ولاد الـ«... ياهو» (2)
فى مقال سابق، فتحت قوسين لاستيعاب الأوصاف التى نتبارى ليل نهار فى تقديمها لصنف من ثلاثة نستهدفهم باللعنات والسباب؛ أولهم رئيس وزراء «العلة» الملقب بـ«النتن ياهو»، وهو وصف دال عليه، وثانيهم الرجل الأبيض فى البيت الأبيض فى الأيام حالكة السواد، الملقب بـ«ترامب»، أما الثالث فهو مجموعة أشخاص متفرقين فى المكان، متفقين على الهدف، وهو النيل من مصر، شعباً وقيادة، تارة يرتدون زى المعارضة السياسية، وتارة يرتدون شارة الإعلام المناضل، وهم فى الحقيقة يخفون وشم «السيفين» وشعار «وأعدوا»، سواء كانوا إخواناً محليين أو دواعش دوليين.. كانت الدعوة واضحة؛ لسنا بحاجة إلى أقواس ننالهم فيها، يكفينا نشر بيان «الخارجية» والالتزام بلغته الرصينة وكلماته الدالة المعبرة عن مواقفنا، كنت أظن أن الرسالة التى يحملها البيان كافية، وفى الوقت نفسه تعفينا من استخدام المصطلحات وتقينا شر «معايير مجتمع» السوشيال ميديا التى لا تعرف المعايير أصلاً، لكن أمام الصلف والتجاوز والحمق الذى يمارسه الثنائى العجوز -فى التخطيط لمشروع هو لنا كالعنقاء والخل الوفى، أقرب للمستحيلات- لا لغة تعلو فوق لغة القوسين، بكل ما يمكن أن يوضع داخلهما من أوصاف، حيث إنها مهما بلغت بذاءتها، لن تساوى تلك البذاءات التى نعيشها يومياً مع رئيس وزراء الاحتلال منذ 15 شهراً، وقبلها سنوات مع الكيان نفسه، ولا تلك التى نقابلها فى الطرح الخيالى لرئيس أقوى دولة فى العالم بعد عودته للبيت الأبيض، ويا ليته ما عاد.
وعملاً بمبدأ أن رد الفعل لا بد أن يكون أقوى من الفعل نفسه، فلتعبر «الخارجية»، عبر بيانها، عن الموقف الرسمى للدولة المصرية دون أن يكون تعبيرها خروجاً عن الثابت والمتعارف عليه فى لغة الدبلوماسية وحدودها، وليعبر المصريون عن ما يجيش فى صدورهم من وجع وألم من مقترح التهجير، ومشاعر الغضب التى بلغت ذروتها يوم أن نُصب الفخ للعرب جميعاً على الهواء لشيطنة ملك الأردن، الذى لم يفض يديه يوماً عن العرب، ولم يفعل سوى أن التزم بموقف الكبيرة «مصر» وطرحها العقلانى لمواجهة الحلول المتهورة.
إن ما مارسته مصر على مدار عقود من اتفاقات وتبادلات رسمية مع إسرائيل، بحكم معاهدة كامب ديفيد، لم يكن أبداً كافياً بالنسبة لدولة الاحتلال، التى مارست كل ألوان السعى من أجل أن يكون «تطبيعاً» عربياً تقوده مصر ومن خلفها بقية الدول، تطبيعاً لا يشعر فيه الإسرائيلى بأنه غريب أو منبوذ بين المصريين، لقد وقّع الطرفان الاتفاقية وبقى «اللى فى القلب فى القلب»، وفشلت كل مساعيهم لتغيير الأمر الواقع، ورغم اتفاقات التطبيع المعلنة مع بعض الدول العربية مؤخراً، والصور التى تنتشر من آن لآخر لتعكس تقارباً أو تفاهماً شعبياً بين العرب وبينهم، فإن المصرى غير، يقف فى مساحة لم تغيرها السياسة ولم يمسسها بشر، لا يصافح الإسرائيلى ولا يقف فى معسكره.. ومن ثم فإن فتح القوس وغلقه على موسوعة من السباب والشتائم، سيظل عنوان الموقف الشعبى المصرى، فى أى بحث عبر المحركات المختلفة، لن يظهر للإسرائيليين سوى المشاعر الحقيقية التى يستحقونها من المصريين، لن يعتقد الإسرائيلى أنه فى مأمن إلى جوارنا، نحن الذين لا نلون مواقفنا ونظهر فى المواجهة وأعيننا تطلب الشهادة قبل أن تنطق بها ألسنتنا، إنه السلاح الوحيد الذى لم تكتشفه ترسانات الروس ولا الأمريكان، ولم تصل إليه الصين رغم تقدمها العسكرى الكبير، هم يسمونه سلاح الكراهية، ونحن نصحح لهم بأنه سلاح الرجولة والوضوح.
الكل يمكن أن يكون حليفاً استراتيجياً لنا، إلا أنتم، ونحن قد نختبئ فى أى مواجهة.. إلا معكم، نفخر أن المصريين فقط هم من يهزمونكم، وأن هتاف القوات حين غنت فى أحد تدريباتها «قالوا إيه» كافٍ لإحداث نوبات من الهلع تحرم أعينكم السبات العميق.. فلتنطق الألسنة، تفيض بما تحمله القلوب، وليتواصل التعبير، إنه الموقف الشعبى غير المنفصل عن الموقف الرسمى، لكن لكل موقف لغته وسياقه ومتلقيه، ويكفينا أننا نسبهم وننال منهم عبر مواقعهم، وبمعاييرهم التى يحاسبوننا عليها وينسون أنفسهم، فإذا صمت آذانهم عن سماع هتافات المصريين يوم زحفوا إلى معبر رفح لرفض التهجير، لن تعمى عيونهم عن رصد ما تحمله السوشيال ميديا من مواقف لن تتغير أبد الدهر، إلا أن يكون أصحابها -الإسرائيليون- مجرد عبرة فى كتب تاريخ يروى مجازرهم قبل أن يذهبوا بـ«ريح صرصر».