عقولنا في رؤوسنا

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

بعد أيام من بدء فترة رئاسته، باغت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العالم والأمريكيين أنفسهم، وغيّر اسم «خليج المكسيك» إلى «خليج أمريكا»!

تداولت وسائل الإعلام والجماهير الغفيرة فى أرجاء الأرض الخبر بدهشة، لكن لم تعلُ أصوات منددة أو تتصاعد تنديدات غاضبة بالقدر المتوقع. الأمم المتحدة اكتفت بالقول إن إعادة تسمية المواقع الجغرافية فى العالم، وبينها «خليج المكسيك»، تخضع لأنظمة واتفاقات دولية، وإن تغيير الاسم ليس من صلاحيات دولة بمفردها.

الطريف أن وكالة أنباء «أسوشيتد برس» استخدمت اسم «خليج المكسيك» فى أحد تقاريرها، فما كان من الرئيس الأمريكى إلا أن منعها من دخول المكتب البيضاوى ومرافقته على متن الطائرة الرئاسية الأمريكية «إير فورس وان»، وإن لم تُمنع من دخول البيت الأبيض.

الوكالة، من جهتها، قالت إنها لا تحيد عن قواعدها التحريرية، وإن «خليج المكسيك» يحمل هذا الاسم منذ 400 عام، وإنها ستظل تشير إلى الخليج بهذا الاسم، وستشير أيضاً إلى الاسم الذى اختاره ترامب!

المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد فوجئت دولة المكسيك، وغيرها من دول وشعوب الأرض، أن «خرائط جوجل» سارعت إلى تغيير الاسم، فظهرت الخريطة واسم «خليج أمريكا» باللون الأحمر، واختفى «خليج المكسيك»، وهو ما دفع المكسيك إلى إنذار «جوجل» بضرورة إعادة الاسم الأصلى. «جوجل» من جهتها قالت إنها لن تغير السياسة التى حددتها!! وذلك بعد ما أعلن «ترامب» الاسم الجديد!!

بعدها بساعات، قررت «جوجل» أن «تقسم البلد نصين» كما نقول فى المثل الشعبى، فأعادت اسم «خليج المكسيك» وكتبت تحته (خليج أمريكا) بين قوسين!

الحكاية من ألفها إلى يائها تصلح أن تكون مسلسل «سيت كوم»، ولكننا لم نصل إلى الحلقة الأخيرة بعد.

اللافت هو رد فعل العالم، حكوماته وجماعاته وجمعياته ومنظماته، بما فيها المنظمة الأممية، وهو رد الفعل الهادئ الخافت الساكن الهامد الخامد إلى آخر قائمة مفردات الهدوء السلبى.

ربما يكون العالم منشغلاً بما يبدو أنه أكثر إلحاحاً أو خطورة أو تأثيراً مباشراً.

وربما ينظر البعض للأمر باعتباره بسيطاً أو لا يستحق الاهتمام الزائد، والمؤكد أن كثيرين -حتى إن لم يقولوا ذلك بشكل صريح- يجدون الدخول فى مواجهة حول الحقوق الجيوسياسية أو الأسماء التاريخية أو سيادة الدول مع أقوى دولة فى العالم معركة خاسرة، فآثروا الصمت.

العالم من حولنا عامر بالقصص والمجريات وردود الفعل الجديرة بالمتابعة والتفكير، ولا نقول التصرف واتخاذ التدابير.

ما يحدث ملىء بالعبر والدروس، ومنها على سبيل المثال أن مسألة المساواة بين الدول فى الحقوق والواجبات، واحترام المواثيق والاتفاقات.. إلخ فكرة، وليست بالضرورة واقعاً.

تخيلوا، مثلاً، لو دولة ما فى العالم الثالث، مثلاً، قررت أن تغير اسم مدينة أو خليج أو جزيرة عبر حدودها، كيف سيكون رد فعل العالم؟!

وما دمنا فى العالم وقصصه وحكاياته، «حزب البديل» الألمانى اليمينى الشعبوى، المحتمل فوزه فى الانتخابات الفيدرالية التى ستقام بعد ساعات، قال إن ألمانيا يجب أن تبقى بعيدة عن حرب روسيا فى أوكرانيا، وإن «هذه ليست حربنا»، وهو مؤشر على شكل العالم الجديد وأولوياته القومية.

ويظل موقف الرئيس ترامب من حرب روسيا فى أوكرانيا الأكثر إثارة، فقد وصفه الرئيس الأوكرانى بـ«الديكتاتور»، وحمله مسئولية الحرب، ودعاه للتحرك سريعاً وإلا سيفقد دولته!

دولة سوريا العزيزة القريبة إلى قلب كل مصرى مستمرة فى ضخ الأخبار وإدهاشنا يومياً، وذلك منذ أن تم إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وإنهاء الحكم العلوى، وإحلاله بنظام حكم جديد.

فى خضمّ أخبار ما يجرى من استقبال حار وحافل ومبتهج من دول عدة للنظام الجديد فى سوريا، وهو ما قلب توقعات تعامل العالم، لا سيما العالم الغربى، لحكام من خلفية جهادية، ومصير «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) و«مسد» (مجلس سوريا الديمقراطية) والإدارة الذاتية فى شمال شرقى سوريا، وضلوع تركيا فى «إعادة بناء الجيش السورى»، وغموض مصير القوات التركية على الأراضى السورية.

والتقارير الإسرائيلية التى تتحدث عن إنشاء سبع قواعد إسرائيلية جديدة فى «المنطقة الحدودية بين إسرائيل وسوريا»، وتوسيع النفوذ الإسرائيلى جنوب سوريا، وإعلان إسرائيل تدمير أسلحة تابعة للنظام السابق (وكأن الأسلحة لجيش النظام السابق لا تؤول إلى الجيش الحالى) فى جنوب سوريا، فى خضمّ كل ما سبق، لفت انتباهى خبر عن زيارة وفد من يهود سوريا الذين فروا أو تم إبعادهم من سوريا فى التسعينات لدمشق.

وضمن العائدين الحاخام يوسف الحمرا والحاخام آشر لوباتين وغيرهما من أبناء سوريا من اليهود الذين تركوها قسراً أو اختياراً، وأقاموا أول صلاة جماعية فى سوريا منذ ثلاثة عقود فى ظل ترحيب عالمى، وتقارير إعلامية غربية تتحدث عن فرحة المواطنين العارمة بهذه الزيارة، وكيف أنها مؤشر على تعامل النظام الجديد مع الأقليات.

نتابع قصص العالم الجديد، وحكاياته، ونرفع شعار «عقلك فى راسك، تعرف خلاصك».