حكايات مفزعة تنتهى بـ«عاهة مستديمة» أو «شهادة وفاة»

كتب: رحاب لؤي

حكايات مفزعة تنتهى بـ«عاهة مستديمة» أو «شهادة وفاة»

حكايات مفزعة تنتهى بـ«عاهة مستديمة» أو «شهادة وفاة»

كلمات بسيطة من طبيب يضع المريض ثقته وحياته بين يديه، عادة ما تكون البداية لسلسة طويلة من المعاناة والألم، حالة من الاستسلام التام بين يدى طبيب يطلق حكمه ويشخص سبب الألم، على صواب كان أو على خطأ، لا يهم، فالحقيقة الوحيدة الثابتة أن المعاناة ستستمر ومشوار الانتقال من طبيب لآخر سيضنى أرواح وجيوب المريض وأهله، ومن طبيب إلى آخر يختلف العلاج ويختلف التشخيص ويبقى المريض تائهاً «أروح لمين؟».
يونس أحمد، رضيع لم يتعد عمره الـ22 يوماً، لم يعان من شىء منذ ولادته، وفى اليوم الثالث والعشرين بدا أن هناك خطباً ما: «كان كل شوية يصحى ويرجع ينام تانى» مشهد غريب أقلق مى والدة الطفل، لكن المسألة بدت جادة عقب مرور ٥ ساعات «حاولنا نصحيه عشان يرضع مش بيصحى، قررنا ننزل بيه على أقرب مستشفى نطمن عليه، الأول رحنا دار الفؤاد قالوا لنا معندناش طوارئ أطفال، رحنا على الشيخ زايد التخصصى شافوه اتنين دكاترة، الأول اسمه دكتور مينا كان هيعمله تحاليل لكن جه دكتور اسمه محمد قطب قال لنا ابنكو نايم روحوا ناموا انتو كمان، نقوله مش راضى يصحى ومأكلش بقاله ٦ ساعات يقول لنا متقلقوش هيصحى وياكل هو واخد دوا بينيم»، وثقت مى وزوجها أحمد فى كلام الطبيب لكن الطبيب لم يكن أهلاً لتلك الثقة: «رحنا البيت بصينا على الدواء ودخلنا على الإنترنت لقينا إن الدوا اللى أخده مش بينيم أصلاً» سرعة بديهة من الوالدين تجاه التشخيص الخاطئ الأول لحالة طفلهما، تصرف سريع لم يسعفه أيضاً: «سألنا عن أحسن مستشفى أطفال فى مصر قالوا اسمها كيدز فى المهندسين، رحنا وهناك شافه دكتور بيتر وخليناه يكشف عليه ٣ مرات، كل مرة يكشف يقول لنا مافيهوش حاجة وهيصحى ياكل أكله، محاولات مستمرة لإرضاعه دون نتيجة، خلينا الدكتور يكشف تانى قال لنا برضه مافيهوش حاجة، أحمد زوجى قاله ابنى داخل فى ٩ ساعات مأكلش يقول لنا ابنكو سليم مية ف المية روحوا».
تشخيص خاطئ للمرة الثانية جعل الأمور تنحدر للأسوأ، حاول الوالدان إطعام الصغير بـ«البيبرونة» لكنها ذهبت سدى: «نزلنا تانى لمستشفى السلام الدولى باعتبارها أحسن مستشفى طوارئ فى مصر، هناك فضلنا تلات ساعه مستنيين دكتور الطوارئ ينزلنا، كشف عليه وقال لنا نعمله تحليل دم عملنا التحاليل، ورحنا كشفنا عند الاستشارى بتاعهم دكتور اسمه «بهاء حسنين» وقال لنا ابنكو سليم روحوا البيت، نقوله حضرتك ده داخل فى ١٥ ساعة مصحيش ووشه باهت ومأكلش يقول لنا عادى، نقوله إزاى طفل يعيش كده؟ يقول لنا نقطوا له لبن بالسرنجة، وعملنا الاقتراح الفاشل اللى اكتشفنا بعد كده إنه تسبب فى التهاب على الرئة»، ظهرت نتيجة التحاليل لكن الطبيب كان قد رحل دون أن يراها، اتصل به الأب ليبلغه الأرقام على الهاتف فكان رده: «تمام روحوا البيت».
خمسة أطباء على التوالى لهم نفس الرأى كذبوا بتشخيصهم ما رآه الوالدان بجلاء، فهم من ناحية يؤكدون أن الصغير بخير ولا داعى للقلق ومن ناحية أخرى يعلم الوالدان جيداً أن صغيرهما به خطب ما، وهو الحدس الذى استجابا له وواصلا رحلتهما: «مرضناش نروح، وقعدنا نتحايل عليه يحجزوه فى الحضانة عندهم، كنا خايفين يحصله أى حاجة فى البيت ومش مقتنعين إنه طبيعى ينام ١٥ ساعة، مارضيوش وقالوا لنا مش هينفع ندخله الحضانة، قلنا لهم طيب سيبوه تحت الملاحظة عشان لو احتاج نعلق له محاليل، قالوا لنا لا مش هينفع امشوا».
لم تعمل مى وزوجها بنصيحة الأطباء: «مشينا على مستشفى يسرى جوهر اللى اتولد فيها، حاولنا نصحيه ونحميه ونأكله مفيش استجابة، الدكتورة هناك قالت لنا ده محتاج سونار على المعدة وعلى المخ، نزلنا على أقرب مستشفى فيها سونار» فى الطريق بدأ الصغير يصدر أصواتاً غير مطمئنة من صدره: «خفنا ورحنا على أقرب مستشفى كانت علاء عزت، أول ما الدكتورة هايدى شافته صرخت وندهت الممرضة تاخده الحضانة وقالت لنا ده عنده صدمة، جه دكتور عبدالمجيد الاستشارى قال لنا حالته خطيرة جداً وأى دكتور شافه وقال لكم روحوا (مجرم)»، لم تستمر معاناة يونس طويلاً، لم يكد يكمل ١٧ ساعة فى الحضانة حتى فاضت روحه البريئة إلى ربه: «طلع عنده حاجات كتير لغاية دلوقتى مش متأكدين من سبب الوفاة بالظبط، كان فيه فتأ فى الحجاب الحاجز، والتهاب فى الرئة، وأكسجين قليل، وضعف فى عضلة القلب، مع شك فى وجود فيروس على المخ».
الأم التى فقدت طفلها الأول وحلمها الأول أيضاً بدت راضية بقضاء الله لكنها لم تكن راضية بحال عن قضاء الأطباء: «المشكلة فى كل دكتور شافه واستسهل ومعملش الفحوصات المطلوبة، لو كانوا بس قاسوا الضغط أو سمعوا صدره أو عملوا أشعة كانوا عرفوا ماله، قضاء ربنا نافذ لكن حزننا نابع من شعورنا إننا كنا ممكن نلحقه، بس بسبب إهمال واستسهال الدكاترة ملحقناش».
«أنا اتشخص لى 4 أمراض من أربع دكاترة.. المشكلة مش فى كده المشكلة إنى لسه تعبان.. عمار يا مصر» فى حالة من السخرية الممزوجة بالمرارة اعتاد أحمد نجيب أن يتوجه إلى أصدقائه ومحبيه بالجديد عن حالته الصحية، كان هذا فى شهر يونيو الماضى، لم يكن أحمد حينها يعلم أنه على موعد مع سلسلة طويلة من التشخيصات الخاطئة التى انتهت بوفاته، لمياء شقيقة الشاب الراحل ورفيقة المشوار القصير تتحدث عن الرحلة المروعة: «أحمد عانى من آلام فى المعدة وفى الظهر أيام امتحاناته النهائية، بعد انتهاء الامتحانات راح لكذا دكتور، واحد قال إنه التهاب فى المعدة وكتب له على أدوية وتابع معاها كام يوم بس ماحسش بأدنى فرق وبعدها راح للدكتور التانى واللى قال إنه تسمم نتيجة أكل المطاعم وكتب له على مطهر معوى، وبرضه محسش بأى فرق، دكتور تالت قال إنه قولون عصبى، ورابع قال إنه نفسى، وهكذا».
رحلة ليست بالقصيرة انتهت عند أحد الأطباء بمنطقة الدقى، طلب تحليل دم وأجرى بنفسه سونار أوضح وجود تضخم فى الطحال بنسبة ٦ مل، فيما أثبت تحليل الدم أنه مصاب باللوكيميا (سرطان الدم)» تتعجب لمياء من كافة الأطباء الذين شخصوا دون إجراء تحاليل أو أشعة: «يعنى هو لو كان الطبيب الأول طلب التحليل كان تم اكتشافه مبكراً حتى ولو فرقت بضع أيام، لكن بكل أسف رحلتنا أثبتت إن الطبيب لا يراعى ضميره ويكتفى بتجميع «الفيزيتا» أتساءل كيف السبيل لمحاسبة هؤلاء قانوناً؟».

{long_qoute_1}


حين ذهب أحمد إلى معهد الأورام بناء على تحويل مستشفى الطلبة عقب أسبوعين من العلاج، عاودت أحمد أعراض المرض من جديد، تقول لمياء: «طلبنا أشعة مقطعية وبالصبغة على المعدة والمخ، لأنه كان بيعانى من صداع شديد، لكن الطبيب المعالج اكتفى بإنه يديله مسكن مرتين كل ٨ ساعات، وقال إن اللى بيحصل طبيعى حتى دون التأكد والاهتمام بعمل أشعة، وللأسف تدهورت حالة أحمد ودخل فى غيبوبة» لم تكن تلك هى النهاية مع التشخيصات الخاطئة التى اعتبرت الغيبوبة وتدهور الحالة سببه جلطة، بينما الحقيقة كشفها 10 أطباء من أصل 30 أكدوا: «الصداع الشديد وسبب الغيبوبة كان ورماً فى المخ لم يتم علاجه بالطريقة الصحيحة ونتيجة التشخيص الخاطئ، والعلاج الخاطئ أيضاً حدثت أعراض جانبية لأحد الأدوية سببت نزيفاً وليس جلطة ليتوفى أحمد عقب 12 يوماً من الغيبوبة».

{long_qoute_2}


تشخيصات متنوعة لنوع الورم تلقتها آية حمدى، الشابة ذات الـ12 ربيعاً لم تدر نوع الورم لديها حتى موعد عمليتها: «بره المعهد القومى للأورام قالوا ورمى حميد، جوه المعهد الدكتور قال لى مش عارف أعمل إيه، هو شكلاً باين خبيث، هانديكى كيماوى وخلاص» أكثر من عام قضتها تعالج كيميائياً انتهت بإزالة الورم مع الفك السفلى، لا تعرف الشابة البالغة من العمر الآن 17 عاماً إذا كان ورمها وقت العملية خبيثاً أم حميداً؟ وهل كان يستدعى العملية أم لا؟ كل ما تعرفه أنها ما زالت تعانى حتى الآن وتحتاج إلى عملية مؤجلة منذ عامين بالتمام والكمال: «داخلة على خمس سنين فى المشكلة دى، الأورام راحت لكن لسة محتاجة عملية لتجميل الفك، اتحجزت أخيراً عشان أعملها إدونى دوا غلط فى المعهد واتأجلت تانى، ومحدش عاوز يعملهالى؟».


مواضيع متعلقة