شهر رمضان.. قوة ناعمة مصرية

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

رمضان في مصر حاجة تانية فعلا، هذا واقع، فلا مقارنة بين أجواء الشهر المبارك بين حلوله في مصر وأي بلد آخر.

رمضان في مصر ضيف عزيز، يستقبله المصريون بفرح غامر، فهو ليس شهر للصيام والعبادة فحسب، بل موسم تزدهر فيه القيم الروحانية وتتجلى فيه التقاليد العريقة.

على مدى القرون، تطورت الاحتفالات الرمضانية في مصر، فبات الشهر الكريم من أكثر شهور العام بهجةً، حيث تجتمع العائلات، وتتلألأ الفوانيس في الشوارع، وتنتشر الروائح الزكية لوجبات الإفطار الشهية.

يُعدّ رمضان شهر البركة والتقوى، يُقبل فيه المسلمون على الصيام والقيام، وتتضاعف الحسنات، وتُفتح أبواب الرحمة والمغفرة.

يمتاز الشهر بأجوائه الإيمانية التي تجمع بين التضرع إلى الله، وقراءة القرآن، وصلاة التراويح، إلى جانب أعمال الخير والصدقات.

في مصر، يحرص الناس على إطعام الصائمين عبر "موائد الرحمن" المنتشرة في الأحياء، حيث يجتمع الغني والفقير في مظهر اجتماعي يعكس روح التكافل والتآخي.

منذ دخول الإسلام إلى مصر، كان لشهر رمضان طابع خاص، إلا أن العصر الفاطمي مثّل نقطة تحول رئيسية في الاحتفالات الرمضانية.

يُقال إن الفاطميين أول من أدخل عادة الفوانيس إلى رمضان، حيث خرج الناس لاستقبال الخليفة الفاطمي، عندما دخل القاهرة لأول مرة في وقت متأخر ليلا، حاملين الفوانيس المضيئة، ومنذ ذلك الحين، أصبح الفانوس رمزًا لهذا الشهر الفضيل.

كما أن الدولة الفاطمية اهتمت بإعداد موائد الرحمن وتوزيع الحلوى، واخترع الفاطميون الكنافة ومدوا موعد السحور ليلا فأتيح للناس السهر إلى وقت متأخر نسبيا، وهو ما استمر حتى يومنا هذا.

مع مرور الزمن، أخذت مظاهر رمضان تتطور، فظهر مدفع الإفطار وأصبح وسيلةً ينتظرها الصائمون لبدء تناول الطعام.

أما حلقات الذكر والابتهالات، فهي جزء أساسي من ليالي رمضان في القاهرة التاريخية، حيث المساجد الكبرى مثل الأزهر الشريف والحسين والسيدة زينب وغيرها تشهد توافد المصلين من كل حدب وصوب.

رمضان في مصر ليس طقوس دينية فحسب، بل حالة مجتمعية متكاملة، تبدأ منذ رؤية الهلال، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس والزينات، وتدب الحياة في الحارات الشعبية والمقاهي.

تبدأ الأسر المصرية استعداداتها بتحضير الياميش والتمر، ويظل طبق "الكنافة والقطايف" سيد الحلويات الرمضانية منذ العصر الفاطمي، حيث كانت تُحضر خصيصًا في القصور الملكية قبل أن تنتشر بين عامة الشعب.

عند أذان المغرب، تتجمع العائلات حول موائد الإفطار، التي لا تخلو من الشوربة، المحاشي، والسلطات، إلى جانب التمر والمشروبات الرمضانية مثل قمر الدين والعرقسوس.

وبعد الإفطار، ينطلق الرجال والشباب إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، بينما يفضل البعض السهر في الأحياء القديمة مثل الحسين وخان الخليلي، حيث تمتزج الأضواء مع رائحة البخور، وتصدح أصوات المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول السحور بكلمات تحمل عبق الزمن الجميل.

لا يقتصر تأثير رمضان على مصر فحسب، بل يمتد ليشكل قوة ناعمة تؤثر في دول الأمة العربية والإسلامية.

فمن مصر انتشرت العديد من مظاهر الحياة الرمضانية إلى دول أخرى، مثل مدفع الإفطار الذي أصبح تقليدًا شائعًا في بعض الدول العربية.

كما أن عادات السهر بعد الإفطار، والتي تمتاز بها الشوارع المصرية المضيئة والمفعمة بالحيوية، انتقلت إلى مجتمعات عربية أخرى.

الإعلام المصري كان له دور بارز في ترسيخ تأثير مصر الرمضاني، حيث أصبحت المسلسلات الدرامية المصرية عنصرًا أساسيًا في البيوت العربية خلال الشهر الكريم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عادة قراءة القرآن في التجمعات والقاعات العامة، والتي تميز الليالي الرمضانية في مصر، وجدت طريقها إلى مجتمعات أخرى، ما يبرز مكانة مصر كمركز ثقافي وروحي في العالم الإسلامي وقوة ناعمة في مجالات عديدة.

يمثل رمضان فرصة لترابط المجتمع المصري، حيث يجتمع الجيران والأقارب في أجواء عائلية دافئة، وتزداد الزيارات والتواصل الاجتماعي.

ولا يزال الأطفال بنسبة ما، خاصة في الأحياء الشعبية، يحتفظون بفرحتهم الخاصة في هذا الشهر، حيث يجوبون الشوارع حاملين الفوانيس، مرددين الأغاني الرمضانية التي ترسّخ في قلوبهم حب هذا الشهر.

أما الإعلام، فقد أصبح جزءًا من الأجواء الرمضانية، حيث يترقب المصريون الدراما التلفزيونية والبرامج الرمضانية التي باتت من طقوس السهر، إلى جانب الخيم الرمضانية التي تحيي التراث الفني والموسيقي.

رمضان في مصر ليس شهرا للصيام والأجواء الدينية فحسب، بل حالة روحانية واجتماعية لا تتكرر، تمتزج فيها العبادات بالعادات والتقاليد، ليبقى الشهر محطة مضيئة في حياة المصريين، تتجدد فيه الألفة، ويعم الخير، وتنشر الفوانيس نورها في شوارع البلاد، علامة أن رمضان في مصر شهر البهجة والمحبة بكل تفاصيله الفريدة.