رئيس مصر.. عندما رأى ما لم نره

إمام أحمد

إمام أحمد

كاتب صحفي

أؤمن لأقصى درجة بضرورة التعددية، وحق الاختلاف. وأؤمن بأنّ الطاولة الجيدة هي الطاولة التي تحمل أكثر من رأي. وأؤمن بأنّ النقد الموضوعي وحدة بناء وليس وحدة هدم. لكني أؤمن أيضا بأنّ الكثيرين بيننا اليوم يدينون باعتذار إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي!

على مدار عشر سنوات ماضية لم تتوقف أسئلة التشكيك في أولويات القيادة السياسية لدولة 30 يونيو.. تشكيك وصل إلى حد التجريح والاتهام أحيانا، وإلى مساحات السخرية المبتذلة في أحيانٍ أكثر.

من بين أسئلة عدة كان سؤال التسليح العسكري. لم يكف خبراء العوالم الافتراضية عن التساؤل: لماذا كل هذا التسليح؟.. يقولون: مصر لا تخوض حربا الآن، ولم تخض حربا منذ خمسين عاما، فلماذا الاهتمام الزائد برفع درجة تسليح الجيش المصرى، وتنويع مصادر الأسلحة، بصورة غير مسبوقة في تاريخنا السياسي والعسكري؟ لم يكن هذا هو السؤال الوحيد الذي يشكك في أولويات المرحلة، وأولويات الرجل. سؤال آخر طرحه بعض ممن يقدمون أنفسهم كنخب سياسية وثقافية، وفي اعتقادي أنهم في حاجة لإعادة النظر في هذا الأمر، تساءلوا: لماذا كل هذا الجهد والمال والطاقة المستنزفة في حرب واسعة المدى على الإرهاب تستمر لسنوات؟.. ألم يكن الأولى طي صفحة الإرهاب منذ 2014 بعد سقوط الجماعة وبداية حكم جديد اختاره المصريون؟.. وما سبب الحرص الزائد على إعلان سيناء خاليةً من الإرهاب؟.. فما الذي يمكن أن يدور في سيناء؟.. وما الخطر الذي يحدق من هناك؟.. ولماذا نطلق مخططا استراتيجيا لتنمية سيناء يتكلف مئات المليارات من الجنيهات لبناء أنفاق وطرق وشبكات كهرباء وكل صور البنية الأساسية؟ ما الذي يراه عبدالفتاح السيسي قادما من سيناء ولا نراه نحن؟ ولماذا صرح بأن القوى «لا يأكل أحدٌ لقمته»؟ ولماذا تكون عملية «إعادة بناء الانطباع» -بحسب ما وصفها الرئيس بنفسه في مؤتمر سابق- هي من الضرورات الأولى للدولة المصرية في مرحلة ما بعد 30 يونيو؟

سؤال آخر شديد الأهمية طرحه محبون وحاقدون: لماذا يقرر رجل -بمحض إرادته- أن يأخذ كل تلك القرارات الصعبة، ويتحمل وحده عبء سنوات البلادة الطويلة الماضية التي عزف فيها مسؤولون سابقون عن اتخاذ قرارات كان يجب أن تتخذ؟.. قرار الإصلاح الاقتصادي مثلا الذي أُرجأ لأكثر من أربعين عاما!.. وقرار إعادة تحديث البنية الأساسية للدولة التي أُهملت لأكثر من أربعين عاما، من محطات الصرف إلى محطات الطاقة!

في اعتقادي أنّ هذا الرجل الشريف، الذي تحمل ما لا يتحمله أحد، كان أمينا ومخلصا بما تحتاجه تلك اللحظة الاستثنائية في عمر مصر من أمانة وإخلاص، بل وبما تحتاجه من قوة إرادة وصواب رؤية وحسن منطق ودقة تقدير للمشهد السياسي وتطورات دوائر الأمن القومي الآن وغدا وبعد غد، داخل مصر ووسط هذا الإقليم الذي تشتعل به الحرائق من كل اتجاه.

وفي اعتقادي أيضا، واتصالا بما أشرت إليه في أول المقال، فإن الكثيرين اليوم يدينون باعتذار أدبي -بينهم وبين أنفسهم على أقل تقدير- لهذا الرجل الذي رأى ما لم يره آخرون، فاستطاع أن يحمي مصر مرتين، مرة أولى حين كانت على شفا نار أوقدها الظلاميون والمتطرفون في الداخل، ومرة ثانية حين كانت مصر -ولا تزال- على حافة الخطر من كل الجهات شرقا وغربا وجنوبا.

ملاحظة أخيرة: ليس هذا مقالا فى الإنشاء السياسي.

بل هو نقطة نظام.. حتى لا تكون آفة حارتنا النسيان، وحتى لا تضيع الحقائق وسط تيه التفاصيل وفوضى الأكاذيب!