نسل شهاب الدين

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

فاجأني «أحمد حسني وديع» بأنه يكتب رواية. عرفته صحفيا لعشرين سنة، ينتقل من الصحف الورقية إلى الإلكترونية، مارا بوسائل إعلام مسموعة ومرئية، محلية وعربية، وكان له في كل منبر أو منصة أو إصدار مَن يشهد له بالكفاءة.

وقبل سنوات، أخبرني بأنّه يعد أطروحة ماجستير في العلوم السياسية بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة، وشرح لي الموضوع فوجدته مهما، وشجعته على أن يمضي فيه قدما، وهو ما يفعله الآن.

فوجئت به يرسل لي ملفا على الإنترنت يحوي فصلا من رواية، وقال لي: أتمنى أن تقرأ هذا، وتدلي برأيك، لأستفيد منه. قرأت ما كتب، فوجدت كاتبه يمتلك قدرة على السرد، ويقيم على مهل معمارا روائيا جيدا، ويصيغ حكاية تراوح بين الذاتي، الذي يعرف المقربون من الكاتب طرفا منه، وبين الموضوعي الموصول بالسياق العام. بعد أن قرأت ما أرسله إليَّ، قلت له: واصل، سيكون عملا جيدا. وواصل بالفعل، وأجاد على قدر استطاعته، وبدا متمكنا من أدواته، قياسا إلى خصائص العمل الروائي الأول وسماته، ولذا لم أفاجأ بوصول روايته إلى القائمة القصيرة من جائزة خيري شلبي، التي أصبحت تقدم لنا كل عام مجموعة من الشباب الموهوبين في الكتابة الروائية.

أسعدني هذا، واعتبرتها شهادة من لجنة التحكيم على أننا أمام رواية جيدة، وقدرت أنها بادرة قوية ستشجع مؤلفها على أن يواصل ما بعدها، لننتظر منه في قابل السنوات ما يتخطى تجارب العمل الأدبي الأول، وإن كان في تاريخ الأدب من أنتجوا عملا واحدا، وكان عظيما، وبقي في ذاكرة الأدب، يقاوم كل عوامل التعرية التي يدفعها الزمن في الطريق.

يطول زمن رواية «نسل شهاب الدين» من ستينيات القرن العشرين وحتى أيامنا هذه، ويمتد مكانها بين أسيوط في صعيد مصر إلى القاهرة، ثم مدن ليبيا، وتبزغ فكرتها المركزية متشربةً طبائع الأشياء، وأقدار البشر، ومسارات العيش، حيث صراع الأجيال والتمرد، وتنوع الناس بين الخيرين والأشرار، وانتقال الفرد نفسه بين ضحية وجانٍ، واستمرار الحياة كلها هو نوع من الكد والكدح، والنكد والكَبَد، الذي يحتد ويشتد حتى نجد أن حياة أغلب أبطال الرواية، انتهت بالانتحار أو القتل، بعد أن انهزموا في مواجهة الظرف القاسية المتقلبة، وحتى من ظفر منهم بشيء، لم يكن ما حصده يخلو من مرارات وفواجع.

ولعل اتخاذ الكاتب ضمير «الأنا» في «رواية أصوات» كان اختيارا موفقا، وفيه قدر من الجسارة إن أخذنا في الاعتبار أنها الرواية الأولى لصاحبها، ليخرج من ذاته هو إلى ذوات شخصياته التي يحكي كل منهم طرفا من الحكاية العامة، لتكتمل الرواية.

إنها شخصيات تنحدر من نسل عائلة صعيدية مهددة بالانقراض، بعد أن أنجب كبيرها العمدة «شهاب الدين» ولدين هما: «منصور» و«عادل»، وكل منهما أنجب ولدا واحدا هما «يحيى»، و«علي».

أوصى العمدة بزيادة الإنجاب، لكن حفيده «يحيى» انضم لتنظيم إرهابي وغادر إلى ليبيا، وتعذر رجوعه إلى مصر، بينما يجد الحفيد الآخر «علي» نفسه مطاردا من قبل ضابط شرطة كبير كان قد تزوج من طليقة «علي»، وكتب باسمها ثروته، لكنها غافلته وسجلتها باسم «علي» قبل انتحارها بقليل.

لاذ «علي» بعمه «عادل»، الذي قرر قتل الضابط ليحمي الشخص الوحيد الذي بوسعه تنفيذ وصية جدهم بالحفاظ على نسل العائلة، ويتمكن من قتله بالفعل، ليُفاجأ بأن ابن أخيه وقع في غرام فتاة مسيحية، فيغضب لأنه لا يريد لنسل «شهاب الدين» أن يستمر من هذا الباب، فحاول إثناء ابن شقيقه عن الأمر لكن «علي» تمسك بما يريد، فلم يجد بُدا، وفق تفكيره العنيف، من قتل الفتاة، فقرر «علي» الانتحار، لكنه قبل أن ينتحر يخبر «سامية» صديقته بكل ما فعله عمه، فتبلغ النيابة، فيُقبض على «عادل»، ويُحاكم لكن براعة محاميه تجلب له البراءة.

يضع الكاتب في مطلع روايته، بيتين من الشعر لعبدالله علي العنزي يقولان:

«عبروا الموج ولمَّا علموا.. خطأ الوجهة لم يستدركوا

كلّما مروا على أحلامهم.. لم يبالوا بأى حلم تركوا».

وفي ظني أن هذين البيتين يصلحان مفتاحا جيدا لقراءة الرواية، بل يلخصان حكايتها المريرة كلها.