مثقف عربي بارز (3)
يبدو المثقف العربي البارز د. محمد الرميحي صاحب مسارات ثلاثة متعانقة في سبيكة لامعة، أولها التدريس الذي أخلص له إلى درجة تأليفه بحثا عن كيفية إعداد الدراسات العلمية، وإلقائه محاضرات في الاجتماع السياسي والإعلام في جامعات بالكويت ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين.
وثانيها الجهد الحركي الذي رأيناه في رئاسة تحرير عدة مجلات مهمة مثل «العربي»، ومنها أطلق «العربي الصغير» و«كتاب العربي» و«نيو أريبيا» ودوريات «الثقافة العالمية» و«عالم الفكر» و«دراسات الخليج والجزيرة العربية» و«حوار العرب»، ورئاسة تحرير سلسلة «عالم المعرفة» و«إبداعات عالمية» ورئاسة تحرير ثلاث جرائد هي «أوان» و«الفنون» و«صوت الكويت»، وتولى منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، إلى جانب عضويته في العديد من مجالس مراكز الأبحاث والجمعيات العلمية والصحفية، ومشاركته في ندوات ومؤتمرات لم تتوقف إلى الآن.
لم يؤد انشغاله بالتدريس ورئاسة التحرير إلى توقفه عن التأليف فتوالت كتبه، ومنها: «البحرين.. مشكلات التغير السياسي والاجتماعي» و«البترول والتغير الاجتماعي» و«معوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان الخليج العربي» و«المعوقات الاجتماعية للديمقراطية في الخليج» و«الجذور الاجتماعية الديمقراطية في مجتمعات الخليج العربية المعاصرة» و«النفط والعلاقات الدولية» و«الخليج ليس نفطا» و«الكويت.. العمران والتنمية» و«أصداء حرب الكويت» و«الأعدقاء: قضايا الحرب والسلام في الخليج العربي» و«قضايا خليجية» و«أولويات العرب.. قراءة في المعكوس» و«اضطراب قرب آبار النفط»، كما ترجم كتاب «الكويت قبل النفط» وهو مذكرات س. ستانلي. ج. ماليري.
في التدريس وقيادة جانب من الحركة الثقافية والتأليف بدا الرميحي أحد من يمثلون رمانة الميزان في «الليبرالية العربية المعاصرة»، فإيمانه بالحرية لم يُنسه العدل الاجتماعي، ومناداته بتثبت أركان الدول القُطرية لم تنزع عنه ميله العروبي الظاهر، ودعوته إلى الاستفادة من العطاء المعرفي للغرب لم يجعله يتخلى عن ضرورة الاستفادة من كل نافع في تراثنا العربي، وتقدُّم العمر به لم يعزله عن التفاعل مع جيل جديد من الباحثين والكُتاب العرب، واعتقاده في نعمة النفط لدوره في التنمية والرفاه لم يمنعه من إبداء المخاوف من نقمته، ودعوته الجادة إلى عدم نسيان ما قبله، والاستعداد لما بعده.
يدرك الرميحي الدور الذي لعبه في الحياة الثقافية العربية، ولذا نجده أكثر حساسية حيال الطريقة التي يعامله بها الآخرون، أو ينظرون إليه، لا لأنه في حاجة إلى تقدير أو شكر من أحد، لكنه، وكما أدركت من حديثه، لا يحب الجحود والإنكار. ففي يوم أرسل لي يطلب مني أن أسأل د. جابر عصفور عما إذا كان قد أغفل كتابة اسم الرميحي ضمن رؤساء تحرير مجلة العربي في مقال له بالمجلة نفسها عن تجربته معها، وهل هو تعمد هذا أم نسي؟ أو أنه كتب الاسم بالفعل، لكن هناك من رفعه عمدا؟يومها قلت له: سمعت عصفور يتحدث عنك باعتزاز، وأعتقد أنّه لا يمكنه تعمد الإساءة لك.
رد: أعرف، أنا من استكتبه بانتظام في المجلة، وكنت متحمسا له، رغم أنّ كاتبا مصريا كان يعمل معنا وقتها ألح في رفض استكتاب عصفور، وراح يبرر رفضه بأشياء كثيرة من هنا وهناك. هاتفت د. عصفور، وأبلغته بالأمر، فإذا به يعرب عن أسف شديد، بعبارات لا تخلو من لوم نفسه، لأنه قد نسي الإتيان على ذكر الرميحي، وقال لي: هو من استكتبني في «العربي»، لكنها الغفلة، بحكم السن، ومشاغل الحياة.
ثم استدرك: ما كان ينبغي لي نسيانه، ولا بد من الاعتذار له. وطلب رقم هاتفه فأرسلته له، ليقوم بما عليه في تطييب خاطر الرميحي، وهو الرجل المحب لمصر وثقافتها ومثقفيها.