لكل نصاب نصيب
فى بداية التسعينات ظهرت شركات اشتهرت بتوظيف الأموال، وأشهرها (الريان، السعد، الهدى).. وبدأت معها فكرة «تحريم فوائد البنوك» بزعم أنها ربوية، والتي روج لها آنذاك العديد من رجال الدين كان أشهرهم «محمد متولى الشعراوي»، وبفعل الدعاية المكثفة والغطاء الديني تعرض الناس لسحر ما جعلهم يضعون أموالهم فى هذه الشركات «التي تتقى الله» فتمنح عائداً مادياً عالياً، خاصة بالمقارنة بأسعار الفائدة فى البنوك المصرية التي كانت منخفضة حينها.
وظهر مع هذه الشركات مصطلحات مثل: كشوف البركة، الربح والمرابحة.. إلخ. المهم أن كشوف البركة كانت تمنح أرباحاً لعدد من المسئولين المرتشين مقابل فوائد تتجاوز الخمسين بالمائة (رشوة مقنعة).
انتهت ظاهرة شركات توظيف الأموال بهروب أو سجن من كانوا يعملون فيها، بعد أن عجزوا عن الوفاء بوعودهم بدفع الفوائد أو رد أموال المودعين.
وتسببت قضاياهم وقتها فى هزة اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع المصري، بعد أن تبخرت أموالُ الناس فى مُضاربات وهمية وتجارة فى أسواق الذهب والبورصات العالمية بطريقة عشوائية غير مدروسة.
وفى قمة نجاح هذه الشركات وقبل أن تستولى على أموال المواطنين وتمنحهم بدلاً منها مكرونة وثلاجات، كنت أعمل محررة اقتصادية فى مجلة (الحوادث اللبنانية)، والتقيت أحدهم فى قصره المنيف، وكان يستخدم إذاعياً شهيراً فى الدعاية، وأجريت معه حواراً فلم أجد إلا «عيل عمره 30 سنة» لا يفهم فى الاقتصاد ولا الاستثمار، وكل همه قطف النساء اللاتى يذهبن إلى مكتبه (!!).
وتأتى بداية الألفية الثالثة، ويتم تدشين أول بنك إسلامي لرجل أعمال عربي، ويشاء القدر أيضاً أن أعمل فى مؤسسته الإعلامية، قبل أن ينقل شركته القابضة إلى دبى هرباً من توزيع الأرباح على الموظفين المصريين ودفع ضرائب أقل (مؤمن أوى يا خال).
ولفهم هذه الظاهرة ذهبت أيضاً إلى الدكتور «حازم الببلاوى»، رئيس وزراء مصر الأسبق، الذى كان يترأس وقتها أحد البنوك المصرية، وأكد فى حواره لى أن الفرق بين «الربح» أن فوائده تحسب من بداية إيداع المبلغ فى البنك (وهذا ما يقول الإسلامجية أنه ربا)، أما «المرابحة» فهى شبه شراكة بين البنك والعميل لا تبدأ إلا بعد تشغيل المبلغ المودع (وأعتقد أن الفائدة متحركة مع المكسب والخسارة وهو ما اعتبرته نصباً).. وبالتأكيد فإن الفروع المصرفية التى ترفع اسم إسلامية تتعامل مع بنوكنا (الربوية - الطبيعية) ومع البوصات العالمية (أتمنى تكون وصلت الفكرة المعقدة).
هكذا أصبحت الذقون هى «السبيل إلى الربح الحلال»، وأصبح «الزبون» ضحية حتى إشعار آخر لأى مستريح وكل مستريح.. رغم أنه يدعى أنه يتعامل مع المستريحين لتحرى الحلال من الحرام وهو لا يعلم أين يتم استثمار أمواله!!.
لأنه دخل فى الحقيقة من باب الطمع والجشع، وربما ليستثمر ثروة جاءت من طرق غير مشروعة ولا يدفع عنها ضرائب (الاقتصاد السرى).. أما البسطاء من الضحايا الذى باع بقرته والتى باعت صيغتها فلهم رب.
أول شركة تأسست على هذا النحو كانت تسمى «جلوبال آد» وتتعامل بالدولار (وقتما كان سعره سبعة جنيهات)، وابتكرت فكرة الشجرة أن تحصل على أرباح وهمية تتجاوز 100% مقابل أن تورط 10 وكل عشرة يورطوا عشرة بعدهم وهكذا دخل الآلاف وضاعت ملايين المصريين.
ومستريح بعد مستريح وصلنا إلى منصة FBC، والتى نصبت على عشرات الآلاف بمليارات الدولارات، وكان يتم منح العميل أموالاً مقابل مشاهدة الفيديوهات على يوتيوب (جاءت للكثير منا على الموبايل لينكات للاشتراك)، واتخذت المنصة تليجرام منصة لها، وكان هدف المنصة الأول هو النصب على المصريين، حيث أوهمت العديد من المودعين أن أموالهم سوف تعود لهم أضعافاً.
ثم أغلقت المنصة موقعها فى لمح البصر وطارت فلوس المصريين، وفتحت النيابة العامة تحقيقات موسعة فى البلاغات المقدمة ضد المتهمين بالنصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم.
ويواجه المتهمون فى القضية عدة اتهامات، أبرزها الاحتيال والاستيلاء على الأموال بطرق غير مشروعة عن طريق وسائل احتيالية، بما يندرج تحت جرائم النصب وتحقيق الغرض الإجرامي والقصد الجنائي، وممارسة نشاط غير مرخص فى مجال المعاملات المالية بالمخالفة لقانون (البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020)، وتشغيل منصة استثمار وجمع أموال دون ترخيص من الجهات المختصة، وإدارة كيان على الإنترنت بغرض الاحتيال الإلكتروني.
وقبل أن تنتهى التحقيقات فى منصة FBC ظهرت - خلال كتابة هذا المقال- RGA.. فطالما الجشع موجود والجهل منتشر والفلوس الملوثة أيضاً متوفرة سوف يبقى «المستريح» على طاولة القمار التي يرمى عليها البعض كل ما لديه أملاً فى تعويض ما خسره مع مستريح سابق.