقديم بيانات مغلوطة لبعض الشحنات، ما أضاع أموالاً هائلة على الدولة، لكن العقاب كان بخصم 20 يوماً فقط من كبيرهم وخصم 10 أيام فقط لباقى الموظفين الذين أهدروا ملايين الجنيهات على خزانة الدولة.

{long_qoute_3}


أما المستند الثانى، وهو شكوى من أحد المستخلصين الجمركيين بميناء الإسكندرية تفيد بوجود موظف بالأمن يطلب رشاوى من جميع المستخلصين، وكانت نتيجة التحريات بالمستند الثالث أن الشكوى صحيحة، وأن الموظف أقام علاقات واسعة مع مستخلصين كثر وأوصت التحريات بنقل الموظف، وبالفعل حسب المستند الرابع، تم نقل الموظف إلى ميناء السخنة فى منصب كبير الباحثين بدرجة مدير أمن عام الجمارك، وذلك بدلاً من أن يجرى معه تحقيق أو يفصل حيث إن نص قانون العمل الداخلى لمصلحة الجمارك يوصى بفصل الموظفين فى حالة التلبس فقط وليس الشبهات.
«بخرجه أوديه فى مكان ما يشتغلش فيه ما يتعاملش مع جمرك، يقعد فى شئون إدارية فى شئون العاملين، يقعد فى حاسب آلى، لكن ما يتعاملش مع جمارك» هكذا يخبرنا د. مجدى عبدالعزيز عن التصرف مع الموظفين المشكوك فى نزاهتهم وحين سألناه لماذا لا يتم فصلهم مرة واحدة، أجاب: «إذا اتمسك متلبس بالمسألة دى باوديه النيابة غير كده أنقله فوراً».
يستنكر العميد عاصم الحجار، رئيس مباحث الجمارك عدم إعطاء صفة جريمة التهرب الجمركى كجريمة مخلة بالشرف وإنما يتم التعامل معها كمخالفة تنتهى فى معظم الأحوال بالتصالح ودفع الأموال «القوانين ما بتساعدش، قوانين الجمارك دى من الستينات وأصبح فيه تطور هائل من الستينات لحد دلوقتى 2015 أهو فى تطور غير عادى فلازم القوانين دى تواكب التطور ده إنما القوانين ما بتساعدوش، مانا بخلى جريمة السرقة العادية مخلة بالشرف كان من باب أولى أخلى المهرب ده اللى بيحط إيده فى جيب المصريين كلهم وبياخد حقهم وبياخد قوتهم أنها تبقى جريمة مخلة بالشرف والأمانة».
منظومة متكاملة لبهجة ممنوعة:
الصورة أوضح أمامنا الآن بعد ستة أشهر من البحث والتقصى عن تلك التجارة الرائجة بمصر، فمع قوانين لم تتغير منذ الستينات لحقتها بعض التشريعات القاصرة، ووجود بعض موظفى جمارك ضعاف الذمم ممن يتلقون الرشى، وزيادة حجم التهريب فى هذا المجال، وعدم وجود رقابة أو التنظيم فى الاستيراد بشكل عام، مع مجاملات لبعض المحتكرين، وعدم السيطرة على المناطق الحرة الخاصة، ومع عدم وجود أجهزة متطورة للكشف عن محتويات الحاويات تسهل عملية دخول الألعاب النارية إلى مصر ثم يعاقب القانون مستخدميها فقط.
«كان فيه 86 شاب فضلوا فى السجون أو أقسام الشرطة لمدة 70 أو 80 يوم وفيه غيرهم 100 يوم وفيه غيرهم شهور ولد طالب جامعى اتمسك بشمروخ»، يخبرنا المحامى محمد رشوان، محامى جماعات الألتراس، عن بعض القضايا الخاصة بالشباب الذين حملوا ألعاباً نارية داخل مسيرات أو وقفات احتجاجية، يواصل: «الشمروخ أصلاً دخل الجمارك عادى جداً اتباع فى العتبة عادى جداً، دخل المدرج الشمروخ عادى جداً، لما الشاب اتقبض عليه عائلته كلها اتدمرت».
أما محمود عبداللطيف، والد الطفل محمود، الذى فقد ذراعه بسبب شمروخ فيتساءل: «طيب حق ابنى فين، عند المستورد ولا التاجر الكبير ولا اللى جابهولنا البلد هنا، كان أملى كبير فى الواد ده بس الحمد لله.. خلاص حقه ضاع زى ما دراعه طار»، يبكى والد محمود وهو يختتم حديثه معنا، فى حين يشرح لنا محمود تفاصيل يمر بها يومياً تشعره بالعجز الممزوج بالقهر «نفسى أشطف نفسى، نفسى أسرح وألبس البنطلون لوحدى، بصحى أبويا أو أمى الساعة 2 بالليل علشان يدخلوا معايا الحمام» تقف دمعة حائرة فى عينيه ترفض النزول على وجنتيه قبل أن يكمل «نفسى ألعب كورة تانى مع أصحابى، ونفسى العيال لما تشوف دراعى ماتخافش منه.. أنا مش هجيب صواريخ تانى خلاص».


مواضيع متعلقة