اتفق العرب على أن يتفقوا

لؤي الخطيب

لؤي الخطيب

كاتب صحفي

كبرنا جميعا وهناك عبارات تتردد على مسامعنا باستمرار، حتى باتت جزءا من التراث الشعبي، مثل «اتفق العرب على ألا يتفقوا»، كانت هذه العبارة رد فعل معتادا على قمم عديدة شاهدتها الشعوب العربية دون أن تنتهي إلى أي شيء، فضلا عن خلافات حادة كانت تشوبها، سواء بشكل معلن أو خلف الكواليس.

نستطيع أن نقول إنّ هذا الوضع تغيَّر كثيرا، وما يحدث الآن في منطقتنا دليل حاسم على ذلك، فاللقاء الودي غير الرسمي الذي عُقد في الرياض لم يكن إلا نتيجة تنسيق استمر خلال الفترة الماضية، للتوافق على الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير السكان، وهو أيضا -اللقاء- حلقة من أهم حلقات التنسيق والتحضير للقمة العربية التي ستنعقد في مصر بداية مارس القادم.

على المستوى الثنائي، تجسد العلاقة بين مصر والسعودية واحدا من أهم صمامات الأمان في المنطقة، وخصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة، وإذا تتبعت سهام العدو ستجدها مصوبة نحو تلك العلاقة، تستهدفها مع سبق الإصرار والترصد، لتمرير مخططات تخريبية.

العلاقة الوثيقة، بما تضمنته من تنسيق رفيع المستوى، كانت عنصر أمان لا غنى عنه للتعامل مع التصريحات التي تحدثت عن تهجير سكان القطاع، وما يعنيه ذلك من تهديد للأمن الإقليمي، ولكل دول المنطقة دون استثناء.استطاعت القوى العربية الفاعلة خلال الأسابيع الماضية، وآخرها عبر اجتماع الرياض، أن توضح وحدة موقفها في مواجهة أي مخططات تم الحديث عنها خلال الفترة الماضية، وهو ما يعني أنّ العرب اتفقوا ونسَّقوا مواقفهم، وها هم يعملون على خطة بديلة صاغتها مصر ودعمها أشقاؤها.

هذا المشهد يستدعي الحديث عن السياسة الخارجية المصرية، وخصوصا في السنوات العشر الماضية، حيث مؤسسات الدولة تعيش ذروة نضجها وفهمها لطبيعة السياسة الدولية، وطرق التعاطي مع الأحداث وحتى المخططات والمؤامرات، وكيفية بناء العلاقات والجسور التي قف حائط صد أمام أي تهديد في اللحظة الحاسمة.

التنسيق المصري السعودي ليس وليد اللحظة، ومثله التنسيق المصري الأردني، وكذلك التنسيق المصري الإماراتي والبحريني والكويتي وحتى القطري، فمنذ عودة العلاقات وهي تشهد تطورا لافتا ومتسارعا، ساهم في تعاون إيجابي لإنجاز وساطة اتفاق وقف إطلاق النار.

تؤسس السياسة المصرية تحالفاتها على المصالح الاقتصادية ابتداء، والتي بدورها تتطور بشكل طبيعي إلى تعاون عسكري وأمني، حيث تدرك القاهرة أهمية دور المكاسب المشتركة في تعزيز أطر التعاون المختلفة.

وبذلك، نفهم -على سبيل المثال- أن الاستثمارات السعودية والإماراتية في مصر، هي جزء من تحالف أكبر يحقق مكاسب لأطرافه جميعا، ويدعم تعاونهم الحتمي في لحظات كتلك اللحظات الحاسمة التي نعيشها الآن، وقس على ذلك.

وليس أدل على ذلك مما ستجده واضحا إذا تتبعت سهام العدو، فالإعلام المعادي الذي يستهدف التحالفات المصرية مع دول المنطقة، وخصوصا العلاقة المميزة مع الأشقاء في الخليج، يركز أغلب تحريضه وأكاذيبه على محاولة إفساد التعاون الاقتصادي، فمن يحركهم يعلم تماما تركيبة التحالف القائم على المصالح والمكاسب، ومدى متانته وقوته إذا وُضع في مقارنة مع تحالف وتعاون أمني وعسكري بحت.