المثقف الثوري

رفعت رشاد

رفعت رشاد

كاتب صحفي

تدفعنا الظروف التي نمر بها فى بلادنا العربية إلى التفكير في حاجتنا إلى من ينير طريقنا ويأخذ بيدنا إلى سواء السبيل. ليس أقدر من المثقفين على القيام بهذا الدور أو هذا الواجب المحتم عليهم. وهذا يجعلنا نسأل: من المثقف؟ وهل يقدر المثقف التقليدي على القيام بالدور المأمول، أم يجب أن يكون مثقفا ثوريا؟ ومَن المثقف الثوري؟.

لنقترب من التعرف على المثقف، والمثقف الثوري والفرق بينهما. المثقف الثوري ليس مجرد حامل للمعرفة، بل قوة دافعة للتغيير، يسعى إلى تجاوز الأوضاع الراهنة وإحداث تحولات جذرية في المجتمع. إنه ليس المثقف التقليدي الذي يكتفي بالتنظير أو النقل الأكاديمي، بل مثقف مشتبك، منحاز لقضايا سواد الشعب، يعمل على زعزعة البني الفكرية والاجتماعية المهترئة. المثقف الثوري لا يكتفي بفهم الواقع، بل يسعى إلى تغييره. صاحب رؤية نقدية ولا يقف عند حدود التأمل أو النقد الأكاديمي، بل يعمل على توعية الجماهير، وربما يقود حركات تغييرية بنفسه. إنه يختلف عن المثقف التقليدي، الذي قد يكون مطلعا ومثقفا لكنه لا يتخذ موقفا سياسيا أو اجتماعيا حادا.

لنضرب مثلا بما نقوله، هناك فرق بين عالمين من علماء الرياضيات أو الهندسة -مثلا- أحدهما درس الرياضيات والهندسة لكنه لم يطبقها في بناء الجسور والبنايات، بينما الآخر درسها وطبقها. هنا يمكن أن نطلق على الأول مجرد مثقف، بينما الآخر نصفه بالمثقف الثوري. إذن المثقف هو المكتفي بثقافته، أما المثقف الثوري هو الذى يجاوز ذاته بثقافته ليسم ويغير بها مجرى الحياة.

المثقف الثوري من يدرك مُثلا جديدة للحياة الإنسانية، ثم لا يقف عند حد الإدراك، بل يسعى إلى تغيير الحياة وفق ما أدركه. يمتلك المثقف الثوري عدة صفات تميزه عن غيره، أبرزها: الوعي النقدي الحاد، فهو لا يقبل الواقع كما هو، بل يسعى إلى تفكيكه وتحليله وكشف تناقضاته، والشجاعة الفكرية والسياسية، فلا يخشى مواجهة السلطات أو النظم السائدة، حتى لو كان ذلك على حساب راحته أو سلامته، والارتباط الوثيق بقضايا الناس، فلا يعيش في برج عاجي، بل هو منغمس في هموم المجتمع. وهو يتمتع بالاستقلالية الفكرية، ولا ينتمي بالضرورة إلى تيار فكري واحد، بل يستفيد من كل المدارس الفكرية لتحليل الواقع، كما أن لديه القدرة على الفعل والتأثير، ولا يكتفي بالكتابة والخطابة، بل يسعى لإحداث تغيير عملي على الأرض.

يتشكل المثقف الثوري عبر عدة عوامل، من أبرزها التجربة الشخصية وغالبا ما يكون قد مرّ بظروف صعبة أو شهد ظواهر اجتماعية جعلته أكثر حساسية تجاه قضايا التغيير. وهو يتصف بالرغبة الشديدة في التعلم والانفتاح الفكري والاطلاع على الأفكار الفلسفية والسياسية بما يعزز من رؤيته النقدية. كما يتفاعل مع الحركات الاجتماعية والسياسية بالاحتكاك المباشر بالحركات الثورية يجعله أكثر إدراكا للواقع ومتطلباته.

الثورية ليست مجرد نزعة أيديولوجية، بل نتيجة وعي حاد بضرورة التغيير. يرى المثقف الثوري أنّ الأوضاع قد تتطلب الإصلاح مما يجعله يتبني خطابا يدعو إلى الإصلاح. ويقوم المثقف الثوري بتوعية الجماهير والعمل على كشف الحقائق وطرح القضايا الاجتماعية والسياسية. ويسهم في إلهام الناس ودفعهم نحو الفعل السياسي والاجتماعي. ويعمل على خلق بدائل فكرية وسياسية ولا يقتصر دوره على الهدم والنقد، بل يسعى إلى تقديم رؤى بديلة للمستقبل.

المثقف الثوري ليس ظاهرة ثابتة عبر الزمن، بل نتاج ظروف تاريخية معينة. يبرز فى أوقات الأزمات الكبرى، حيث يكون المجتمع بحاجة إلى رموز فكرية قادرة على تقديم رؤى جديدة. وقد شهد التاريخ العديد من المثقفين الثوريين الذين تركوا بصماتهم، مثل أبوحامد الغزالي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وفي الزمن المعاصر جان بول سارتر في فرنسا، وأنطونيو جرامشي في إيطاليا الذي نظّر لمفهوم «المثقف العضوي» ودوره في التغيير. وفرانز فانون الإفريقي الذي دافع عن الشعوب في مواجهة الاستعمار.

إن المثقف الثوري ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل قوة هادرة تهدف إلى تغيير سلبيات الواقع. إنه يختلف عن المثقف التقليدي من حيث الموقف والرؤية ودوره الحيوي في المجتمعات، إذ يسهم في رفع الوعي وإعادة تشكيل المسارات السياسية والاجتماعية، ما يجعله عنصرا لا غنى عنه في مراحل التحولات الكبرى.