نقابة الصحفيين.. وأدوار مطلوبة

ما زالت الاستعدادات تجري على قدم وساق من أجل تنظيم انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين، التي من المفترض أن تجري في شهر مارس المقبل، لتشهد منافسة على موقع نقيب الصحفيين، وستة من أعضاء مجلس النقابة.

لقد حافظت الجماعة الصحفية الوطنية على استدامة هذا الاستحقاق على مدى عقود طويلة، حيث شكّل طريقة ديمقراطية لانتخاب ممثليهم، والتعبير عن مواقفهم، في أجواء حرصوا عادة على أن تتسم بالسلاسة والنزاهة والفاعلية.

وفي معظم الأوقات، كانت انتخابات مجلس نقابة الصحفيين تعبر بوضوح عن الحالة العامة في البلاد؛ ولأسباب عديدة سيمكن وصف تلك الانتخابات بأنّها «ترمومتر» يمكن من خلاله قياس حرارة الأوضاع المجتمعية، وتعيين مواطن الضعف والقوة فيها.

وأيا كانت الخيارات التي سيستقر عليها الناخبون عندما سيتوجهون إلى صناديق الانتخاب؛ فثمة أوضاع وتحديات يجب على نقيب الصحفيين المُنتظر انتخابه وزملائه في مجلس النقابة أن يتصدوا لها، وأن يعلنوا رؤية واضحة لمواجهتها، وأن يقدموا أفكارا قابلة للتنفيذ لتجاوزها إلى أفق جديد يوفر بيئة أفضل لممارسة هذه المهنة وتعزيز قدرتها على الوفاء بدورها.

ولأن الأوضاع التي تشهدها الصحافة الوطنية راهنا تنطوي على الكثير من المشكلات، وبعض هذه المشكلات يتصل بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعانيها المهنة والمشتغلون بها، فإن مهمة القادمين الجدد إلى مجلس النقابة ستكون صعبة.

وبعيدا عن فكرة التقديمات الاجتماعية التي تستأثر بجزء كبير من اهتمامات الجماعة الصحفية، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، تبرز مشكلتان كبيرتان ومؤثرتان يجب العمل من اليوم الأول للمجلس الجديد على حلهما بشكل يتسق مع أهميتهما للجماعة نفسها، وللمهنة، وللعمل الوطني عموما.

أولى هاتين المشكلتين هي مشكلة الحريات الصحفية؛ إذ سيتوجب على المجلس الجديد أن ينخرط في ورشة دائمة، عبر التفاوض المثمر والفعال، من أجل تخفيف أثر هذه المشكلة، وإيجاد طريقة لتوسيع هامش الحريات الذي تتفاعل خلاله المهنة، بالشكل الذي يُمكّن العاملين فيها من تأدية أدوارهم على النحو المأمول.

أما المشكلة الثانية فتتصل بالتغيرات الحادة والمتسارعة التي طرأت على المجال المهني بسبب تغير أوضاع البيئة الاتصالية العالمية، في ظل صعود وسائل «التواصل الاجتماعي»، والتقدم الكبير في آليات «الإعلام الجديد»، الذي سحب الكثير من رصيد الصحافة «التقليدية» وأهميتها ودورها.

سيكون العمل على تعزيز الأدوار المهنية للصحافة المصرية عملا وطنيا بامتياز؛ إذ تظل الصحافة مصلحة عامة، وتظل قدرتها على القيام بدورها بدرجة مناسبة من المهنية متطلبا ضروريا لأداء وظائف إبقاء المواطنين في النور، والتعبير عن مجريات الأحداث في مصر بعدالة، وتقديم العالم لمصر وتقديم مصر للعالم، والرقابة على أداء السلطات، وكشف الفساد ومحاربته، فضلا عن جملة من الوظائف الأخرى التي تتفاوت أهميتها.

وفي قلب هذه المشكلة ستبرز بعض العناوين؛ منها عنوان الثقة، إذ يجب أن تنتظم الجهود من أجل تعزيز ثقة الجمهور في الداخل والخارج في خطاب الصحافة الوطنية؛ وهو أمر لن يتأتى إلا من خلال رفع السوية المهنية للصحفيين، عبر برامج التدريب والتطوير الجادة، التي تُعد أحد أدوار النقابات المهنية التقليدية والأساسية.

لقد أظهرت نقابة الصحفيين اهتماما بعملية التدريب في ظل المجالس المتعاقبة السابقة، وحظي عدد كبير من الزملاء بفرص تدريبية تفاوتت فاعليتها، كما امتلكت النقابة مقومات تدريبية ولوجيستية لا بأس بها، بشكل وفر تجارب عملية للتدريب في جوانب مختلفة تخص العمل المهني.

ومع ذلك، فإن هناك ضرورة لاتخاذ خطوات أوسع وأكثر جرأة وفاعلية في هذا الصدد، وربما سيمكن الوصول إلى قواعد مُلزمة لإنجاز تدريبات معيارية، تكون لاحقا أحد أهم المسوغات المطلوبة لمنح العضوية للمرشحين لها.

فرغم أن كليات الإعلام تقوم بأدوار متباينة في تجهيز طلابها للحياة العملية، كما تجتهد المؤسسات أيضا في تأهيل العناصر المهنية بها، فإنّه يبدو أنّ محصلة تلك الجهود لم تنعكس بشكل واضح على سوية بعض المرشحين لنيل عضوية النقابة، والحاصلين عليها لاحقا، وهو أمر يستوجب إعادة النظر في آليات الاعتماد والقبول.

ومن بين العناوين التي يجب الاهتمام بها على هامش العملية الانتخابية أيضا ما يتصل بالعمل على سرعة إصدار قانون الحق في تداول المعلومات، بما يحسن البيئة المعلوماتية في البلاد، ويكرس حق الصحفيين في الوصول إلى المعلومات، التي سينقلونها للجمهور مع التحليل والشرح الوافيين.

ومن بينها كذلك مهمة الحفاظ على الصحافة المؤسسية، من خلال تقوية أداء المؤسسات، وتخفيف الضغوط المهنية والسياسية والاقتصادية عنها؛ لأن الصحافة المؤسسية أثبتت أنها أكثر قدرة على تقديم المعلومات الدقيقة في ظل طوفان من التزييف والاختلاق عبر الوسائط الجديدة.

لقد قدمت التعديلات الدستورية، التي تم إقرارها في العام 2014، إطارا دستوريا جيدا وفعالا يمكن أن يحافظ على درجة من المهنية والاستقلالية المناسبة للإعلام المؤسسي المصري، والصحافة في القلب منه، ولذلك، فإنّ العمل على تفعيل المواد الدستورية المتصلة بحرية الصحافة ومهنيتها وتنظيمها المؤسسي، سيكون مطلبا حيويا، وبيان مهمة واجب التنفيذ لممثلي الجماعة الصحفية الوطنية.

تحتاج الصحافة المصرية إلى نقلة ضرورية على صعد الحريات والمهنية والتنظيم المؤسسي الفعال، وهو أمر يجب أن يشكل مسار عمل ممثليها النقابيين، وأن يكون مناط اهتمام الناخبين في الجولات الانتخابية.