الكونجرس.. واحتمالات فشل الاتفاق النووى

يبدو أن اتفاق التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى سوف يواجه مصاعب ضخمة تعيق تمريره داخل مجلسى الكونجرس، وثمة احتمالات كبيرة فى أن يخفق الاتفاق فى الحصول على الأغلبية داخل مجلسى النواب والشيوخ، ويجد الرئيس أوباما نفسه مضطراً لأن يستخدم حق الفيتو لتمرير الاتفاق دون موافقة الكونجرس.
ويخوض الرئيس الأمريكى أوباما ما يقرب من أن تكون حرباً حقيقية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وجماعات الضغط الصهيونية، بما فى ذلك منظمة الإيباك، أكبر هذه الجماعات وأخطرها، التى يتهمها الرئيس أوباما بإنفاق أكثر من 20 مليون دولار فى حملة دعائية ضخمة تستهدف تشويه الاتفاق، والتأثير على مواقف أعضاء الكونجرس فى المجلسين، وجر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة فى الشرق الأوسط دون مسوغ!، كما نجحت جماعات الضغط الصهيونية قبل عدة سنوات فى دفع الولايات المتحدة إلى غزو العراق بدعوى أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، نووية وكيميائية وجرثومية، الأمر الذى ورط واشنطن فى حرب دمرت الاقتصاد الأمريكى واستنزفت قدراته دون مبرر قبل أن يثبت المفتشون الدوليون أن العراق لم يكن يملك أياً من أسلحة الدمار الشامل.
وبرغم مخاوف قوى سياسية مهمة داخل إسرائيل، بينها معظم أحزاب المعارضة، وشخصيات إسرائيلية مؤثرة، من أن يؤدى إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مواصلة حملته ضد اتفاق التسوية السلمية ومحاولة إفشاله داخل الكونجرس إلى إفساد العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل.. وبرغم نصائحهم المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، بأن اتفاق التسوية السلمية أصبح بالفعل حقيقة واقعة يساندها الشعب الأمريكى الذى يرفض التورط فى حرب جديدة فى الشرق الأوسط، ويساندها جميع دول أوروبا وشعوبها، إضافة إلى روسيا والصين وغالبية المجتمع الدولى، وأن الخيار الصحيح لإسرائيل هو وقف حملاتها ضد الاتفاق، والمساهمة الإيجابية الجادة فى دعم الضمانات التى تمنع إيران من فرصة الحصول على سلاح نووى، واستثمار الفرصة المتاحة للحصول على مزيد من الدعم الأمريكى لإسرائيل يحقق لها التفوق الاستراتيجى الكامل على كل قوى الشرق الأوسط، بما فى ذلك إيران، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى يصر على تقويض الاتفاق وإفشاله داخل الكونجرس الأمريكى، رغم المخاطر الضخمة التى يمكن أن تؤثر على علاقات إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة أن إسرائيل لن يكون فى وسعها منفردة القيام بعمل عسكرى يدمر البنية الأساسية لبرنامج إيران النووى الذى تتوزع مؤسساته على مواقع عديدة، بعضها يقبع تحت سطح الأرض يصعب تدميره من خلال عمليات القصف الجوى.
وبحساب «نتنياهو» فإن فرص تقويض الاتفاق داخل الكونجرس الذى يسيطر عليه الجمهوريون، ويبدأ مناقشة الاتفاق فى سبتمبر المقبل ممكنة، بسبب المعارضة المتزايدة لعدد من كبار النواب الأمريكيين، يرون أن إيران سوف تواصل سعيها للحصول على سلاح نووى ومن الأفضل الإبقاء على العقوبات الاقتصادية ضد إيران وتعزيزها إلى أن يرضخ الإيرانيون، ويقبلوا الإلغاء الكامل لبرنامجهم النووى وهدم بنيته الأساسية والامتناع النهائى عن تخصيب اليورانيوم، خاصة أن الأغلبية الجمهورية داخل المجلسين تستطيع إسقاط الاتفاق إذا انضم إليها حفنة من الديمقراطيين تتمثل فى 13 سيناتوراً و44 من أعضاء مجلس النواب.
وواقع الحال يؤكد أن حسبة «نتنياهو» يمكن أن تتحقق بالفعل على أرض الواقع، ويضطر الرئيس أوباما الذى يعتبر اتفاق التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى أهم إنجازات فترة حكمه إلى استخدام حق الفيتو لتمرير الاتفاق دون موافقة الكونجرس، بما يزيد الأزمة بين الرئيس أوباما ومجلسى الكونجرس تعقيداً، خاصة أن الكونجرس يحتاج إلى موافقة ثلثى أعضاء المجلسين، النواب والشيوخ، لوقف تنفيذ قرار الرئيس بتمرير الاتفاق، وثمة ما يؤكد أن معارضى الاتفاق داخل مجلسى الكونجرس لا يملكون أغلبية الثلثين.
وما يزيد من فرص فشل «نتنياهو» وجماعات الضغط الصهيونى اعتمادهم على معلومات غير موثقة وغير دقيقة لتشويه بنود الاتفاق، بينها صور أقمار صناعية لعدد من الجرافات، تقول تقارير إسرائيلية إنها تعمل فى موقع بارشين العسكرى لإزالة آثار تجارب نووية، اتضح أخيراً أنها تعمل فى رصف طريق ترابى قريب من الموقع العسكرى، فضلاً عن غلو مطالب إسرائيل وجماعات الضغط الذين يطالبون بتدمير البنية الأساسية لبرنامج إيران النووى على نحو شامل، ومنعها من تخصيب اليورانيوم، إضافة إلى تسلطهم على الكونجرس الأمريكى بمجلسيه وتحريضه على الرئيس الأمريكى بما زاد من غضب الرأى العام الأمريكى على تدخل إسرائيل والجماعات اليهودية المتزايد فى الشأن الأمريكى.
لقد كان بنيامين نتنياهو يأمل فى موقف موحد من اتفاق التسوية السلمية مع السعودية ودول الخليج، يعزز جهود إسرائيل وجماعات الضغط لإفشال الاتفاق داخل الكونجرس، بدعوى أن الاتفاق الذى نجحت طهران فى حصره وحصاره داخل قضية الملف النووى الإيرانى، ولم يتضمن أى التزام إيرانى بالكف عن مساندة العنف وجماعات الإرهاب فى الشرق الأوسط، سوف يطلق العنان لطهران كى تمدد نفوذها فى منطقة الخليج والشرق الأوسط على حساب الأمن العربى، وسوف يمكنها من الاستمرار فى تدخلها السافر فى الشأن الخليجى وتحريض الأقليات الشيعية فى هذه الدول على العبث بأمنها واستقرارها، كما يمكنها من مضاعفة مساندتها للحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان وبشار الأسد فى سوريا بعد رفع العقوبات الاقتصادية وإنهاء الحظر على تجارتها البترولية والإفراج عن أرصدتها المتجمدة فى بنوك أوروبا والولايات المتحدة التى تتجاوز 100 مليار دولار.. لكن الرئيس الأمريكى أوباما نجح فى تثبيت مواقف السعودية ودول الخليج التى تتراوح مواقفها الآن بين قبول الاتفاق كرهاً تحت ضغوط الإدارة الأمريكية، والتزام التحفظ الصامت على الاتفاق انتظاراً لما سوف تسفر عنه نتائج التطبيق.
وما من شك أن تفرد إسرائيل بهذا العداء القوى للاتفاق من دون دول العالم أجمع، وحرصها على إفشاله رغم مساندة غالبية المجتمع الدولى يضعف موقف رئيس الوزراء الإسرائيلى كثيراً، خاصة أن إسرائيل تملك ترسانة نووية تضم أكثر من 200 قنبلة نووية لا تخضع لأى تفتيش دولى.. ومع ذلك يصر «نتنياهو» على الاستمرار فى مغامرته بدعوى أنه لم يعد باقياً لإدارة أوباما فى الحكم سوى أقل من عام، يتحول خلاله الرئيس الأمريكى إلى بطة عرجاء لا تهش ولا تنش ولا تستطيع أن تضر أو تنفع، وربما يكون ذلك صحيحاً بالفعل، لكن «نتنياهو» وجماعات الضغط الصهيونية يتجاهلون تماماً الآثار المتراكمة لدى الرأى العام الأمريكى بسبب تدخل هذه الجماعات فى الشأن الداخلى الأمريكى، وتحريض الكونجرس على الرئيس، وتجاهل مصالح الولايات المتحدة التى ترفض الدخول فى حرب جديدة فى الشرق الأوسط بسبب الملف النووى الإيرانى بعد أن نجح أوباما فى إغلاق كل الطرق أمام فرص حصول إيران على القنبلة النووية.