مثقف عربي بارز (2)

عمار على حسن

عمار على حسن

كاتب صحفي

يجيل المثقف العربى البارز د. محمد الرميحى بصره فى البقعة الجغرافية الواسعة الممتدة من العراق إلى اليمن، ومن بحر العرب إلى خليج العقبة، ويقول: «الخليج ليس نفطاً»، إذ فى نظره كانت هناك أشياء مادية ومعرفية ورمزية قبل استخراج أول برميل نفط فى شبه الجزيرة العربية، وهناك أشياء استمرت مع النفط، وأخرى ستبقى بعد نضوبه ونفاده، أو يجب أن يكون هذا.

لا يمكن أن يُنكر المرء هنا تأثّر الرميحى بنشأته، ثم مساره الأكاديمى والمهنى فى ما بعد، فالرجل الذى قضى أيام طفولته وشبابه الأول فى البحرين، وكتب أطروحته للدكتوراه عن التغيّر الذى طرأ على مجتمعها، فتح عينيه على حركات اجتماعية وسياسية ذات أيديولوجيات متعدّدة، وعلى نشاط ثقافى، بعضه موصول بجذور بعيدة عن المورث الشعبى عن حياة البادية والبحر، والثانى صنعه أفراد نهمون فى القراءة، اطلعوا على ما يُكتب فى القاهرة وغيرها ويُطبع فى بيروت، ويصل إليهم.

وعقب حصوله على الدكتوراه فى العلوم الاجتماعية من جامعة درهام انتقل «الرميحى» للعمل فى بيئة ثقافية مزدهرة، حين عُين بجامعة الكويت عام 1973، حيث البلد الذى كان وقتها ينفق بسخاء مفرط على الثقافة، بعد أن استقطب أعلامها من عدة دول عربية، وفتح لهم المجال للإجادة والإضافة والإبداع والإفادة، فنهل «الرميحى» من هذا العطاء مزيداً، ثم انخرط فى صفوف أهله، بعقل مفتوح، وصدر منشرح.

كنت أعرف هذه التجربة جيداً وقت أن توجّهت إلى الكويت فى شهر ديسمبر من عام 2010 للقاء عدد من مثقفيها ضمن برنامج كنت أقدمه على قناة «دريم» المصرية الخاصة، كان عنوانه «مشاوير» تقوم فكرته على لقاء مفكرين وأدباء وأكاديميين عرب بارزين لمحاورتهم حول حاصل جمع ما ورد فى مؤلفاتهم وما قطعوه من خطوات فى مسارهم المهنى والحركى، بعد الاطلاع على هذا جيداً.

بهذه المناسبة قرأت كتب الرميحى، وكنت أتابع الكثير من مقالاته فى بعض الصحف، بعد أن ترك رئاسة تحرير مجلة «العربى»، فذهبت إليه فى بيته عارفاً عنه الكثير، فلما شرعت فى الحوار راقت له الأسئلة، وامتدت الإجابات، فسجّلنا حلقتين، لكن قيام ثورة يناير، وانشغال الإعلام كله بأحداثها، أوقف هذه البرنامج قبل أن ينطلق.لم يبقَ فى رأسى سوى بعض حيرة الرميحى وهو يُمعن حزيناً فى توصيف حال السياسة والمجتمع فى العالم العربى، وفيما بقيت فى مكتبى إلى اليوم نسخة زائدة فى مكتبة الرميحى لأحد كتب وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر أعطاها لى، ولم يكن بحاجة إلى إهدائى كتبه، فقد كانت معى، حسبما يقتضى البرنامج.

ودارت الأيام، كما تشدو أم كلثوم، وكان لى مع د. الرميحى موقف وموضع حين مر كتاب لى فى سلسلة «عالم المعرفة» الشهيرة، التى كان الرميحى مستشارها، بعنوان «الخيال السياسى» عام 2017، وأتى الدور على كتاب «المجاز السياسى»، فتعاقدت مع المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب على إصداره، بعد تقرير أجازه ومدحه كثيراً، وشرعنا فى تحريره وإذا بخطاب يأتينى بالاعتذار عن نشره بدعوى أن المراجع وجد عدة مقالات نشرتها فى صحف مختلفة قد أخذتها من مادة الكتاب وقت تأليفه، فلجأت إلى الرميحى، وكان وقتها فى زيارة إلى باريس، فقال لى: حين أعود، سأنظر فى الأمر، ثم أخبرنى بأنه سيحيل الأمر إلى محكم آخر، ونخضع لرأيه، فأتى الحكم منصفاً لى، وصدر الكتاب عام 2021.