بحثا عن مصر (1)

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

كثيرة هي الكتب التي صدرت عن مصر، فدرست كل شيء فيها، أهلها وطقوسهم، عاداتهم وتقاليدهم، وأرضها وجغرافيتها، في واديها ودلتاها وصحاريها، وعمرانها وبنيانها، وتاريخها وأيامها وحولياتها الضاربة في الزمن البعيد، وآدابها التي أنتجتها النخبة وولدت من قرائح شعبها، وعبرت عن مخيلتها وعقلها الجمعي، وعلومها وفنونها وموسيقاها وطربها، ومعاركها أيام الحروب، وسكينتها أيام السلم.

من بين الكتب التي قرأتها، أو اطلعت عليها، وحفرت لها في عقلي ونفسي موضعاً «شخصية مصر» لجمال حمدان، و«وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية، و«ولع مصري» للفرنسي روبير سوليه، و«عادات المصريين وشمائلهم» لإدوارد لين، و«فجر الضمير» لجيمس هنري بريستيد، و«ديانة مصر القديمة» لأدولف إرمان، و«في المسألة المصرية» لصبحى وحيدة، و«المعبد في الدولة الحديثة في مصر الفرعونية» لبهاء الدين إبراهيم محمود.

وكتابات سيد عويس في الاجتماع، وسليمان حزين وعاطف معتمد في الجغرافيا، ورشدى سعيد ويحيى القزاز في الجيولوجيا، وفي التاريخ لابن تغرى بردى الأتابكى، وابن خلكان، والجبرتى، وعبدالرحمن الرافعى، وأحمد حسين، وسليم نسيم، وفي الآثار الموسوعة الخالدة لسليم حسن، وفي الأدب تجلت مصر في أشعار المصريين ورواياتهم وقصصهم، وعددهم هنا كبير جداً، لا يمكن ذكره في مقال، ويكفي هنا أن نشير إلى الكتاب المهم للأستاذ محمد جبريل «مصر في قصص كتّابها المعاصرين» بمجلداته الثلاثة.

لهذا سعدت سعادة بالغة حين وقع في يدى كتاب لواحد من عشاق مصر والمخلصين لها، وهو الدكتور خالد عزب، وهو رجل توالت كتبه في علم الآثار، لا سيما الآثار الإسلامية، وفي الجوانب الاجتماعية والسياسية للعمارة، وعلى مستوى أبعد وأعمق في «علم العمران»، الذى يعود في الثقافة العربية الإسلامية إلى ابن خلدون.

كانت أغلب إسهامات «عزب» تدور في هذا الجانب، بحكم تخصصه الأكاديمى، لكنه في السنوات الأخيرة وسّع اهتمامه البحثى، وكذلك كتاباته الصحفية، لتمتد إلى المجال العام بمختلف شئونه وشجونه.

كان من قبل يمس الهم العام من بعيد، فصار الآن يقع في قلبه، متسائلاً، ومشاكساً، ومساهماً في تداول الرأى بشأنه، ليس بوصفه أكاديمياً بل أيضاً مواطن مصرى منتمٍ، يدرك أن عليه واجب الإسهام في الإجابة عن بعض الأسئلة التى تشغل الناس.

ضمن هذا الاهتمام يأتى كتاب «عزب»: «البحث عن مصر»، الصادر عن مؤسسة «بيت الحكمة»، والذى تحتشد فيه ألوان من المعرفة، ولا يخلو أى لون فيها من إسهام لافت، وأفكار تستحق النظر والاعتبار.

ينطلق الكاتب من أن «البحث عن مصر» فريضة واجبة، يتطلب أداؤها أن يسأل كل منا نفسه: أين أنا؟ ومن أين أتيت؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ ليس بالمعنى الوجودى، الخاص بخلق الإنسان عموماً ومسار حياته ومآله في النهاية، إنما بالمعنى الدنيوى أو الحياتى التى يمس العيش، ويحاول أن يصل إلى إطار تفسيرى له، يعرف فيه كل منا: من هو؟ وماذا يريد؟ وما هو دوره؟ وأى مستقبل ينتظره؟

ويتساءل الكاتب نفسه: هل نحن بحاجة في القرن الحادى والعشرين أن نبحث عن مصر، وننظر بشكل أعمق في معنى الوطن والوطنية؟ وأن نقف على التغير الذى حدث في بلادنا، ونعرف كيف أعاد المصريون اكتشاف مصر؟

يبدأ الكتاب بعبارة لافتة تقول: «التحولات الحقيقية في مصر حدثت نتيجة رغبة المصريين في إعادة بناء مصر بصورة مختلفة، وحينما كان رأس السلطة يذهب بعيداً سرعان ما تعود مصر إلى مصر مرة أخرى».

يحوى الكتاب عدة مقالات ودراسات مكتوبة بأسلوب سلس، وتطرح آراء وأفكاراً مهمة حول هوية مصر، وكيف يفتقر تدريس التاريخ في مدارسنا إلى التعبير الكافي عن هذه الهوية، وتاريخ استقلال مصر وقيام دولتها المعاصرة عام 1922، وهو تاريخ لا يعرفه أغلبية المصريين، وهنا يقول الكاتب: «الأجيال الصاعدة في مصر لا تعرف يوم الاستقلال المصرى 15 مارس 1922 في حين يقرأون عن يوم الاستقلال الأمريكى، ويعرفه طلاب المدارس الأجنبية في مصر».